تحديد وأهمية منطقة القرن الإفريقي

 تُعتبر منطقة القرن الإفريقي سواء بحدودها الضيقة أو الواسعة، منطقة استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، مقابلة لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط إفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة، محل للتنافس الاستعماري الذي عمل على تأجيج الصراعات بداخلها، خدمتاً لمصالحه. وعليه سيتم التطرق في هذه المقالة إلى تحديد وأهمية منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال عنوانين، الأول، يهتم بتحديد المنطقة والثاني، يعمل على إبراز أهميتها.

أولاً: تحديد منطقة القرن الإفريقي

    ترى الموسوعة التاريخية الجغرافية أن القرن الإفريقي يتكون من الصومال، جيبوتي، إريتريا وأثيوبيا حيث تشغل الصومال معظم مناطق القرن الساحلية التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن. وتشمل جيبوتي وإريتريا بقية مناطق القرن الساحلية التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أما إثيوبيا فقد حرمت من هذا المنفذ الساحلي الاستراتيجي بعد انفصال إريتريا في العام 1993. 

أما الدكتور محمد عبد الغني سعودي فقد اقتصر في كتابه “إفريقية في شخصية القارة شخصية الأقاليم” على أن دول القرن الإفريقي تتكون من إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، بينما السودان جعلها من حوض النيل ولم يصنفها من دول القرن الإفريقي. وأما كينيا وأوغندا وتنزانيا بالإضافة إلى راوند وبورندي فقد صنفها على أنها دول شرق إفريقيا.

وكان من وجهة نظر كل من الدكتور محمد نصر مهنا وخلدون ناجي معروف أن منطقة القرن الإفريقي سُميت بهذا الاسم لأنها تشكل ذلك النتوء البارز في الجانب الشرقي من وسط القارة الإفريقية، كما تطل المنطقة على بحر العرب شمال غرب المحيط الهندي، وتشكل مع اليمن، الصومال، جيبوتي، إثيوبيا وإريتريا المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يقف عند مدخله باب المندب. ويلاحظ أنهما لم يُدخلا السودان أو كينيا ضمن منطقة القرن الإفريقي.

 ويرى يوسف روكز أن القرن الإفريقي يضم الصومال، إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، ولقد سمي بهذا الاسم لأنه يشبه قرن “وحيد القرن” الذي يحده من الشمال البحر الأحمر ومن الشرق الشمالي خليج عدن، ومن الشرق المحيط الهندي، ومن الجنوب كينيا، ومن الغرب والشمال الغربي السودان، وتبلغ مساحته 1882557 كلم2.

 واعتبر بيركيت هابتي سيلاسي أن القرن الإفريقي يضم إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، ويحاذي الممرات البحرية الحيوية في المحيط الهندي أو خليج عدن والبحر الأحمر، أما السودان فليست ضمن دول القرن الإفريقي.

واستخرج الدكتور السيد فليفل وثيقة بريطانية وردت في وثائق الأرشيف السوداني بدار المحفوظات البريطانية، وهي عبارة عن خطاب موجه من المفوض البريطاني في أديس أبابا “ويلغرد تسيجر” إلى حاكم عام السودان في ظل الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان مؤرخ بتأريخ: 11/10/1917. وقد عرضت الوثيقة تصوراً شاملاً لمنطقة القرن الإفريقي والسودان وكينيا.

 واستناداً على هذه الوثيقة كان من رأي الدكتور فليفل أن القرن الإفريقي هو ذلك البروز المثلث الشكل، الواقع بين الشرق الإفريقي الذي يشرف على المحيط الهندي، خليج عدن، ويمتد شمالاً على ساحل البحر الأحمر لمسافة 600 ميل، ويمتد إلى داخل القارة الإفريقية ليشمل كلاً من الصومال، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، كينيا والسودان، وبالنسبة للأخيرتين فقد تم إدخالها ضمن دول القرن الإفريقي بسبب التداخل العرقي واللغوي بينهما وبين دول القرن الإفريقي.

واعتبر الدكتور محمد رضا فودة أن القرن الإفريقي يضم كلا من الصومال، إثيوبيا، إريتريا وجيبوتي، وأضاف لهذه الدول كل من كينيا والسودان؛ لاعتبارات جيوإستراتيجية ولتداخل الحدود والأقليات.

وطرحت سوزان رايس Susan Rais مع بداية عام 1998 فكرة مشروع القرن الإفريقي الكبير في الفكر الاستراتيجي الأمريكي والذي يتألف من القرن الإفريقي بمعناه الجغرافي زائداً السودان امتداداً إلى منطقة البحيرات العظمى.

في حين ذكر عبد الله أنس الإرياني أن القرن الإفريقي سمي بهذا الاسم بسبب شكله كقرن على المحيط الهندي وخليج عدن، ومن رأيه أن القرن الإفريقي يتكون من الصومال، إثيوبيا، جيبوتي، إريتريا إضافة لكل من السودان وكينيا؛ بسبب التداخل الحدودي والقبلي بل ويعتبر اليمن دولة من دول القرن الإفريقي؛ بحكم التقارب الجغرافي والتواصل السكاني والتأثير والتأثر؛ فهي في رأيه مرتبطة ارتباطاً جذرياً بالقرن الإفريقي.

وكان من رأي السفير محمد عبد الله الوزير أن تعبير “القرن الإفريقي” لمنطقة شاسعة من شرق إفريقيا له مدلول غير واضح المعالم جغرافياً، سياسياً، اقتصادياً وتاريخياً نظراً لانعدام الملامح الضرورية لوضع المنطقة في إطار مفهوم جغرافي وعرقي متناسق؛ ولذلك فهو يرى أن هذه التسمية تعتبر فرضية جيو بوليتكية، يمتد مفهومها الجغرافي عبر مسيرة التفاعلات الدولية المتسارعة وانطلاقاً من ذلك اعتبر أن منظمة القرن الإفريقي تضم كلاً من إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، الصومال وكينيا والتي تغطي مساحة قدرها 2362000 كلم2.

من خلال ما سبق يتضح أن القرن الإفريقي هو ذلك البروز الشرقي من القارة الإفريقية في اتجاه المحيط الهندي وخليج عدن على شكل مثلث ويشمل من الناحية الجغرافية الصومال، إثيوبيا وجيبوتي، بيد أن بعض السياسيين قد وسَّع الرقعة التي يشملها هذا القرن لتضم كينيا والسودان لتداخل الحدود والأقليات.

 أما الولايات المتحدة الأمريكية، وبصفة خاصة منذ عهد الرئيس “بيل كلنتون” فقد وسَّعت حدود القرن الإفريقي ليشمل السودان وكينيا زائداً منطقة البحيرات العظمى ككل وسمته بالقرن الإفريقي الكبير، وهناك من جعل اليمن ضمن دول القرن الإفريقي؛ بحكم القرب الجغرافي والتواصل السكاني والتأثير والتأثر.

ولقد قام وزير الدولة الفرنسي للشئون الخارجية، حينها، “أوليفيه سيترن” في عام 1981 بتوجيه الدعوة إلى كل من السعودية واليمن إضافةً إلى دول القرن الإفريقي لعقد مؤتمر إقليمي يهدف إلى حل مشكلات المنطقة.

وكذلك أكدّ الرئيس الإريتري “أسياسي أفورقي” عام 1994 في تصريح له إثر زيارته لليمن، على أن الدائرة الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي لا تكتمل من دون اليمن التي ترتبط معه بعلاقات حضارية وتاريخية قديمة.

وبالتالي يتضح أن الدلالة السياسية لمصطلح القرن الإفريقي تتعدى حدود الدلالة الجغرافية حتى في معناها الواسع. ينظر الخريطة أدناه والتي تبين دول منطقة القرن الإفريقي، ولا تخرج عن نطاق الرؤى السابق ذكرها.

افريقيا

الخريطة تبين دول منطقة القرن الإفريقي:

 جيبوتي

 ﺇثيوبيا

 الصومال

 ﺇرتيريا

ثانياً: أهمية منطقة القرن الإفريقي

تُعد منطقة دول القرن الإفريقي واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، وتستند هذه الأهمية إلى عدة اعتبارات أهمها:

 أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869.  

باكتشاف النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج؛ أصبحت هذه الأخيرة منطقة مصالح حيوية بالنسبة للدول الصناعية، وبالتالي ازدادت قيمة الممرات المائية السالفة الذكر؛ حيث أنّ منطقة منابع النفط لا تقل أهمية عن ممرات نقله، وبالتالي ازدادت قيمة منطقة القرن الإفريقي كمنطقة تطل وتتحكم بهذه الممرات ومقابلة لمنطقة مصالح حيوية عالمياً.

وفي هذا الإطار يقول الرئيس الأمريكي الأسبق “ريتشارد نيكسون” <<يجب أن نتعامل مع المصالح الثانوية أحياناً وكأنها مصالح حيوية>>، وعليه، إذا كانت دول القرن الإفريقي لا ترقى إلى مرتبة المصالح الحيوية للولايات المتحدة، فهي تأتي دون شك في المرتبة الثانية، أي ضمن المصالح الثانوية، وبالتالي يتم التعامل معها أحياناً من قبل الولايات المتحدة في إطار المصالح الحيوية لها.

ولقد ظلت منطقة القرن الإفريقي محل اهتمام دائم ومستمر من القوى الغربية وميداناً لتصارعها وتنافسها منذُ بدء الحملات الاستكشافية البرتغالية في القرن السادس عشر، وما أن حل القرن التاسع عشر حتى كان لأغلب القوى الاستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات في المنطقة.

وخلال سبعينيات القرن الماضي وأثناء الحرب الباردة شهدت المنطقة تنافساً شديداً وتبادلاً للمواقع وحروباً بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ومع تراجع الاتحاد السوفيتي عن مكانته كقطب منافس ثم انهياره بعد ذلك أصبح التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. 

أنها اكتسبت أهمية استراتيجية من خلال موانئ وجزر دول القرن الإفريقي بالنسبة للسياسة الإسرائيلية حيث اعتبرتها جزءاً من نطاق الأمن الحيوي الجنوبي لإسرائيل، وكان لهذا الأثر البالغ على تهديد الأمن القومي العربي.

أن القرن الإفريقي سواء بحدوده الضيقة أو الواسعة، يعتبر منبعاً لنهر النيل؛ حيث تحصل مصر على 85% من حصتها السنوية من هضبة الحبشة، و15% من البحيرات العظمى، وتسعى إثيوبيا في الوقت الحالي إلى التحكم في كمية مياه النيل الأزرق التي تنساب لكل من مصر والسودان وذلك من خلال السيطرة على روافده وإقامة العديد من المشروعات الممولة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بهدف التقليل من كمية المياه التي تدخل السودان ومصر وهو الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل عملية التنمية في البلدين، وهذا تهديد للأمن القومي العربي.

علي حسن الخولاني

باحث دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، مختص في الشؤون الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى