حي “شنغاني” في مقديشو شاهد على تعاقب الحضارات في الصومال

مقديشو( مركز مقديشو) رغم أن أغلب جدران ومباني حي “شنغاني” أو “شوقاني” في العاصمة الصومالية مقديشو باتت أطلالا، فإنها مازالت مغلّفة بعراقة 8 قرون وتاريخ مديد.

فالحي الأكثر عراقة بالمدينة يروي لزائريه ماضيه العريق، ويأمل في استعادة أمجاد تغنّت بها أجيال بعد عودة المغتربين إليه. في تلك البقعة من الأرض تعانق ركاب الحضارات ورحالة الكشوفات العربية والبرتغالية، ليكتشف قاصدوها آثارا شامخة تعكس الهندسة والذوق.

لم يقلل الدمار الشامل الذي تعاني منه المباني من روعة هدوئها وسكونها الممزوج بصوت مياه الأمواج المتلاطمة. فالحي يزهو ببقايا مبانٍ لم تلوثها الحياة العصرية، ما يسمح للزائر بأن تتحرك أشجانه وتأملاته بعيدا عن ضوضاء وصخب العاصمة.

من أبرز معالم الحي مسجد شنغاني، الذي بني قبل نحو 800 سنة، وقصر سلطان برغش العماني، وجامع عبدالعزيز، إلى جانب المتحف الأميركي التاريخي.

كما يضم الحي “دار موسوليني”، حاكم إيطاليا 1922ـ1943 التي أقامها المستعمر الإيطالي عام 1935، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون إكمال المشروع، وتحولت الدار اليوم إلى “مهجع” للكلاب الضالة والمشرّدين.

وبين أزقتها تأخذك إلى أعماق رحلة استكشافية، تحوي أثارا وجداريات للرحالة البرتغالي كريستوفر كولومبوس، الذي كان من ضمن طليعة الكشوفات الجغرافية بالمنطقة.

الحي، الذي يتميز بموقعه الجغرافي المطل على ساحل المحيط الهندي، كان يوما مبعثا للحياة ومقصدا للراغبين في العيش في رحاب الماضي.

أغلب مبانيه تحولت اليوم إلى ساحات مدمّرة بالكامل، لا يقصدها سوى مدمني المخدرات وكلاب الشوارع.

وتختلف الروايات حول معنى اسم شنغاني أو شوقاني، فبعض الروايات تقول إنه مشتق من العربية ومعناه “الشوق”، بينما يرى آخرون أنه يعود إلى ملك “شنغن أبي”، وقيل إنه أحد ممالك حمير (اليمن)، فيما ذهب آخرون إلى أنه مشتق من منطقة تقع بمدينة نيسابو الإيرانية.

الحي يزهو ببقايا مبانٍ لم تلوثها الحياة العصرية، ما يسمح للزائر بأن تتحرك أشجانه وتأملاته بعيدا عن ضوضاء وصخب العاصمة

ويقول مؤرخون إن أجناسا مختلفة كانت تعيش في ذلك الحي الساحلي بينها الهنود والعرب والإيطاليون والباكستانيون. وتعود بعض المنازل في الحي إلى أصول إيطالية أو هندية ويمنية، وهو ما يزيد الحي تنوعا ثقافيا وحضاريا يميّزه عن بقية أحياء العاصمة.

وكان حي شنغاني يضم إلى جانب معالمه التاريخية، بعض المقار الحكومية ومنها المطبعة الوطنية والتأمين الوطني، إلى جانب البنك المركزي.

كما كان يضم مقار سفارات عدة دول بينها السعودية والهند وإثيوبيا، وفندق “عربو”، أفخر فنادق الصومال. لكن كل تلك البنايات لم يتبق منها اليوم سوى أطلال قديمة تحتفظ في باطنها بتنوع النسيج المجتمعي الذي احتضنه الحي.

عامر شكاتي (70 عاما)، مؤرخ صومالي، وهو بمثابة وعاء تاريخي للحي، يدير اليوم مجلس “الرعاية لحماية التراث والثقافي” لحي شنغاني.

يقول شكاتي إن الحي هو أعرق الأحياء في العاصمة، ويتميز بطابعه المعماري الذي شيّد قبل نحو أكثر من ثمانية قرون إلى جانب المناطق الأثرية. ويضيف أن ثمة اكتشافات أثرية بالحي تعود إلى عهد الكشوفات الجغرافية، وحضارة حمير اليمنية التي حكمت سواحل شرق أفريقيا.

ويقول عبدالقادر علي، أحد سكان الحي، الذين عادوا من المهجر، عدنا بعد نحو 20 عاما في الغربة، ونحاول نفض الغبار عن الحي. ويضيف “نعمل على إعادة هيكلته واستعادة رونقه من جديد بالتعاون مع الجهات الرسمية في البلاد”.

ويقول عبدالله عمر، أحد زوار الحي، وهو يتأمل أطلال المعالم الأثرية، إن ما يحتويه هذا الحي من معالم تستحق ترشيحها إلى قائمة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

ويوضح أنه رغم أن الصومال ليس عضوا بمنظمة اليونسكو، إلا أن الآثار القديمة بحاجة إلى علماء لسبر أغوار التاريخ المدفون في بقاع هذا البلد. ومضى قائلا، إن السكان عثروا على بقايا مبان ومساجد كانت في باطن الأرض عند إعادة ترميم مساجد تاريخية، ما يؤكد أن الحي يحتوي على مواقع أثرية لم تكتشف بعد. ويضيف أن الدمار الهائل الذي تعرض له حي شنغاني حرم الصوماليين من التعرف على المواقع الأثرية القديمة، ونقلها من جيل إلى آخر كوسيلة للحفاظ عليها.

ويرى مؤرخون أن المعالم الأثرية المكتشفة في الحي أقل بكثير مما هو موجود فعليا، لكنها بحاجة إلى من ينقب عنها.

وتسبّبت الحروب والفوضى الأمنية التي ضربت البلاد طولا وعرضا لسنوات طويلة في غياب استراتيجية واضحة المعالم للتنقيب والعناية بالآثار.

وبعد تحسن الوضع الأمني، بدأ المغتربون يعودون إلى البلاد، فيما يحاول حي شنغاني النهوض من براثن الركام ليكون الوعاء الثقافي والحضاري للبلاد والقرن الأفريقي.

المصدر- صحيفة العرب

زر الذهاب إلى الأعلى