الملتقى العلمي في أوسلو -النرويج : انجازات واقتراحات

انعقد المؤتمر السادس عشر للجالية الصومالية في مملكة النرويج في العاصمة أوسلو ما بين ٢٩ من مارس  إلى الأول من شهر أبريل عام ٢٠١٨م ، الذي يقوم بتنظيمه وتسييره الأخوة في مسجد التوفيق من علماء وإداريين ومتطوعين من كافة أبناء الجالية الصومالية رجالا ونساء وشيوخا وشبابا .

وقد شارك في تقديم محاضراته وإثراء ندواته كوكبة من الدعاة والعلماء الصوماليين الذين قدموا من أماكن متفرقة من داخل النرويج وخارجها ، وتجاوز عددهم فوق العشرة.

ومن حسن صنيع إدارة المسجد بأن قامت بتوفير وتجهيز كل احتياجات العلماء من حسن الاستقبال وكرم الضيافة مع بشاشة الوجه وطيب الكلام مع الاصرار على تقديم الاعتذار من دون جُرم اقترفوه مما يدل على سعة  الصدر وكريم السجايا وطيب المعشر ، فلهم منّا كل الشكر والتقدير.

وأما الجالية الصومالية  التي شاركت في المؤتمر قد جاءت أغلبيتها  من النرويج والسويد والدنمارك ومن أماكن متفرقة أخرى مما أضاف إلى قاعة المؤتمر وأورقتها جمالا ورونقا .

وأريد أن أعبر في هذه الأسطر التالية انطباعاتي ورأيي فيما شاهدت من انجازات وتقدم حظي به المؤتمر في هذا السنة وما صاحبها من فعاليات ونشاطات تثلج الصدور وترفع الههم وتعيد الأمل لكل من يريد أن ترتقي مسيرة الدعوة وتستمر بدون ملل ولا كلل ، كما تبعث رسالة إلى كثير من المؤتمرات والملتقيات العلمية المقامة في أماكن متفرقة من المراكز ومساجد الجاليات في انحاء العالم التي فقدت بَريقها وخسرت جمهورها بسبب الأخطاء التراكمية التي لازمت في مسيرتها وحولها من مشروع دعوة وإصلاح أمة إلى ساحة استقطاب حزبي وفئوي منغلق رسم في وجه الدعوة الناصع بصورة مشوهة ومنفرة ، كما اتبع بعض الاقتراحات والنصائح لكي تتضاعف الجهود المبذولة ويستمر العطاء ويكثر الخير ، ويتفادى الأخطاء لتكمل الصورة وتشرق شمس الدعوة بكامل جمالها وضيائها .

انجازات المؤتمر :

  • كان أول مؤتمر يقدم فيه أربع ندوات في أربعة أيام متتالية يناقش فيها مواضيع ذات صلة مباشرة لأوضاع الجالية الصومالية في المهجر وتمس حاجتها اليومية ، منها ندوة حول القبلية ودورها السيء في المجتمع وطرق علاجها ، وندوة عن الجيل الناشئ وما يعانيه من ويلات المخدرات والجريمة المنظمة والفشل في الدراسة وكيفية تحقيق التعاون بين جميع الجهات ذات العلاقة لعلاج هذه الظاهرة التي تزداد يوما بعد يوم ، وندوة حول الخلافات الموجودة في المساجد والتنازع الذي عطل وقزم دورها في إفادة الأمة والبحث عن علاج صحيح لهذه المشكلة التي أصبحت مثار قلق للجميع . واخرى حول أسباب الخلاف الزوجي والأسري وبيان مسؤولية الزوجين وطرق العلاج وحماية الأسرة من التفكك وضياع الأولاد.
  • كان الملتقى أول مؤتمر يشترك في جميع ندواته كافة العلماء والدعاة بدون استثناء ، حيث يصعد  المتحدثون الرسميون إلى المنصة ، ويجلس البقية على الكراسي الموجودة على يسار المنصة ، ليشاركوا في مناقشة الموضوع المطروح وابداء الرأي فيه .
  • وهو أول ملتقي علمي يسمح للجمهور رجالا ونساء وشبابا في المشاركة وطرح مرئياتهم وآرائهم بصورة مباشرة من غير تقييد أو تضييق سواء اتفقوا مع المشايخ أم اختلفوا معهم ، لأن الهدف هو تحقيق قدر أكبر من التفاعل والتفاهم بين المشايخ والجمهور ، وأن القضايا المطروحة لا تحتاج إلى سرد الأدلة فقط بل لا تحتاج إلى عقول واعية ومدركة لما يدور حولها وتقدر التعامل مع الواقع بصورة صحيحة يكثر الخير ويبقيه ويذهب الشر ويقلله ، ما أعطى الملتقى جمالا وحيوية يمكن البناء عليه في المستقبل .
  • وهي أول مرة يوافق العلماء والدعاة على مناقشة بعض المواضيع الحساسة بصورة مباشرة أمام الجمهور ، وكان في السابق يُتهرب منها ويتجنب عن مجابهتها ، وهي بداية جيدة ينبغي الاستمرار عليها لأن الشفافية والصراحة مما يقرب بين المجتمع ويزيل الشكوك الموجودة فيما بينهم .
  • في بعض الأحيان طرحت بعض المواضيع ذات النفع العام باستحياء ، ولم تجد حظها من المناقشة والمداولة ، ولكنها بداية جيدة يمكن محاولتها وإعادة طرحها من حين لآخر بصورة ووقت أفضل .

كان التنظيم والترتيب في قاعة المحاضرات وصالة الأطفال وتوفير بعض الألعاب فيها وسيارات النقل وتوفير الوجبات واتاحة الفرصة أمام أصحاب البيع والشراء ملفتا للنظر ومنظرا جميلا يستحق الثناء . وهناك ايجابيات كثيرة لا يمكن حصرها في هذه العجالة السريعة ّ.

وأما الاقتراحات والنصائح لا تقلل مما ذكرنا من انجازات بل ترمم الفجوات الموجودة وتصوب الأخطاء غير المقصودة ، لأن أعمال البشر لا تخلو من أخطاء مهما تفانى القائمون عليها من جهد ، والعاقل يفرح من يسدوا له النصائح ويخلص له ولا يرى ذلك بأسا ، لأن العين الواحدة لا تكفي ، وهذا الأمر جزء من حقوق الأخوة ، ومنها التالي :

  • ينبغي للإدارة السعي لتقليل عدد العلماء والدعاة المشاركين في المؤتمر لأن قصر أيام المؤتمر وكثرة العلماء لا يتناسب مع الجهد المبذول ، وليس من الحكمة أن يأتي شيخ من أقاصي الأرض ثم يلقي محاضرة أو محاضرتين فقط ، لأنه كلما قلَّ العدد كلما ارتفعت الجودة .
  • إعطاء الأولوية للعلماء الذين يأتون من خارج البلد المضيف ، لأن دعاة الداخل أمامهم فرص كثيرة لإفادة الجالية وأنهم يقيمون بينهم بصورة دائمة ،فإعطاء الفرصة وإتاحة المجال أمام من يأتي من الخارج أولى من أجل تغيير الوجوه لأن ذلك أدعى لتنشيط الدعوة .
  • إعادة النظر في الموضوعات المطروحة مع توفير الوقت الكافي للمحاضر حتي يتمكن من توصيل المعلومة إلى المتلقي ويستطيع الإجابة على الأسئلة ذات العلاقة للموضوع .
  • تشجيع الدعاة والعلماء الحضور إلى قاعة المحاضرات والجلوس على الكراسي الأمامية لإستماع الكلمات والندوات مما يضيف نكهة وجمالا للقاعة ، وتحفيزا وتشجيعا للعامة على الحضور والتفاعل مع المؤتمر .
  • اعداد برنامج دعوي يشمل كل المدن النرويجية ، بعد انتهاء المؤتمر الرئيسي في أوسلو ، وتقسيم  العلماء إلى مجموعات تذهب كل جماعة إلى ناحية ما ، مع ترتيب دورات علمية مصغرة تمتد لثلاثة أيام فأكثر حسب الحاجة ، مما يكون له الأثر الإيجابي في نفوس الناس .
  • التفكير على تأسيس منصة حوارية خاصة بين العلماء والدعاة المشاركين في المؤتمر، وألا يسمح للحضور إلا من كان على شاكلتهم ، لأن الحوار بين العلماء الصوماليين عامة وعلماء المهجر خاصة يكاد يكون يتلاشى عن الوجود أو مفقود أصلا ، وليس له معنى أن يتقاسموا في مشاركة ندوات ولقاءات جماهيرية ويجلسوا تحت لافتات كبيرة زين عليها بعبارات تدعو إلى التآلف والتكاتف أو يتمازحوا عند اللقاءات العابرة ، ولكن لا يستطيعون أن يتناقشوا أو يتحاوروا في مسألة ذات علاقة بالشأن العام أو كيفية بناء وتأسيس رابطة دعوية قوية بينهم لتحقيق الأهداف الكبيرة التي يؤمنون بها ويسعون إلى تحقيقها ، لأن هذا النوع من الحوار سيكون سببا لإزالة وتذويب أو تخفيف الجليد والحاجز النفسي الموجود بينهم .

وأخيرا هذه كلمات قليلة أردت منها بيان وتعبير ما رأيت من انجازات وجهود مشكورة بذلتها إدارة  مسجد التوفيق في أوسلوا حول انجاح  المؤتمر السنوي ، كما أردفت نصائح وتوجيهات تكمل هذا الجهد الكبير ، وما أردت منها إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى