القبيلة والسياسة في الصومال : توازنات و تفاعلات

المشكلة القبلية  كانت ولا تزال حاضرة بقوّة في المشهد الصومالي خصوصا على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وعلى الرغم  من المحاولات الكثيرة  لتقليل وإضعاف دورها السياسي في حقب ما بعد الاستقلال و قبل الفوضى ، وبالرغم من إشاعة وأدها مرارا في فترة حكم العسكر(1979-1991) ، فان كل هذه المحاولات ضدّها لم تكن سوى التعامل مع المظاهر والأعراض دون البحث عن الأسباب الحقيقية،  وأن القبلية كانت تطل برأسها  بين الفينة والأخرى على الشعب الصومالي تحت عباءات مختلفة وشعارات متعددة .

وفي العقد الأخير  من فترة حكم الرئيس الراحل محمد سياد برّي  انتشر المرض في جسم الدولة  ثم انتقل عدواه إلى كامل الجسم الصومالي ،  وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث كارثة تاريخية تعجز  الكلمات عن تعبيرها ،  بحيث قاد الثلاثي السلطة والمعارضة والشعب ، البلاد إلى  أتون صراعات قبلية مريرة راحت ضحيتها مئات الآلاف من الشعب الصومالي وهجرة عدد كبير منهم إلى خارج البلاد بالإضافة الى كوارث أخرى منها :  الجفاف ، والمجاعة ،  والفقر والتي لايزال البلد يعاني البعض منها.

وبعد انهيار النظام ازداد الأمر تعقيدا ، وصار ت الحمية القبلية  ثقافة متجذرة  راسخة في نفوس الصوماليين غلبت كل الولاءات الأخرى،وباتت الفُرقة والتَشَرذُمً السمة الأبرز للصوماليين فِي ظل وَاقعٍ أليمٍ يعِيثُ فِيه فساد كُلُّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ.

تلكَ الآفَة التي ابتليت المُجتَمَع الصومالي ،  كانت ولازالت تلعب دورا محوريا في النظام السياسي في الصومال خلال مرحلة الفوضى ، وهي الحل المرحلي للأزمة الصومالية  بعد  فشل عدّة مؤتمرات طرحت على موائدها أجندات لا تخدم للبلاد  اجتماعيا وجغرافياً وتاريخياً.

و في عام 2000  توصل المشاركون في مؤتمر “عرته” بجيبوتي إلى ضرورة تسييس القبيلة بعد أن جرى ممارسة ضغوط عليهم من قبل قوى خارجية تحت مبررات وهمية  وصدر عن المؤتمر  ما بات يعرف بالعرف السياسي  الصومالي  بنظام”4.5″  والذي على أساسه يتم توزيع السلطات  على أربع قبائل كبرى وعشائر أخرى، ويمكن اطلاق تلك الخطوة على الخطيئة  الكبرى في تاريخ السياسة الصومالية .

الزواج غير الشرعي بين القبيلة و السياسة التي ظلت تمارس في المشهد السياسي الصومال طوال العقود الماضية، ساهمت في قلب المفاهيم وصياغة ثقافة جديدة أنتجت طبقة من السياسيين القبليين لا يهمهم غير الدفاع عن المصالح القبلية وإن كانت على حساب الوطن و النيل من هيبة الدولة، والهدف الوحيد الذي يحركهم هو من أجل اقناع أ فراد القبيله  والسعي بالفوز بلقب بطل القبيلة. 

ومن المفارقات العجيبة أن السياسي الآخر المنتمي إلى نفس القبيلة المترفع من الحمية القبلية  تعتبره القبيلة عنصر غريب ودخيل فيها لا قيمة له مادام لا يتجاوب مع طلباتها المبنية في كثير من الأوقات بالأنانية والتعنت القبلي ليس إلّا.

ومن بين الثقافة الخطيرة التي أورثتنا عملية توأمة القبيلة والسياسة ما بات يعرف بثقافة الولاء والبراء على أساس موقع القبيلة،  يعنى ذلك، تعد القبيلة من مؤيدي النظام ما دام يشغل أحد أبنائها منصبا سياسا رفيعا ، واذا فقدت هذا المنصب ستتحول بمباشرة  إلى موقع المعارضة، وتتغير سلوكها تجاه الدولة، بل تسعى جاهدة لتعطيل مهام الحكومة وأعمالها وعرقلة تحقيق أهدافها من خلال الإشغال بمعارك جانبية لا تمت لمصلحة البلاد بإية صلة وبات هذا الأمر  في الآونة الأخيرة ملفتا للنظر ومتكررا في الساحة السياسية.

رغم سريان المفعول القبلي في كثير من مجالات الحياة ، إلا أننا نلاحظ في الآونة الأخير تغييرا ايجابيا في وعي الشعب، وهناك رغبة شعبية جامحة في نشر ثقافة السلام في المجتمع، وخلق أجواء من التسامح والتفاهم بعد أن انتبه العقلاء والوجهاء المخاطر المحدقة بالبلاد والعباد والتي قد تساهم في استئصال الوجود الصومالي برمّته ، ومن هنا تحتمت إطلاق مبادرات وطنية للم الشمل وضمد الجروح ،  بغية التجنب من تكرار  ماحدث، ولحماية مستقبل الاجيال القادمة من الضياع الذي حل بالجيل الحالي ،  وخير مثال لذلك ما لاحظنا في الانتخابات الأخيرة من الشعور الوطني لدى النواب الذين رفضوا الإملاءات الأجنبية والقبيلة اللذين ظلا في السنوات الماضية  العامل الأهم لحسم الانتخابات التي تجرى في البلاد، وما أعقب ذلك من الترحيب الشعبي الواسع لانتخاب  “محمد عبد الله فرماجو”  رئيسا للبلاد وما حظيت زيارته الأخيرة إلى المناطق الوسطى والشرقية  من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة من قبل شيوخ القبائل ورجال الدين وطلبة المدارس وكافة اطياف المجتمع الأخرى.

عكست هذه الزيارة الحس الوطني العالي لدى الشعب الصومالي والشوق لبوتقة الوطن الكبير والاستياء المتزايد من التخندق خلف الولاءات الضيقة، كما كانت قاصمة لظهر البعير  حيث أسكتت أصوات المعرقلين وكسرت طموحات الأعداء في الخارج  وتجار الحروب الذين نصبوا مطبة تلو الأخرى للأشغال الحكومة وثنيها عن الهدف الرئيسي ، و لم تكن كل تلك الهبات الشعبية سوى إعادة الأوضاع الى مجاريها، و حماية مكتسبات الدولة من الضياع رغم المآخذ الموجودة .

صلاد علمي فيذو

كاتب وباحث صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى