
مثل مجاعة الصومال !!
في عز أزمة الحرب الأهلية الصومالية ، كان للدكتور الداعية سعد البريك محاضرات مكثفة يستنجد بها قلوب المسلمين لنجدة الشعب الصومالي المنكوب في ذاك اللحين ، وكان يذكر في خطبه الحماسية مشاهد من الأوضاع الإنسانية المؤلمة التي سمع بها ، أو تلك التي وقف بنفسه امامها ، فكان للداعية عاطفة صادقة ، وجهود ملموسة في تحريك مشاعر الأخوة ، والمساندة تجاه الشعب الصومالي ، و في أحد خطبه الحماسية تحدث الداعية الدكتور عن المجاعة ، وعن قسوة الجوع الذي يُذل الإنسان إلى حد يفوق الوصف ، وقال بأن الحد الذي وصله الإنسان الصومالي كان حداً متدنياً جداً ، لأنه أكل ما تأنف النفس البشرية أن تأكله ، فكان لهذا الكلام صدى مزعجا جدا للنخبة الصومالية المثقفة ، فطلبوا منه الإعتذار الفوري عن هذا الهراء الغير المعقول والصادم لمشاعر أي إنسان ، ومنذ ذلك اليوم إرتبطت المجاعة بالصومال ، حتى أصبح أسمها عند العربي مرادف للمجاعة والقحط ، ولازلت أذكر صوت معلمتي المتأرجح وهي تصف كيف أن الجوع يفتك بالصومالي حتى أكل ما لا يُؤكل ، فبعد حديثها المؤثر دارت كل الأعناق الصغيرة تتفقد صدق كلامها في وجهي البريء الذي لم يعرف حينها ما معنى أن أكون صومالية .
تأصلت هذه الصورة النمطية ، وإستمرت تُتداول كحقيقة مسلمة بها ، و دُعمت بشكل رئيسي في الإعلام ودراما أخواننا العرب ، و نحن أيضاً بدون أن نعلم كنا نساهم في ترويج تلك الصوة السلبية ، فمثلاُ قبل عدة أشهر أرسل لي شخص “صومالي” مقطعا مصوراً لداعية يتحدث عن السعادة ، فكان ينصح مشاهديه بأن يأكلوا بنهم شديد ، مثل شخص قادم من مجاعة في الصومال ، فلا تستغرب إذا قلت لك بأن هذا الحديث مصوراً في 2017م ، و على لسان دأعية مثل الدكتور سلمان العودة ، وهذا يجعلنا نتساؤل لماذا هذا الوصف مازال يلاحقنا ؟ ولماذا نسمعه بين حين وآخر من إعلام يصف ذاته بأنه مهني ، ومستقصي جداً للحقائق ؟ فلماذا ياترى لم توظف تلك القنوات على الأقل القليل من المهنية التي تظهر التفاوت والتنوع المعيشي الموجود في الصومال ؟
فاعندما نتتبع المادة الإعلامية التي يخصصها هذا الإعلام المهني عن الصومال منذ سنوات ، نجد بأنها لا تتجاوز التقارير الأخبارية ، وليس دائما ً كل الأخبار ، وإنما الأخبار الصادمة منها فقط ، وكأن الصومال لا يمثل إلى ذلك الجانب المظلم ، ولو تأملوا قليلاً لوجدوا في الصومال دروسا واقعية لكيفية دخول المشكلات والخروج منها بشق الأنفس ، فنحن كنا أول من ثار على نظام حاكم من الدول العربية ، وأول من تشرذم وتفكك ، فعرفنا قبل الجميع معنى الوجود الأجنبي والتدخل الأجنبي ، فهذه المليشيات الدولية التي تُحشد في بعض الدول العربية اليوم ، لا يمكن أن تُحشد الآن في الصومال لأننا عرفنا بالصوت والصورة ما معنى حشد مليشي ، وتلك الوحيدة التي ترونها تقاتل فإنها تُلعن ليلاً ونهاراً ، فهناك إجماع عام على عدم تكرار تلك السنوات العجاف ، فلماذا يصر أخواننا العرب إستجلاب تلك السنوات العجاف من تاريخنا ، وجعله حاضراً أبدياً لا يفارقنا ، هل صدقاتهم وتبرعاتهم لنا يوماً أصبحت علينا مناً وأذى ؟.