الصومال: التوازن بين المصالح الوطنية ومطالب القوى الدولية والإقليمية

 في ضوء الرؤية الواقعية في العلاقات الدولية، فأن حاجات الدول هي التي تحدد السياسات الدولية وأن القوى الكبرى تتصرف وفق تلك الرؤية، وبما تملي عليها مصالحها القومية وليس ما تقرره القوانيين الدولية ، ولا تلتزم  في بعض الأحيان بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبالتالي فالدول الضعيفة دائما تشكو من التدخلات الأجنبية والانتهاك المستمر بسيادتها والمحاولات المتكررة من أجل السيطرة على قرارها السياسي.

فالصومال، مثلا تشكو منذ سقوط النظام المركزي عام 1991 من التدخل  الأجنبي  والأدوار السلبية التي كانت تلعب بعض القوى  الإقليمية والدولية  في تأجيج الصراع القبلي والسياسي في البلاد  وممارسة أبشع أنواع الاستغلال  في الفوضى العارمة التي اعقبت انهيار الدولة لتحقيق مصالحها عبر دعم الفرقاء الصوماليين المتصارعين على السلطة بالمال والسلاح دون اعارة أي اهتمام لسيادة البلاد ووحدة  أراضيه واستقلال قراره السياسي حتى باتت الأزمة الصومالية عصية على الحل.

لكن هذا الانطباع بدأ يتغير بشكل تدريجي مع ظهور الجماعات الاسلامية المسلحة في البلاد والتي باتت عام 2006 قاب قوسين أو أدنى من اقامة نظام اسلامي في الصومال  عند ما سيطرت جماعة المحاكم الاسلامية على العاصمة مقديشو وعلى مناطق واسعة من  جنوب وسط البلاد وصارت تدق أبواب المناطق الشمالية التي كانت تتمتع بهدوء نسبي مقارنة بالمناطق الجنوبية.

 حينها  بدأت الأمور تتغير . تغيرت رؤية شرائح كبيرة من المجتمع الصومالي  السلبية تجاه القوى الاقليمية الفاعلة في البلاد  ووصل بهم الأمر إلى الاستنجاد بهذه القوى لتخلصهم من عنف التيارات الإرهابية، وأن القوى الاقليمية والمجتمع الدولي ذاتها أعادت النظر في سياساتها تجاه الصومال وقررت توجيه بوصلتها هذه المرة نحو مواجهة صعود التيار الاسلامي المسلح في الصومال والذي بات يشكل تهددا حقيقيا على أمنها واستقرارها من خلال تدخل مباشر وادخال أعداد كبيرة من قواتها إلى عمق الأراضي الصومالية لإستئصال شأفة الاسلامين المتطرفين .

وبعدما  نجحت تلك القوى في تقليص نفوذ القوى الاسلامية الطامحة للسلطة انتقلت إلى دعم المسار السياسي والمصالحة و اقامة نظام فيدرالي على أساس قبلي في الصومال، بالإضافة إلى دعم الجهود الدولية لإعادة بناء المؤسسات الدستورية، وتشكيل قوات صومالية تتولى مهمام الأمن في البلاد، وهذه أمور لم تكن بعض القوى الاقليمية تريد تحقيقها ، بل كانت تعارضها بشكل سري وعلني خلال السنوات الأولى من سقوط الدولة في الصومال، لكن هذه المرة بسبب الوضع الأمني في المنطقة وتهديدات الجماعات الإرهابية رأت أن مصالحها القومية لا تتحقق الا عبر دعم الاستقرار السياسي والأمني في الصومال.

 رغم وجود هذه التغير الإيجابي في سلوك هذه القوى تجاه الصومال الا أن مواقفها حيال حكومة فدرالية قوية وقادرة على ممارسة سلطتها وبسط نفوذها وسيطرتها على جميع انحاء البلاد في مقديشو لا تزال متباينة ومتعارضة وهذا الأمر ترك الأبواب مشرعة على عودة الخلافات بين الأقطاب السياسية  والعشائرية والذي تحول اليوم إلى خلافات بين الحكومة الاتحادية في مقديشو والحكومات الإقليمية  على إدارة البلاد وخصوصا فيما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة والعلاقات الخارجية نظرا لتعارض مصالح القوى الاقليمية الفاعلة في الصومال .

 لكن مع تباين مواقف هذه القوى تجاه الصومال والجوانب السلبية لدورها  الا أنه يمكن القول  يجب أن ننظر  إلى  النصف الممتلئ من الكأس ، لأن تلك التدخلات الخارجية تساهم  وبشكل فعال في إعادة بناء مؤسسات الدولة ولاسيما الأمنية منها، وتنمية الاقتصاد،  وانتشار مظاهر الدولة في جميع المناطق الصومالية، فالقوى الخارجية تقيم اليوم علاقات سياسية واقتصادية قوية مع إدارات الولايات الاقليمية، وتقدم لها دعما ماليا مباشرا وتنفذ مشاريع تنموية في تلك الولايات. رغم أن هذا الدعم يتم بدون التنسيق مع الحكومة الاتحادية الا أنه يلعب دورا كبيرا  في تعزيز الأمن والاستقرار في تلك المناطق وتطوير النبى التحتية فيها وخاصة المطارات والموانىء والجامعات والمستشفيات وشبكات النقل وتحسين الوضع المعيشي لسكانها وذلك من  خلال خلق مئات الفرص للشباب العاطلين عن العمل.

 أضف إلى ذلك  تمكنت الإدارات الاقليمية وبدعم القوى الدولية والاقليمية من إدارة مواردها الاقتصادية،  حيث تعاقدت مع شركات أجنبية متعددة للإستغلال من هذه الموارد دون أن تتأثر ببروقراطية الحكومة المركزية ومماطلتها وما حققت هذه الإدارات خلال السنوات الماضية  لم يكن يتحقق في ظل نظام مركزي محتكر للسلطة.

ومن هنا يجب الإشارة إلى أن بعض القوى السياسية في الصومال  لا تريد النظر إلى هذه الجوانب الإيجابية وتركز على السلبيات وهذا التفكير السلبي في ضوء العلاقات الدولية يتعارض مع  مبدأ  التوازن بين المصالح الوطنية ومطالب القوى الكبرى، وقد يقود البلاد إلى ما لا يحمد عقباه.

زر الذهاب إلى الأعلى