تصميم المناهج التعليمية في الصومال (فلسفة التعليم)

إن كل دول العالم تسعى سعيا حثيثا لبناء ومراجعة مناهجها الدراسية وتطويرها والإرتقاء بها إلى الأحسن… فعملية بناء المنهج تختلف تماما عن عملية تطوير المنهج، حيث تختلف من نقطة الأساس وهي بداية وانطلاق عملية بناء المنهج، وتبدأ من الصفر أى بمعنى بناء منهج جديد وإلغاء المنهج السابق كله، ولهذا فإن الصومال تحتاج في هذا الوقت إلى بناء وتصميم وتخطيط منهج جديد يوضع استراتيجية البلاد وفق السياسة التعليمية في البلاد…

فعملية بناء المنهج الجديد للصومال أصبحت الآن أمراً ضروريا، لأنه يرتبط بعملية التقدم والنهضة في الدولة والشعب في كل المجالات (الإقتصادية والصناعية والزراعية، والتطور العلمي، والتقني…) والفرق بين دولة وأخرى في التقدم يرجع إلى بناء وتطوير هذه الدولة أو تلك مجالها التعليمي.

من المتوافق عليه أن المنهج عنصر أساسي من عناصر العملية التعليمية إن لم يكن صلبها وعمود فقرها، والسبب في ذلك أنه يقدم للطالب تصورا هاما في جميع أنواع الخبرة من معلومات وتفكير وميول واتجاهات ومهارات وقيم، كما أن المنهج التعليمي يوقع بترجم الأهداف العامة للتربية وكذلك يقترح الخطوات التى ينبغي أن يسير عليها المجتمع لبناء الأجيال الناشئة بالتعالى والطريقة التى يريدها، ومع هذا فإن غياب المنهج عن أية عملية تعليمية مقصودة يعنى ذلك مجرد تخبط عشوائي لا يؤدي في النهاية إلى غاية مرغوبة فيها ولا يحقق أهداف مرتقبة.

فالناظر إلي المناهج التعليمية في الصومال يجد أنها تنسجم قطعا مع طبيعة وخصوصية الدارس الصومالى ولا تتجاوب مع مجتمعه ولا مع الاحتياجات الأساسية للبلد وتخلو من تحقيق أية أهداف صومالية خاصة بالمجتمع…

لذا فإن الأجيال الناشئة الصومالية معظمهم درسوا بالمناهج الأجنبية، بيد أنهم صوماليون جسديا وأجنبيون فلسفيا! تلك هي التى تسبب عدم التوافق الفكرى والحضاري في أجيالنا، إنها مأساة ما بعدها مأساة!

معوقات بناء المنهج التعليمي في الصومال.

إن من أهم المعوقات الجامدة التى تواجه إلى بناء منهج تعليمي جديد للصومال هي:

المعوقات المالية

إذا كان المال يشد المفاصل ويربط بعضها ببعض في الحياة بصفة عامة فعملية بناء المناهج وتطوير التعليم والتعلم تحتاج الكثير من المال، فميزانية وزارة التربية والتعليم في الصومال وحدها لا تكفي…ولا بد من إيجاد مصادر مالية أخرى من غير ميزانية الوزارة.

فالمعوقات التى تواجه إلى بناء منهج جديد للصومال هي أن الصومال تعاني من أزمات مالية حادة جراء الحروب الأهلية التى أدت إلى تدمير البلاد وانحطاطه إقتصادياً أو لوقوعها تحت هيمنة بعض الدول الكبرى التي تستغل مواردها وتترك أهلها في حالة من البؤس والفقر.

ولهذا لا بد من رصد الأموال اللازمة التي تتطلبها في بناء المنهج لأن بناء المنهج يتطلب أمولا هائلة تنفق على جميع مناحي التعليم، سواء أكانت بناء المباني المناسبة للدراسة، وتجهيزات والوسائل التعليمية بشتى أنواعها…

فعملية بناء المناهج غالبا ما تستدعي إصدار العديد من الكتب المقررة من حيث نوع الورق المستخدم …ومما لا شك فيه أن إعداد الكتاب المدرسي وإعادة تأليفه وطباعته من آن لآخر يكلف الدولة ملايين من الشلنات سنويا … فإذا عملنا أن كل تلميذ في المدرسة يحتاج حوالى عشرة كتب في السنة الدراسية، وأن هناك ملايين من التلاميذ في المراحل المختلفة من السلم التعليمي، وهذا يعني أن وزارة التربية والتعليم في الصومال ليست لها دور في تصميم الكتاب المدرسي، وليس لها أهمية بذاتها حيث تدرس في المدارس مناهج أجنبية التي ليس لها صلة بالمجتمع الصومالي، ولا ترصد في ميزانيتها لإعداد الكتب المدرسية.

وعلاة على ذلك فإن رواتب المعلمين في الصومال ضعيفة مقارنة بالعاملين في المهن الأخرى مثل الطب والهندسة وغيرها، ونظرا لكثرة العاملين في هذا الحقل فإن الحكومة لا تفكر بزيادة رواتب وحوافز المعلمين أكثر من حد معين لأن زيادة الرواتب سوف تلقي عبئا كبيرا على ميزانية وزارة التربية والتعليم، وعدم زيادة الرواتب والحوافز سوف يجعل القائمين على التعليم لا يتعاونون في تنفيذ أي أهداف تربوية جديدة، وهذا يؤدي إلى رفض المعلمين تنفيذ وتدريس المنهج الجديد للبلاد، وهذا سوف يؤدي بدوره إلى إخفاق عملية بناء المنهج.

المعوقات المادية

رغم أن توفير الإمكانات المالية لا يعني توفير الإمكانات المادية، والفرق بين الإمكانات المالية والمادية هو أن المال أساس في بناء المناهج لأنه لا يمكن تصميمه بعدم المال، بينما الإمكانات المادية تعمل على كيفية تصريف المال وتطبيق عملية بناء المنهج …ومعرفة الأسلوب السليم في استخدام هذا المال، وهذا يعني توفير الأجهزة والوسائل الضرورية التى تستخدم في بناء المناهج التعليمية، لذلك يمكن أن تتوفر الإمكانات المالية لكن بعض الإداريين في المدارس الصومالية لا يعرفون ماذا يفعلون بهذا المال ولا كيفية استخدامها لبناء عملية التربية والتعليم.

وهذا الأمر يحدث كثيراً في المدارس الصومالية التي توجد الآن في المدن الصومالية، حيث لا يعرفون قيمة التعليم في المجتمع ويأخذون من الطلاب رسوماً دراسية هائلة، وهذه الرسوم تقع في حساب مدير المدرسة فيتصرفها بحرية أو من حوله.. دون خدمة المدرسة أو دون تحديث لبناء المدرسة وأجهزتها.

المعوقات البشرية

ماذا نقصد بالمعوقات البشرية؟ ضعف كفاءة وقدرة المسؤولين عن بناء المناهج سواء من الخبراء والمختصين في مجال التربية والتعليم، وعدم توفر المعلمين والموجهين التربويين المديرين والموظفين  الأكفاء في عملية التربية والتعليم.

وعلى هذا فإن القوى البشرية في الأفراد الذين يعملون في المدارس الصومالية والمرشدين النفسيين الذين يعملون في المدارس وباختصار جميع الأفراد الذين يعملون في مهن التعليم سواء أكان هؤلاء موجودين في داخل المدرسة أو خارجها هم يتمثلون المعوقات والتحديات البشرية التي تواجه عملية بناء المنهج الصومالي.

تصميم فلسفة تعليم الصومال (فلسفة المجتمع)

تنبع استراتيجية التعليم في الصومال من عدة مصادر أهمها أصول الإسلام وما بلغه في توحيد الله تعالى وما أقره من مكانته للإنسان في اعتماده على عقله وضميره وسعية المتواصل إلى الكمال، وما أقامه من نظام للمجتمع قائم على العدالة والمساواة وعلى التعاون والتكافل ورعاية المصالح العامة وما دعا إليه من الأخوة الشاملة ومن خصائص الحضارة الاسلامية ومقوماتها وانفتاحها على الحضارات الصومالية وتفاعلها معها وما تميزت به ابان ازدهارها من الإبداع والابتكار ومن تقدير العلم وتطوير منهجه.

وتستمد أصول فلسفة التعليم في الصومال أيضا من الواقع المجتمع الصومالى المعاصر وما يحيط به من تحديات ضخمة كالتخلف والنزاعات والحروب والتجزئة وما يطوي عليه من إمكانيات اقتصاديا واجتماعيا، وما يترتب على هذا الصراع بين التحديات وبين الإمكانيات من إدارة التغيير وما تشتمل عليه هذه الإدارة من الأهداف الصومالية في التنمية الشاملة والوحدة الصومالية والديمقراطية والتنمية البشرية وإعداد شخص صومالي معاصر.

كما تستمد أصولها من واقع التربية الصومالية وما توفر لها من سياسات وما تحقق لها من إنجازات وما توجهه من مشكلات ومن حضارة المعاصرة وتمييز جوانبها الإنسانية السليمة وما يتوفر فيها من العلم الحديث والفكر المعاصر السليم في التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية، وفي تطوير الشعوب وتعاونها لخبراء الإنسانية.

في نهاية المطاف تكون فلسفة تعليم الصومال تنعكس عن واقع المجتمع الصومالي وواقع التربية وتحليل مشكلات ذلك الواقع من ناحية كما تستند إلى تطلعات الأمة الصومالية إلى تغيير ذلك الواقع من ناحية ثابتة فهي واقعية ومستقبلية على السواء.

بين فلسفة التعليم والأجيال الصوماليين.

تعتبر أول فلسفة استراتيجية لتجديد الشامل للتربية أجيال الناشئة في نطاق التنمية الشاملة للوطن، حيث تجسد وتستجيب لإدارة تغيير المناهج الأجنبية بالمناهج المختصة في الصومال، التي تنبثق فلسفة المجتمع، فتعتمد منهجا ومحتوى دراسياً تستهدف التكامل بين التربية والمجتمع الصومالى…

وعلى الرغم من ذلك فإن محور التربية وتعليم الصومال لابد أن تصمم على أصول الإسلام وخصائص الثقافة الإسلامية في نظرياتها إلى الإنسان ومكانته وإلى المجتمع وتعاونه وإلى دور التربية في تحقيق التوافق والتقدم لها، فتعتبر استراتيجية توليفية فهي تجمع بين الأنواع الثلاثة من استراتيجيات التغيير؛ وهي الإستراتيجية السياسية الإدارية وتستفيد من مزاياها جميعها، إذ تتفق مع أهداف التربية الصومالية وما تتطلب مسؤولياتها في مجال التربية والتعليم وفي مجال التنمية الشاملة.

حسن عبدالرزاق عبدالله

طالب، دكتوراة في التربية _ مناهج وطرق التدريس. جامعة بخت الرضا.
زر الذهاب إلى الأعلى