عسكرة الصومال

عادت الصومال هذه الأيام إلى الواجهة، تتصدر أخبارها عناوين القنوات الإخبارية ومانشيتات الصحف العربية الكبرى. هذه المرة ليست بسبب الحرب والمجاعة وانما التنافس الحاد بين  قوى اقليمية بارزة على الحضور العسكري في الصومال مع ارتفاع وتيرة الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط وازدياد أهمية منطقة القرن الأفريقي، ومضيق باب مندب للحرب الدائرة باليمن، والأزمة بين قطر وأربع دول عربية محورية.

 فيما يبدو السباق إلى الصومال جزء من تحالفات جديدة تتشكل صورته هذه الأيام، حيث يسعى كل طرف إلى كسب ود الصومال وضمها إلى تحالفه وابعادها عن المحور الآخر وذلك من خلال الإغراء  والتهديد في بعض الاحيان . لقد بلغت عدد الدول التي لها وجود مؤثر في الاقاليم الصومالية المختلفة  سواء عبر القوة الناعمة أو القوة الخشنة إلى أكثر من 15  دولة من جميع قارات العالم، من أفريقيا، وآسيا، وأوروبا وأمريكا اللاتينية، بعضها تعمل في إطار قانوني وبتفويض من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ومن منظمات اقليمية كالاتحاد الأفريقي والإيغاد، وبعضها الآخر عبر اتفاقيات ثنائية مع الحكومة الاتحادية في مقديشو، إلى جانب هذه الدول هناك دول آخرى تتواجد في البلاد من خلال شركات أمنية أو تجارية أو استشارية لا يحظى وجودها أي صفة شرعية باستثناء ابرامها اتفاقيات  مع إدارات محلية دون علم الحكومة المركزية أو بدون موافقتها.

  قبلت الصومال أن تفتح أبوابها طوعا أو كرها لهذه القوى التي لها مصالح متعددة في البلاد  ومنطقة القرن الأفريقي عل يساهم هذا الأمر في استعادة نظام الدولة الذي إنهار عام 1991 وهزيمة الجماعات الاسلامية المتطرفة أو على الأقل في تحيد تدخلات بعض هذه القوى وتخفيف دورها السلبي في  العملية السياسية في البلاد أو رغبة من قبل القيادات السياسية الصومالية في تحقيق توازن بين القوى الاقليمية والدولية في منطقة القرن الإفريقي طمعا في ألا تتفرد دولة واحدة على صياغة مستقبل البلاد لما له من أثر خطير على قوة ووحدة الصومال وتماسك شعبها واستقلالية قراراتها السياسية وعلاقاتها مع الدول الأخرى.

لكن يشهد دور بعض هذه الدول في الآونة الأخيرة تطورا ملحوظا، وبدأ يتخذ منحى غير مسبوق، يهدف إلى أن يكون لها وجود دائم في الصومال أو أن تبقى في الساحة لفترة طويلة لا تقل 50 عاما قادمة ، وذلك من خلال اقامة قواعد عسكرية  وتنفيذ مشاريع استراتيجة ذات طابع عسكري طويلة الأمد ، أو من خلال ترسيخ  وجودها العسكري في الأرض بصفة  يجعل في المستقبل لزاما على النظام الصومالي ان يتقبل هذا الوجود وعدم الاستغناء عنه خوفا من نشوء أزمات جديدة ولمنع انزالاق البلاد نحو الحرب الأهلية والعودة إلى المربع الأول .

 وكذلك ينبغي الإشارة إلى أن وجود هذه القوى لا يقتصر على العاصمة مقديشو وانما يتواجد ممثلوها في جميع المناطق الصومالية وتعمل بشكل أكثر اتساقا مع الإدارات المحلية التي هي جزء من النظام الفيدرالي بالبلاد، وهذه العلاقة التي يمكن وصفها  بالحميمة توفر لهذه الدول بيئة مناسبة لتحقيق أجنداتها ومصالحها بعيدا عن نظام الحكم في مقديشو وتقلباته وتعقيداته المتطلبة احيانا إلى دفع أثمان باهظة مقابل تحقيق مصالح هذه الدول، لأنها تتعامل مع إدارات  تملك أولويات وهموما ملحة تجعلها مستعدة لتضحية كل شيئ من أجل تلبية احتياجاتها اليومية وبالتالي فأن  الطريق صار ممهدا لهذه القوى الاجنبية وتكاد تستطيع على تنفيذ أجنداتها بكل سهولة ويسر.

 وبوجود هذا الكم من القوى في الساحة الصومالية يتبادر إلى الذهن ما هي سلبياتها وايجابياتها ومدى تأثيرها على مستقبل البلاد ووحدته واستقلال قراراته السياسية، هل سيحدث صراع بين هذه القوى في المستقبل على الأرض الصومالي، أم أن هناك  تفاهم وتنسيق بينها وتسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو الحيلولة دون سقوط النظام في البلاد ومنع الجماعات الاسلامية المتطرفة من السيطرة على المفاصل الحكم في البلاد مما لذلك من تداعيات خطيرة على أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي الحيوية سواء في المجال التجاري وأمن والسلم العالميين.

زر الذهاب إلى الأعلى