صوماليو المهجر في الوظائف العامة : الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية

ظلت في الفترات الأخيرة فرص المغتربين الصوماليين في تقلد المناصب الحكومية كبيرة،  وكان هذا الأمر  ملاحظا  بشكل واضح منذ تشكيل الحكومة الانتقالية الصومالية بقيادة الرئيس الاسبق شريف شيخ أحمد حيث كان المغتربون أحد الأطراف السياسية المؤثرة في تشكيل تلك الحكومة في جيبوتي أواخر عام 2008م، بدعم وتأييد من قبل المبعوث الأممي ولد عبدالله .  فقد لعب المبعوث الأممي دورا كبيرا في ضمان مشاركة سياسية واسعة للمغتربين،  بعد عقد من  تهميشهم ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية نتيجة تردّي الأوضاع الأمنية في البلاد، ومن هناك بدأ لقبهم المشهور ( دياس برو) .

اليوم وبعد مرور حوالي 10 سنوات من تشكيل حكومة شريف شيخ أحمد تمثل هذه الفئة رقما صعبا في العملية السياسية الصومالية، ويتربعون على أعلى مناصب الدولة. فالرئيس ، ورئيس الحكومة ، ورئيس البرلمان ينتمون لهذه الفئة بل يمكن اطلاق الحكومة الحالية حكومة المغتربين،  إذ يمثل المغتربون نسبة تتجاوز الستين بالمائة من مجلس الوزراء،  و لهم حضور قوي في البرلمان الاتحادي والبرلمانات الاقليمية . وبالتالي بات من البديهي التساؤل عن الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه الفئة وتداعياتها السلبية و الإيجابية على الصومال،  وفي الاسطر التالية نقف على عجالة سلبيات وايجابيات هذه الظاهرة .

الانعكاسات الاقتصادية :

يعاني الصومال منذ فترة من أوضاع اقتصادية متردية، ولعب المغتربون دورا مرموقا وفعّالا في معالجة  تلك الأوضاع حيث كان المغتربون يساهمون بشكل كبير  في تخفيف حدّة المعاناة المعيشية التي يكابدها الصوماليون في الداخل عن طريق ارسال حوالات مالية لذويهم وأقاربهم في داخل البلد. قد تزايدت في الفترة الاخيرة نسبة الصوماليين في دول المهجر العائدين الى البلد بسبب التحسن الأمني النسبي في البلاد، ولكن من ناحية أخرى  ساهمت عودة المغتربين الى البلاد في خلق ظاهرة نقص التداول وقلة السيولة النقدية والتي انعكست سلبا على الاقتصاد الوطني بمستوياته المتفاوتة، وفي رأي بعض الاقتصاديين ترجع جذور هذه الظاهرة  إلى ركيزتين أساسيتين هما:

الأولى: حمل أو تعبئة الفلوس في الهواتف المحمولة وعدم تداولها نقداً.

الثانية: ذهاب أجزاء كبيرة من الدخل القومي للبلاد إلى حسابات خارجية .

أولا، التحويلات المالية عبر الهواتف المحمولة مثل خدمات EVC-PLUS  وسهل أو E- Dahab رغم ما تتضمن من ايجابيات في بعض الأوجه إلّا أن لها أضرار اقتصادية جديرة بالكتابة عنها, لكننا سنتناول في هذا التقرير فقط بشكل موجز الركيزة الثانية وهي ذهاب جزء كبير من الدخل القومي إلى حسابات في الخارج  .

الركود الحاصل في الحركة التجارية والمعيشية والذي ينتج عن النقص الطارئ على دالتي السيولة والتداول النقدي يساهم حسب المؤشرات الاقتصادية  ذهاب قسط كبير من ميزانية الحكومة والدخل القومي للبلاد إلى حسابات خارجية بسبب الأعداد الغفيرة من الصوماليين المغتربين الموظفين لدى الدوائر الرسمية في القطاع العام فضلا عن الموظفين في القطاعات الخاصة, إضافة إلى ذلك الأعداد المتزايدة من العمال الأجانب الموظفين لدى الهيئات والشركات المحلية والأجنبية المتواجدين في البلاد.

هذه الفئات المذكورة رغم ما تدفع من أموال باهظة من تكاليف معيشية وأمنية تعود نفعها ألى الداخل, إلا أن جلّهم تركوا أسرهم في المهجر و يخصصون أجزاء كبيرة من رواتبهم إلى أسرهم بحيث يرسلون إليهم المصاريف المعيشية, الامر الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني المنهك، و يسبب انخفاض السيولة والتداول و اللذان يعيقان الحركة التجارية في الأسواق .

الانعكاسات الاجتماعية :

من المعروف أن المجتمعات عادة لا ترغب بالهجرة والفراق من الأوطان, لأن الوطن عزيز على القلب ولا يستغنى الفرد عنه, إلا أن الظروف هي التي ترغم المواطن للهجرة. وفي الصومال ثمة أسباب قاهرة وتحديات أدت إلى هجرة الكثيرين من أبناء المجتمع الصومالي إلى الخارج، ولا زالت الظروف قائمة رغم التحسن الأمني الملحوظ في الآونة الاخيرة, ومن الأمور التي تساهم ذلك بشدة منح الأولوية والامتيازات لحملة الجوازات والشهادات الأجنبية والإقامات الخارجية في التوظيف لاسيما في القطاع العام مما يدفع الشباب نحو الهجرة إلى الخارج بحثا عن ظروف أفضل لحياتهم وتمهيد الطريق للوصول إلى تطلعاتهم وأحلامهم المستقبلية في المناصب الحكومية، و هذا ما يعيق الجهود المبذولة نحو توعية الشباب من مخاطر الهجرة غير النظامية.

رغم ما تحمل ظاهرة اعطاء الافضلية للمغتربين في التوظيف الحكومي من تبعات اقتصادية واجتماعية سلبية، إلا أن عودة الكفاءات والعقول الصومالية في الخارج إلى ارض الوطن لا شك أنها تصب لصالح الوطن ومستقبله، وتساهم في عملية بناء دولة قوية كفيلة على توفير الأمن والاحتياجات المعيشية للمواطنين بشرط احداث تغيير  واصلاح شامل على الوسائل والطرق الحالية للتوظيف، لاسيما في القطاع العام بهدف الاستفادة من خبرات وطاقات الصوماليين في الداخل والعائدين من دول المهجر  خدمة لنهضة البلد واستقراره السياسي والاجتماعي.

صلاد علمي فيذو

كاتب وباحث صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى