بين التعليم وتقدم المجتمع

ظل التعليم على مدار التاريخ ركنا مهما في التقدم المجتمعي، ومحركا أساسيا في التطور الحضاري ، فنمو المجتمعات مرتبط بمدى التقدم المحرز في تحديث التعليم المستمر والمتظم، وبناء المؤسسات التعليمية، أهم الوسائل الضرورية لكل من التعليم النظري والتطبيقي في هذا العصر بأسس مهنية ثابتة ووفق قواعد علمية راسخة، وذلك لضمان توسيع أفق المشاركة المجتمعية  في جميع مجالات التعليم والعملية التعليمية.

وعلى هذا الأساس تجعل الدول المتقدمة نظرية التعليم على رأس ركائز التقدم في مجتمعاتها، وتنمية وعيها وترسيخ مبادئ المواطنة فيها ولا تألو جهدا من أجل توفير كافة الأدوات المطلوبة لتطوير التعليم  وجعله متاحا لدى الجميع.

ترمي الدول المتقدمة من وراء ذلك تحقيق تنمية شاملة وفي أبعادها المختلفة، وطرح نظريات عملية تساهم في انعاش الاقتصاد، وضمان العيش الكريم، وافساح المجال أمام التحرر من ربق الطبيعة عبر  انشاء اقتصاد معرفي معتمد نموه على نوعية وكمية المعلومات المتاحة وليس مدفوعا بعوامل الانتاج التقليدية، لكن ينبغي في ذات الوقت أن يكون التعليم متعلقا بالتربية التي تنمى وعي الأجيال الناشئة ولا تتركهم يصبحون  أناسا آليين لا يؤمن بالأخلاق.

ماهية التعليم

يعرف التربويون التعليم بأنه عملية التي يُبنى من خلالها الفرد عقلياً لمحو الأمية في المجتمع، وهي توفير شروط المناسبة للبيئة المادية والنفسية بقصد مساعدتهم للنمو الشامل أي النمو من جميع الجوانب(جسمية، عقلية، نفسية، أخلاقية، روحية، وجدانية…) نمواً يؤدي إلى تعديل سلوكهم لتحقيق أهداف مرجوة ومعينة… أو تغيير سلوك الفرد إلى سلوك مرغوب فيه.

فالتعليم هي الوسيلة الكبرى في كيان المجتمع، إذ أنها توضح مفهوم الانسجام والاندماج بين مختلف اتجاهات ومكونات المجتمع … بحيث أنها تهيئ الكوادر البشرية والكفاءات الإنسانية القادرة على بناء مجتمع ما.

فعملية التعليم هي التصميم المنظم وتراكم الخبرات التي تساعد المتعلم على إنجاز التغيير المرغوب فيه في الأداء، إذ أن التعليم يقود إلى التعلم، والتعلم يقود إلى التربية، لإن العملية التربوية لا بد أن تسبقها عملية تعليمية والعكس ليس صحيحا…

مفهوم التقدم

فكلمة التقدم لها معان ودلالات عدة، إذ يصعب ايجادها في تحديد واضح لهذا المفهوم (التقدم )، بعدم الاتفاق على تعريف موحد وشامل، يعود لأسباب كثيرة أهمها الاختلاف في تباين المفاهيم والأفكار العامة. لذلك، فإن مفهوم التقدم يتجه إلى النحو التالي:

التقدم هو تخطى خطوات إلى الأمام، أو من درجة إلى أعلى. فمنذ أن كان الإنسان وحظ بعض الناس من الدنيا أفضل من حظ الاخرين، وهكذا كان في المجتمع الواحد عالم وجاهل وغني وفقير.. كما كانت الشعوب والمجتمعات تنقسم بالمقارنة مع بعضها البعض إلى شعوب ومجتمعات مثقفة وأخرى غير مثقفة، وكان التقدم والتخلف مرتبطاً في الماضي بثراء البيئة أو قوة الشعب وسيطرته على أراضي غيره أو مهاراته في حرف يحتاجها الأخرون.

فنسمع اليوم من تقسيم الشعوب والمجتمعات والدول إلى متقدم ومتخلف وأحياناً تستخدم الدول المتقدمة والمتخلفة وأحياناً يستبدل اسم الدول النامية والدول المتقدمة.

وعندما بدأت الحضارة العلمية الحديثة تسيطر على حياة الناس في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت في العالم كله مشكلة الاستعمار وانقسام الشعوب والمجتمعات إلى متقدمة ومتخلفة… إذ يظن بعض الناس أن القوة التى تسببها التقدم العلمي في شعب أو مجتمع ما هي إلا قوة حربية فقط ولكن الحقيقة ليست هكذا، بل إن معظم المجتمعات يعتقدون هذا الأمر، فكثيراً من شعوب العالم ومجتمعاته المتقدمة ليست ذات حول أو قوة حربية كبيرة رغم أنها حتما أقوى من مثيلاتها المختلفة، فالتقدم يشمل ذاك بالاضافة القوة التعليمية والفكرية والسياسية والإقتصادية.

تقدم المجتمع وتطوير التعليم

تسعى كل دول العالم سعياً حسيساً لبناء وتطوير التعليم، ومراجعة مناهجها الدراسية وتطويرها والإرتقاء بها إلى الأحسن… فعملية تصميم التعليم لمجتمع ما هي أولى من تطوير غيرها، ولهذا فإن مجتمعات العالم تحتاج في هذا الوقت إلى بناء وتصميم وتخطيط التعليم النظرى والتطبيقي.

وكذلك يعدّ التّعليم أيضاً من أهم وأبرز الأمور المهمّة في حياتنا؛ فالتّعليم يتطوّر فكريّاً وحضارياً وعلمياً، إذ يمكننا أن نصل إلى درجة المستحيل من تطور واكتشافات تقنية، والتي تهدف بأن يكون الفرد قد اكتسب بعضا من المهارات والمعارف والخبرات العلمية، كما أن للتعليم أساليب متنوّعة ومنها النظرية والتطبيقية، بالإضافة إلى التعليم النظامي وغير النظامي.

إذن؛ لا تقدم في أي مجتمع ما، بدون تطوير التعليم وبناء مناهج التربية والتعليم الوطنية. .. ولا تقدم في أي مجال من مجالات الحياة إلا عن طريق التعليم والتعلم، لأن التعليم هو حجر الزاوية في مشروع التقدم والتطور الاجتماعي والثقافي، لهذا فإننا نعتقد أن التعليم هو أساس التقدم.

فمساهمة التعليم في تطور الحضارات ونماء المجتمع محصاة بدرجة تطور المجتمعات وبنسب المتعلّمين بها، حيث تشير الدراسات إلى أن البشر يأخذون معارفهم ومهاراتهم العقلية بطريقة التعليم.

ما زال التعليم في مختلف مراحله وبشكل إجمالي، سطحياً في معظم بلدان العالم الثالث في منهجه ومحتوياته، فطرق التعليم ما زالت قديماً عن طريق التلقين، وتنحصر في طريقة واحدة أشهرها طريقة المحاضرة… ومن مشكلات التعليم الشائعة في الدول النامية، هي الإنفصال بين لغة العلم ولغة الحياة اليومية، ونعني ذلك دراسة العلوم الطبيعية والعلمية بلغة أجنبية، فهذا تمس قضية ديمقراطية التعليم الصميم.

وفي عام 1957م سبق الروس أمريكا في إرسال أول شخص إلى الفضاء الخارجي، فهذه الحادثة أثارت الرعب والخوف في نفوس أمريكا لأنهم متنافسون عسكريا وأيدلوجيا وثقافيا مع روسيا…وكرد فعل لهذه الخطوة الروسية قررت أمريكا مراجعة وإعادة النظر في منهجها العلمي وتطويره، خاصة في مناهج الرياضيات والعلوم؛ وفعلا تمت مراجعة شاملة لمناهج الرياضيات والعلوم بحيث أصبحت تركز على الجوانب التطبيقية أكثر من الجوانب النظرية، وبعد هذا استطاعت أمريكا في عام 1968م إرسال أول إنسان للقمر أى بعد 11 سنة من إرسال الروس…

إن كل دول العالم في الوقت الحاضر تبذل الجهود المتواصلة في تطوير التعليم بعد أن أحست جميعاً بأهميتها في مجتمعاتهم.

أمثال: ألمانيا في الحكم النازي (1933م – 1945م) كانت تسعى وتهدف إلى تعويض ما خسرته في الحرب العالمية الأولى فقام زعيم هتلر بتربية الطلاب في المدارس وفق نظام تعليمى خصص منه 60% لتنمية الجسم 40% لبقية المواد وكان ينمي في الجزء النظري النظرة العنصرية للجنس الآري وبذلك أعد الشعب الألماني لخوض الحرب.

أهمية التعليم في تنمية المجتمع

تتضح أهمية التعليم بالنسبة إلى تنمية المجتمع والتقدم الحضاري، حيث أن التعليم في مفهومه الحديث لا يهدف فقط إلى تنمية الفرد وتحقيق مصالحه، بل يهدف أيضاً إلى تنمية المجتمع، وتمكينهم نحو التقدم الإجتماعي والسياسي والثقافي، انطلاقاً من مفهوم التقدم فإن التعليم السليم له أهمية اجتماعية، وأهمية ثقافية، وأهمية اقتصادية، وأهمية سياسية.

فالأهمية الاجتماعية للتعليم تعتبر عاملاً مهماً في تقدم المجتمع، حيث أنها تمكن من خلق مجتمع صالح يتصف بالكفاءة الإجتماعية، ومن جهة أخرى أن التعليم عنصر يقارب بين فئات المجتمع، وإزالة سوء التفاهم وعدم الثقة بين جيل الكبار وجيل الصغار، فالتعليم يقود المجتمع إلى الاصلاح والتوجه نحو الأفضل والأحسن، وتساعد الناس أفراداً وجماعات على التكيف مع التغيرات التى تحدث في مجتمعهم وحل المشاكل النفسية والإجتماعية.

أما بالنسبة للثقافة فإن التعليم يستطيع أن يساهم مساهمة فعالة في نقل التراث الثقافي عبر الأجيال والحفاظ عليها، كما يستطيع أن يساهم أيضا في رفع المستوى الثقافي للشعب إغناء حياته في الحاضر والمستقبل، فالتعليم في جهود دؤوبة في تنمية ثقافة المجتمع ولتكوين ثقافة وطنية وقومية وإسلامية فهي عامة تلقي على تأثير في الأجهزة الثقافية الأخرى التى لها صلة على جماهير المجتمع وتوجيه أفكارهم وعاداتهم.

حسن عبدالرزاق عبدالله

طالب، دكتوراة في التربية _ مناهج وطرق التدريس. جامعة بخت الرضا.
زر الذهاب إلى الأعلى