الحكومة والمعارضة السياسية نحو توافق أم مزيد من التصادم؟

تسابق حكومة حسن علي خيري  الزمن وتضع كل ثقلها على  تحقيق الوعود التي قطعتها  للمواطنين  والمتمثلة في تحسين الوضع الأمني والمعيشي  في البلاد من خلال تأهيل وإعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل مهني وديمقراطي  وعلى قواعد  الحكم الرشيد واجراء اصلاحات مالية واقتصادية جذرية ، وأنها تقطع شوطا كبيرا نحو تحقيق هذه الأهداف و تحويلها إلى واقع ملموس، حيث  تتزايد  الإشادات المحلية والدولية بالاصلاحات المالية والاقتصادية التي تجريها وكان آخرها من صندق النقد الدولي والأمم المتحدة وعلى لسان مبعوثها إلى الصومال مايكل كيتنغ.

لكن  فيما يبدو تواجه الحكومة عقبات عديدة ليس فقط التحديات الأمنية  التي يشكلها تنظيم “الشباب”  والذي ما فتئ يشن هجمات شبه يومية على المصالح الحكومية والقطاعات الخاصة العمود الفقري لإقتصاد البلاد، وقلة الموارد المالية وتراجع بعض الدول المانحة عن التزامتها تجاه إعادة إعمار الصومال والنهوض بإقتصاده ودعم جهود الحكومة في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وانما يأتي التحدي الأكبر من العلاقة بين الحكومة وقوى المعارضة  السياسية التي تمارس ضغوطا سياسية قوية على الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء حسن علي خيري بغية تلبية مطالبها،  وتحاول جاهدة في ثني الحكومة عن الأهداف الرئيسية واستدراجها إلى حروب هامشية تؤدي في نهاية المطاف إلى  سحب الثقة عن رئيس الوزراء ودخول البلاد في أزمات جديدة  نحن في غنى عنها. 

فالمعارضة من الناحية تسعى إلى تعزيز وجودها السياسي وفرض هيمنتها على الدولة منطلقة  من فكرة سياسية  تعود جذورها إلى حقبة “ الحرب الأهلية “  والتي تقول “ على وعلى غيري “  ولكن في نفس الوقت ترفع شعارات سياسية مهمة تطالب ألا ينفرد فريق على قيادة البلاد ومنع وقوع مستقبله  في أيدي فئة معنة  ربما قد تذهب البلاد إلى عصر الدكتاتورية، بهذه الشعارات البراقة تكتسب المعارضة شعبية وتعاطفا من قبل شريحة واسعة من المجتمع الصومالي وخصوصا في أوساط المثقفين  الذين لديهم طموح سياسي وتتزايد كل مرة الأصوات المطالبة بلجم الحكومة.

ووسط هذا الجدل والصراع بين الحكومة والمعارضة تنخفض مستوى المشروعات التنموية التي كانت تنوي الحكومة تنفيذها بسبب دخولها معركة جانبية قد تراها بأنها وجودية غير أنها لا تعدو كونها مؤامرة سياسية ترمي إلى الوقيعة بين الحكومة والشعب، وقد نأخذ ميثالا على  قرار تسليمها القيادي في جبهة أوغادين إلى السلطات الإثيوبية واعتقالها السياسي المعارض عبد الرحمن عبد الشكور واثارة أزمة مع الحكومات الإقليمية.  على الرغم من  أن الأيام  القادم اذا استمر هذا المسار على حاله قد تحمل في طياتها أربعة سيناريوهات:

السيناريو الأول:  التضحية برئيس الوزراء حسن علي خيري . بسبب الضغوط الشديدة التي تمارس على الرئيس محمد عبد الله فرماجو  وأنه لا يمكن الاستبعاد ان يضحى الرئيس برئيس وزرائه خيري وعلى قاعدة أخف الضررين، وأن يخيتار واحدا من الشخصيات المعارضة أو المقربين منها رئيسا للوزراء كما فعل الرئيس السابق حسن شيخ محمود الذي رضح للضغوط السياسية الداخلية والخارجية وغير رئيس حكومته ثلاث مررات خلال فترة حكمه التى امتدت لـ5 سنوات.

وإذا حذا الرئيس محمد عبد الله فرماجو حذو سلفه لا شك أن ذلك سيشرع الباب على مصراعيه لمزيد من التنازلارت قد يبقى الرئيس على منصبه غير أنه  لن يخرج من دوامة التجاذبات السياسية ولن يكون قادرا على تنفيذ وعوده الانتخابية وسيكون حاله كمن  لا أرضا قطع  ولا ظهرا أبقى. ومن هنا يمكن القول إن كثيرا من المعارضة السياسية تنتظر مثل هذه الخطوة على  أحر من الجمر وتتلهف مشتاقة لرؤية هذا اليوم الذي ينتقل الصراع إلى بين الرئيس ورئيس وزرائه ويصوت أغلب أعضاء البرلمان لصالح حجب الثقة عن الحكومة.

السيناريو الثاني:  اجراء تعديل وزراي . أن يجرى رئيس الوزراء حسن علي خيري تعديل وزراي موسع وتشكيل حكومة قاعدة عريضة تضم وجوه من القوى السياسية المعارضة  واجراء تعديلات جوهرية في شكل الدولة وخاصة في قيادات الأجهزة الأمنية والجيش والقضاء ومحافظة بنادر تراعي مصالح القوى السياسية وترسل إشارة ايجابية إلى رؤساء الحكومات الاقليمية  التي تتوجس من رؤية وسياسية الرئيس محمد عبد الله فرماجو.

هذه الخطوة رغم صورتها الجميلة الا أنها تنطوي على مخاطر جمة قد تؤدي إلى نتائج عكسية بدلا من أن تشكل حلا للأزمات بين السياسين الصوماليين ، بل ستزيد شراهة  وطمع السياسين وتدفعهم إلى المطالبة بمزيد من التنازلات وتساهم أيضا في انتقال بعض المتحالفين مع الحكومة  إلى صفوف المعارضة . وبهذا لن تنتهي فصول الأزمة وأن الخاسر فيها هو الشعب الذي طالب بانتخاب الرئيس محمد عبد الله فرماجو بحماس وشوق شديدين.

السيناريو الثالث: اجراء تعديل وزراء محدود يفسح المجال أمام استعياب بعض قوى المعارضة الفاعلة . هذا القرار فيما يبدو قد يؤجل الصراع لكن لن ينهيه وأن الوجوه المعارضة الجديدة لن تساهم كذلك في تنفيذ برامج الحكومة وتحسين سمعتها  وانما ستلعب دورا كبيرا في  وضع العصي في دواليب الدولة.

السيناريو الرابع : اجراء تعديل وزاري محدود لا يعير أي اهتمام بمطالب المعارضة، ويطال الوزراء الذين يعتقد بأنهم فشلوا في تنفيذ برامج حكومته ولا سيما وزراء القطاعات الانتاجية وتعين وزراء آخرين ذووا كفاءة عالية قادرة على  تسويق وتنفيذ سياسات وبرامج الحكومة التنموية.

مهما تكن السياسات التي تتعامل الحكومة مع المعارضة السياسية سواء أكانت قمعية أو مهادنة أن المؤكد  لن ينتصر الا من يحقق طموح وآمال المواطنين إلى الأمن والإستقرار والعيش الكريم وبالتالي يجب أن تمضي الحكومة قدما في مسيرتها التنموية لتحبط أحلام الساعين إلى تعطيل مسيرة الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى