أسطورة الرجل العظيم

متى يأتي المهدي المنتظر؟ قد  يسترعي هذا السؤال القليل أو الكثير من فضولك  وإنتباهك الذي  لا  يتعدى حديث مجلسك ومقامك  ، لكن ما رأيك في بحث علمي  يحتوى على عمليات  حسابية دقيقة وفريدة من نوعها  تخبرك بالسنة والشهر واليوم الذي سوف يوفق قدوم المهدي المنتظر ؟، قد تعتقد بأن ذلك طرفة ، لكنها ليس بطرفة بقدر ماهي حقيقة قام بها  بعض الباحثين الوفياء الحالمين بالمنقذ  الفذ، أو الرجل العظيم  والإنسان المخلص ، وحامل الأيادي السحرية ، الذي  يدعى   المهدي ،ا والغائب ، أو المعجزة … وغيرها من المسميات والصفات  التي تجسد دوره  ووظيفته المرتقبه ، فدائما ما تعلق عليه الأمال فالقدس  ، وكل الأوطان الممزقة و بطون  الفقراء الفارقة  ، وأصوات المظلومين الصادحة كل هؤلاء وغيرهم ينامون على أمل أن يطرق بابهم في الصباح الباكر من يقول لهم  شبيك لبيك ، حلمك بين يديك  ، وفي ثواني قليلة  تعود القدس ، وتلتحم الأوطان  ، ويغتني الفقراء ، ويبكي الظالمون على البواب ضحياهم ، وينتهي الشر دون رجعة .

   الرجل العظيم أو الرجل المرحلة ، كثيراً ما ارتبطت  النفس البشرية بهكذا أمل والذي عزز لها ذلك  وهو أعتماد بعض المؤرخين   كتابة التاريخ وتفسيره تحت تأثير ” الرجال العظماء أو الأبطال “وتصوير بأن التاريخ البشري المترامي الأطراف  هو من صنع رجال  تدور حولهم الأحداث ويُعرف الوقائع المهمة والمصيرية بأستحضار سيرتهم الخارقة ، ولعل جلجامش هو  من الملوك الأوائل في التاريخ البشري الذي حظي بهالة أسطورية عظيمة فكان لقرون طويلة السومري المعجزة ، الذي تحاك حوله الأساطير وتكتب عنه  الملاحم الشعرية  الطويلة  ، هذه الخطوة الجلجامشية المبكرة شجعت الحضارة الهندية البعيدة من بلاد الرافدين أن تصيغ تاريخ بشري وديني يدور حول أشخاص عاديون نُسج حولهم الكثير من الأساطير التي  أنتهت بهم في نهاية  المطاف إلى تأليهم ووضعهم في المعابد المقدسة في أقسى دراجات تعظيم البشري  ، ولكن ما قام به  الصينيون ضرب مثلاً متطرفاً لتقديس الإنسان ، فالصيني القديم كان يعتقد بأن البشريته ليست هبه ربانية وإنما صنعت من قبل ملوكهم الأوئل الذين رفعوا بهم من بهائمية إلى البشرية المتمدنة   ، فهو يُدين لجوده الإنساني إلى ملكاً أسطوري ، وحتى مع تقدم البشرية مازال الإنسان يميل إلى أن  يُدين بنجاحه إلى إنسان أسطوري، فتجد في شرق مثلاً نهضة يابانية إنسانية عظيمة  تنسب شخص واحد  فيقال “نهضة ميجي” و في العالم الإسلامي لاينفك أزمة أو نكسة  إلا ويذكر  أيام عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين والفاتح محمد ، وعندما نسير غرباً نجد في فرنسا عصراً كاملا يسمى عصر نابليون الذهبي وبجواره نجد  العصر الفكتوري البريطاني  وفي الغرب أكثر تسمع عن قصص الإسطورية  للفذ الحكيم  أبرهام لينكون  وكل هؤلاء وغيرهم يرفعهم أتباعهم فيضعهم في عالم من  المثالية المطلقة الذي لايخلله الأخطا ، وهذا يتضاد مع طبيعتهم البشرية التي تتسم بالنقص والقصور ، فإذا رفعنا النقاب عن بعضهم نجد بشكل واضح هذا الفقد البشري، فبراهام لينكون  على سبيل المثال رغم اسطورته حول تحريره للزنوج ، كان يعتقد سراً وجهاراً بأن السود أقل إنسانية من البيض ، ونبليون وإن رفع حلم فرنسا هو بنفسه كان السبب الأول لكسر شوكت فرنسا ، إّذا هم بشر لهم من الإنجاز الكثير و من الأخفاق  الكثير ،    فهم و إن نجحوا نحجوا  على أكتاف الأخرين ، لأنهم نتيجة طبيعية لحالتهم الإجتماعية  فنجاحاتهم في الحقيقة  نجاحات إجتماعية  ، فالمجتمعات تمتلك  في داخلها أدوات كاملة لصناعة المجد ، فتفعيل تلك الأدوات وتحركها لصناعة حقبة تاريخية مختلفة،  أفضل من إنتظار فارساً يأتي على حصان ، فصناعة إنسان القائد  هي عملية إجتماعية  طويلة و مرهقة  تضمن صناعة الألاف من البشر الواعين  بدور هذا القائد.

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى