تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال وتواطؤ المجتمع الدولي

كان الأمن آخذا في التدهور في الفترة الأخيرة بالصومال دون إستثناء منطقة بعينها. وكان من المتوقع أن تنكمش حركة الشباب بعد مقتل قائدها السابق الشيخ جودني في الأول من سبتمبر من العام الماضي وما سبقه من خلافات بين قادة الحركة حيث تأكد في حينها أن الشيخ أبو منصور روبوا إختلف مع قائده وإتهمه بالدكتاتورية والإنحراف بالحركة عن المسار الصحيح الذي أوجدت من أجله وإنشق عنه وتمركز مع قوة متوسطة الحجم في قرية أَبَلْ مسقط رأسه بإقليم بكول التي يقال إنه لازال موجودا فيها حتى يومنا هذا.

وتلا ذلك وبعد مقتل قائد الحركة بواسطة الطائرات الأمريكية بعد خروجه من إجتماع هام في مدينة براوة التي كانت حتى وقتها المقر الرئيسي للحركة قبل أن تطردها القوات الإفريقية منها بالتعاون مع القوات الصومالية، تلتْ ذلك خلافات قيل إنها إندلعت بين قائد الحركة الجديد أبوعبيدة وبين نائبه مهد كراتي حول الإنضمام إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بما أنها الأقرب حسب إعتقاده منبعا ومنبتا وجقرافيا إلى منطقة القرن الإفريقي وتتمتع بمصادر دخل أفضل ويمكن أن توجد تمويلا أفضل للحركة وعملياتها المختلفة من إيرادات البترول العراقي الذي وضعوا يدهم عليه وربما أيضا من الإيرادات المتدفقة  من سوق العبيد والإماء الذي إستحدثوه وهي الفكرة التي قيل إن مهد كراتي وأنصاره كانوا يتبنونها، وبين التمسك بالجذور الأصيلة التي تركها القائد السابق وهي البقاء في عضوية تنظيم القاعدة وقيل وقتها إن معارك مريرة حصلت بين الطرفين في مدن بؤالي وساكو بإقليم جوبا بالوسطى.

أعقبت ذلك مزاعم تم تداولها على نطاق واسع مفادها أن قائد الحركة الجديد ظهر أنه يعاني من مرض الهوس والوسوسة من جميع أصوات الطائرات والخوف المزمن من كل المحيطين به ظنا منه إنهم يتجسسون عليه لصالح جهات خارجية تريد إغتياله مثلما حصل لسلفه وهي مزاعم أثبتت التجارب الأخيرة أنها كانت مجرد إشاعات أكثر منها إلى الواقع أرادت بها الحركة صرف النظر عنها إلى حين كسب الوقت وتجميد جراحها وإستكمال إستعداداتها عسكريا، والدليل على ذلك الضربات المتتالية والقاتلة التي صددها مقاتلوا الحركة للقوات الإفريقية في إقليم شبيلي السفلى ومناطق أخرى ومدى الدقة والتنظيم والتصويب وتصديد الرمية التي كانت تتمتع بها والخسائر الكبيرة التي ألحقتها خصمها كلها رسائل تبعث على عكس جميع ما قدمناه في الديباجة من أقاويل ذُكرت عن قائد الحركة وعن صفوفها من خلافات وإنشقاقات وغير ذلك.

هناك جدل يدور حاليا في أوساط المراقبين والمحللين عن مدى فداحة الخسارة بين معركتى ليغو إلتي إستهدفت بها الحركة على القوات البروندية في 26 يوليو، وبين معركة جنالي التي إستهدفت القوات الأوعندية في الأول من سبتمبر الجاري ربما إحياء لمقتل قائدها في نفس اليوم قبل عام مضى وإنتقاما له، والثغرة العميقة التي أحدثتها في جسم الأمن بصورة عامة والذي كان يُؤمل بأن يتحسن ولا يتدهور.

ربما يكون لهذا الجدل ما يبرره خاصة إذا لاحظنا الأسئلة الكثيرة التي أثارتها تلك المعارك التي إنتصرت فيها الحركة على القوات النظامية والقوات الإفريقية التي  كان يسود الإعتقد لدى عامة الناس  بأنها مدججة بالسلاح النوعي وتتمتع بالتدريب العالي ، وأثير حينها كيف إستطاعت عناصر من الحركة لا يتجاوز أعدادها عن 100 عنصر فقط أن تهاجم معسكرا تتمركز فيه حوالي 200 جندي، ثم الأسوء هو الشكوك التي أثارتها المعركة في قدرة القوات الإفريقية والعدد الكبير من قادة الجيش الأوغندي الذين تم عزلهم من هرم القوة في الأفرع والوحدات المختلفة بما فيهم أعلى القيادة في القوة العاملة بالصومال مما نال من معنويات الجندي الإفريقي، ومتى يمكن أن تتهيأ القوة الإفريقية لعمليات جديدة ضد الحركة بعد كل تلك الخسائر والخوف الذي تولد عنده عن حركة الشباب وقتالها الشرس ومتى يمكن أن يتأقلم الجندي مع قائد جديد حل محل قائده الذي طالته التغييرات، ثم ما تلك الهزائم الأخيرة من إنسحابات سريعة بعدد من القرى الهامة في إقليم شبيلي السفلى والإحباط الذي أصاب المواطن الصومالي البسيط الذي تأقلم مع الأجواء الجديدة عندما طردت القوات الإرفريقية الشباب من مناطقه وبدأ يتعامل معهم بصورة يومية فلما إنسحبوا وتركوا ورائه يواجه مصيرا يجعله أحيانا يتحسر على تعامله مع القوات الإفريقية فلا هو قادر على البقاء في قريته ولا هو قارد على الفرار مع القوة الفارة من نيران الشباب التي لا تعرف الرحمة ولا التفرقة بين عدو معلوم  بالنسبة لها وبين مواطن شاهدته يوما وهو يقتات من مائدة عدوها ولا تفترض أنه كان يأكل منها بسبب الجوع، والجوع كافر كما يقول المثل العربي، ولاشك أن هذا أمر له ما بعده.

آخر الرسائل التي بعثتها الحركة هي التفجير أمام المدخل الرئيسي بالقصر الجمهوري وما قيل من إنها كانت تستهدف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالصومال نيكولاس كي، الذي كان يتأهب لمغادرة موقع إنعقاد المؤتمر التشاوري للقادة الصوماليين بعد مشاركته في فعاليات المؤتمر التشاوري، وهي حادثة إذا ثبت فعلا من أنها إستطاعت المواءمة بين توقيت التفجير بسيارة مفخخة وفي هذا الموقع المتقدم جدا وبين مغادرة ممثل الأمم المتحدة في الصومال، فإن المصيبة ستكون أعظم، ذلك أن العملية أثبتت بأن للحركة عيونا في عمق القصر الرئاسي وأنها ترصد كل تحركات من فيه وكأن الحركة تريد أن تقول إن الجميع تحت مرمى نيراني رغم أنف الجميع بما فيهم نيكولاس كي الذي جلبت مؤسسته الدولية آلاف الجنود الأفارقة وتمولهم للقتال في الصومال، فالحركة إستطاعت أن تضحك على الجميع.

لا شك أن الرئيس حسن شيخ محمود يعمل وفق ما تقتضيه مشيئة المجتمع الدولي وهو ما جلب له رضاهم عنه، بدليل البيان الواضح اللهجة الذي صدر عنهم قبل أسبوعين تقريبا ضد البرلمانيين الذي قدموا عريضة لإتهام الرئيس وإستجوابه تمهيدا لإقالته، إنما السؤال هنا هو كيف نستطيع أن نفسر التدهور الكبير الحاصل في جانب تحقيق الأمن بسبب ما يقال إن الجنود الأفارقة لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور وهو الأمر الذي إنعكس سلبا على الأوضاع الأمنية بصورة واضحة، حتى وكأنه في طريقها للعودة إلى نقطة الصفر التي بدأ منها الرئيس بعد إنتخابه في شهر أغسطس عام 2012م.

هنالك بعض المراقبين الذين يذهبون بأن حب المجتمع الدولي للرئيس حسن شيخ وعمله الوثيق معه ليس حبا نابعا من سواد عيونه وإنما يسعون إلى تقليل الضجة المثارة في الساحة السياسية حتى تنتهي فترة رئاسته والأوضاع الأمنية تكاد تكون لم تبرح النقطة التي بدأ منها تمهيدا لتحقيق عدم عودته مرة أخرى في الإنتخابات المزمع إجراؤها في العام القادم 2016م، وأن التدهور المريع الذي نشاهده ليس الاّ عقابا خفيا وغير مباشر له لأنه كان بدأ الوعد بتحقيق الأمن وجعله أولوية قصوى من بين الدعائم الستة المعروفة التي جعلها ركائز لخطة عمله يوم إنتخابه، وكأن لسان حال الحقيقة والواقع يقول إذا كانت الأوضاع الأمنية بهذه الدرجة السيئة فماذا يكون حال النقاط الخمسة الأخرى مع أهمية تحقيقها للصومال في الوقت الحالي، بمعنى إنه وعد ما لا يستطيع أن يحققه وعليه لزم عقابه.

ومن هنا يضمنون ذهابه بدون شك، والمجيئ برئيس جديد يبدأ هو الآخر من الصفر وينفخون فيه الروح في الأيام الأولى ثم عندما تقترب فترة رئاسته من النهاية يهيؤون له نفس هذا السيناريوا حتى يبلغ الصوماليون حالة من اليأس والإستسلام تمهيدا لمرحلة الوصاية التامة، هكذا يقول الواقع الحالي، والاّ فكيف نفسر الأعداد الكبيرة من القوات الإفريقية في البلد والتدهور المستمر في الجانب الأمني؟

المراقب للأوضاع في الصومال يتأكد له بأن كل ما ذهبنا إليه يدل دلالة واضحة أن الأمن في الصومال لا زال بعيد المنال.

بقلم: عبدالوهاب شيخ رشيد

زر الذهاب إلى الأعلى