اتفاقية التعاون العسكري بين الصومال وتركيا … قراءة أولية في الأهمية والدلالات

في 8 فبراير الجاري، وقّع وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور ونظيره التركي يشار غولر في العاصمة التركية أنقرة، اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والإقتصادي بين البلدين، وشدد الوزيران عقب إعلان الإتفاقية بأنها ستساهم في تطوير أكبر للعلاقات العسكرية الثنائية بين البلدين. غير أن توقيت الاتفاقية في ظل وجود أزمة حادة بين الصومال وإثيوبيا على خلفية مذكرة التفاهم التي وقعتها الأخيرة  مع منطقة أرض الصومال للحصول على منفذ بحري، وقاعدة عسكرية بحرية ، أعطاها أبعادا تتجاوز حدود الصومال ، ودلالات مثيرة للإهتمام، ما يطرح تساؤلات حول طبيعتها، وأهدافها، وتداعياتها على مستقبل الصومال، ومصالح القوى الدولية واللاعبين الإقليميين في المنطقة.

أولا: طبيعة الاتفاقية  

أثارت اتفاقية الدفاع العسكري بين الصومال وتركيا ردود أفعال واسعة في الصومال سواء على المستوى الرسمي والشعبي. أبدت معظم الأطراف السياسية، وقطاع عريض من الشعب الصومالي تأييدهم الكامل للإتفاقية ورأوا أنها خطوة مهمة نحو إعادة بناء الصومال ، وتمكين الحكومة من أداء مهامها ومسؤلياتها تجاه أمنها البحري، بينما أبدى البعض شكوكهم إزاء مقتضيات الإتفاقية وتأثيراتها على مستقبل الصومال على المدى البعيد في ظل رفض الحكومة نشر بنود الإتفاقية. 

 سارعت الحكومة الفدرالية الصومالية في مصادقة الإتفاقية دون أن تكشف بنودها، كما صادق البرلمان الصومالي على الإتفاقية على عجل في 21 فبراير 2024 الجاري، حيث صوت لصالحها 213 نائباً من أصل 216 حضروا جلسة ذلك اليوم، في حين رفض الإتفاقية 3 نواب فقط.  وفيما يبدو هذا الاستعجال والتوافق نابعان من قلق الصومال ازاء أطماع عدوها التاريخي إثيوبيا في ساحلها الأطول إفريقيا. لكن البعض شكك  محتوى الاتفاقية وتساءل لماذا لم يتم الكشف عن جميع بنود الإتفاقية، ولماذا اختارت الحكومة الصومالية أن تكون طي الكتمان؟.

أكدت تقارير صحفية أن الإتفاقية الإطارية بين تركيا والصومال مدتها 10سنوات، وتسمح بموجبها للجانب التركي الإستغلال  من الثروات  البحرية الصومالية بنسبة 30% مقابل تتولى تركيا مسؤلية حماية السواحل الصومالية وتأمينها، كما تتضمن الاتفاقية مكافحة جرائم القرصنة، ومنع التدخلات الأجنبية، والصيد غير القانوني، وتهريب السلاح، وتدريب وبناء القوات البحرية الصومالية وإمدادها بالمعدات.

وصف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال مؤتمر صحفي، الاتفاقية بين الصومال وتركيا بالتاريخية، وأشار إلى وجود انتهاكات كثيرة تحدث في الساحل الصومالي ستساعد الإتفاقية في ايجاد حل لها، مثل الصيد غير القانوني ، والإرهاب،  والقراصنة، والتلوث. وقال الرئيس محمود ” إن الاتفاقية مدتها 10 سنوات وسيتم خلالها إعادة بناء قوات  البحرية الصومالية، مؤكدا في الوقت ذاته على أهمية الاتفاقية للتنمية الاقتصادية والاستفادة من الموارد  الطبيعية. وكذلك نفى الرئيس الصومالي بأن الاتفاقية تستهدف لأي طرف ثالث.

وأوضح وزير الدفاع الصومالي عبد القادر نور  أن الاتفاقية الجديدة تشمل مكافحة الإرهاب،  والتعاون المالي والعسكري، وأنه ستكون لها إسهامات كبيرة لإعادة بناء الصومال.

تكتسب اتفاقية التعاون العسكري بين الصومال وتركيا أهمية كبرى بالنسبة للصوماليين، وأنها ستحقق ثلاث مكاسب رئيسية:

  1.  المكسب الأول: الردع. تبعث الاتفاقية رسالة واضحة إلى إثيوبيا وتفهمها بإن الصومال لديها أوراق كثيرة وأن الثمن الذي سيدفعه في حال إقدامها على تنفيذ مذكرة التفاهم مع اقليم أرض الصومال أكثر بكثير من المغانم التي تحققها‘ لأن إثيوبيا ترتبط بعلاقات متعددة مع تركيا وبالتالي ليس من السهل أن تتجرأ على خطوة يمكن من شأنها أن تمثل تهديدا للمصالح التركية في المنطقة
  2.  المكسب الثاني: أن تساهم تركيا في إعادة بناء القوات البحرية الصومالية التي رفضت العديد من الدول المساهمة في إعادة بناءها تسليحا وتجهيزا على غرار دورها في إعادة بناء القوات البرية الصومالية ، وهذه القوات تعتبر اليوم العمود الفقرى للعمليات المسلحة ضد حركة الشباب. وفي حال نجحت الصومال في تحقيق جزء من هذا الهدف خلال 5 سنوات فإن ذلك يعتبر انتصار كبير يمهد الطريق لتولي القوات الصومالية مسؤولية أمن ساحلها والاستفاذة من خيراته.
  3. المكسب الثالث يتمثل في أن الاتفاقية توازن مصالح القوى الاقليمية والدولية في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي وتنوع البدائل الإستراتيجية لدى الحكومة الصومالية، كما تخفف الضغوط التي قد تتعرضها من قبل لاعبين إقليميين في المنطقة .

ثانيا : دلالات التوقيت

إن توقيت الاتفاقية الإطارية بين الصومال وتركيا  تحمل دلالات ورسائل مهمة؛ فإنها تأتي بعد نحو شهرين من اندلاع أزمة بين الصومال وإثيوبيا على خلفية اعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد توقيع مذكرة تفاقهم مع اقليم أرض الصومال الإنفصالي بهدف الحصول على منفذ بحري في سواحل هذا الإقليم. اعتبرت الصومال هذه الإتفاقية اعتداءا سافرا على سيادتها ووحدة بلادها بإعتبار أن اقليم ارض الصومال الذي اعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991 جزء لا يتجزأ من الأراضي الصومالية، وتعهدت باتخاذ جميع الإجراءات والسبل للدفاع عن سيادتها ووحدة ترابها بيد أن إثيوبيا قللت من شأن الخيارات التي باتت أمام الصومال لمنعها من الوصول إلى البحر الأحمر عبر سواحل منطقة أرض الصومال.

للتأكيد على أن قضية الساحل الصومالي خط أحمر، وأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للصوماليين ، اتخذت الحكومة الصومالية العديد من الإجراءات وتواصلت مع المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، كما تواصلت مع العديد من القوى الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية،  والصين ، وكذا القوى الاقليمية مثل مصر، والمملكة العربية السعودية ، وتركيا  لحشد الدعم لقضيتها التي تعتبرها عادلة وأن الإستجابة الفعلية الأولى جاءت من تركيا التي كانت مهتمة بمنطقة القرن الإفريقي لأسباب اقتصادية. 

أضف إلى ذلك ، تأتي الاتفاقية الصومالية التركية في وقت تتزايد اهتمامات العالم بالصومال ومنطقة القرن الإفريقي وذلك لوجود فرص استثمارات هائلة فيها وامكانيات تساعد القوى الاقليمية والدولية على تحكم الممرات المائية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومن أبرزها:  

1- احتياطات النفط والغاز في الصومال

 باتت عيون الدول والشركات الغربية على الصومال بعد  الإعلان  عن وجود احيتاطات نفطية تقدر بـ 30 مليار برميل إي ما يعادل ثلاث مرات من احتياطات النفط الجزائرية في الصومال ، حيث يتوقع أن يبدأ المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد في شهر مارس المقبل -وفق وكالة آناضول للأنباء -، الأمر الذي يضع الصومال في المركز الثالث إفريقيًا بعد كل من ليبيا ونيجيريا. والجدير بالإشارة إلى أن أهم المربعات النفط توجد قبالة سواحل الصومال المطلة على المحيط الهندي وخليج عدن، وعلى أهم طريق بحري للتجارة الدولية بين آسيا وأوروبا. ولذلك لا شك أن تركيا مهتمة بهذه الملف وأن اتفاقيتها مع الصومال ستسمحتها الأستغلال من هذه الثروات. 

2- سوق شرق إفريقيا الكبير

تعد الصومال اليوم ضمن أكبر الأسواق في منطقة شرق إفريقيا التي يتوقع أن يترفع عدد سكانها في عام 2050 من 226 مليون نسمة إلى 400 مليون نسمة وسيكون أكثر من 55% من السكان دون سن العشرين . ووفق احصائيات حديثة سينمو عدد السكان الفارقة اجمالا من 1.4 مليار في الوقت الحاضر إلى 2.4 مليار في عام 2050 ، وسيكون 50% من السكان تحت سن 25 عاما.

2- تجليات الحرب الدائرة في غزة وأوكرانيا

لا ننسى أن الاتفاقية التركية الصومالية تأتي في ظل تزايد ملحوظ لأهمية ممر باب المندب  بعد الغز الإسرائيلي على غزة ، وتهديد الحوثيين في اليمن بإغلاقه على وجه السفن الإسرائيلية والأمريكية ودخول حرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني وبالتالي إن هذه الإتفاقية ستعطي تركيا فرصة لعب دور بارز في هذين الملفين ، وستسمح له أن تكون جزءا من القوى الاقليمية التي لها تتحكم في مصير البحر الأحمر ، ومضيق باب المندب.

ثالثا: تداعيات وتأثيرات الإتفاقية التركية الصومالية على الجهات الاقليمية الفاعلة في الصومال

خلال الأعوام الأخيرة، أصبح حال الصومال أو كاد أن يكون كما كان الأمر في أيام الحرب الباردة نتيجة التغيرات الكبيرة والتحولات الهائلة التي يشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، وباتت اليوم جميع القوى الدولية والاقليمية ولاعبين آخرين بدءا من الولايات المتحدة ، والصين، وروسيا ، ومرور بالقوى الاقليمية مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر تبدي اهتمامها بالصومال وتسعى إلى ايجاد موطئ قدم لها، واقامة قواعد عسكرية فيها بعد تزاحم القواعد الأجنبية في جيبوتي. وجميع تلك القوى لديها اليوم مصالح في الصومال سواء في المجال الاقتصادي أو الأمني وأن مصالحها ليست متناغمة بل هي متناقضة في بعض الأحيان وبالتالي، فإن الاتفاقية الأخيرة بين الصومال وتركيا يمكن أن تأجج الصراع بين هذه القوى وأن تزيد الضعط على الحكومة الصومالية. ولذلك يجب عليها أن توازن مصالح تلك القوى والا تقع في الفخ التي وقعها نظام سياد بري عام 1977 عندما طرد السوفيت وفشل في كسب ود الغرب وأصبحت النتيجة هزيمة الصومال في حربها مع إثيوبيا وسقوط الدولة الصومالية.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى