أضواء على تاريخ العلاقات السعودية الصومالية

على الرغم من المسافة البعيدة بين الصومال في الجنوب والمملكة العربية السعودية شمالا التي كانت عائقا في التواصل الكبير بين الشعبين الا ان هذه العلاقة ضاربة في الجذور لا سيما منذ دخول الاسلام الى الصومال حيث ينظر الصوماليين الى ارض الجزيرة العربية على انها ارض الرسالة ومكان الحرمين الشريفين خصوصا لأداء فريضة الحج والعمرة ، رغم بعد المسافة وتواضع وسائل النقل قديما ووجود لبحر الأحمر ومضيق باب المندب والمحيط الهندي.

وفي التاريخ الحديث بدأت العلاقات بين الصومال والسعودية منذ الاستقلال عام 1960 وتوجت بزيارة الملك فيصل عام 1962 الى الصومال , وفي بدايات عهد الجنرال محمد سياد بري انضمت الصومال الى منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1970 ثم انضمت عام 1974 الى الجامعة العربية, لكن الازدهار الكبير لهذه العلاقة كان منذ عام 1977م بعد حرب اوغادين وفي ظل الاستقطابات الدولية بين الغرب والشرق وحرص السعودية على ان تكون الصومال في صفها حيث كانت السعودية تعادي الدول الاشتراكية وعلى راسها الاتحاد السوفيتي والعلاقات مقطوعة مع أي دولة شيوعية لسبب معاداة هذه الدول للاديان وخاصة الدين الاسلامي , وهنا انقل جزءا من مقابلة مع سفير المملكة في مقديشو طه الدغيثر نهاية عام 1980 , وفيما يلي جزء من المقابلة التي نشرت في صحيفة المدينة السعودية آنذاك:

مرحلة جديدة وجادة

لقد كانت الفترة من عام 77 إلى هذه المرحلة من عمر العلاقات الطويلة بين البلدين زاخرة ومزدهرة بكل المقاييس، ذلك ليس بسبب ترفيع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وترقيته لاستيعاب الأماني المشتركة، التي برزت وتبلورت في هذه الفترة وحسب، بل أيضا بسبب قنوات الاتصال المباشرة، والوفود المتبادلة، وازدياد اتصالات التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا المحلية والدولية والإسلامية والعربية بصورة خاصة.

ولعل سعادة السفير طه الدغيثر سفير جلالته في مقديشو، والذي أسهم بدور نشط في بناء هذا الصرح البارز من العلاقات بين البلدين الشقيقين خير من يلقي الأضواء على الأسس والأطر التي قادت إلى الوصول بعلاقات المملكة والصومال إلى هذا المستوى المحمود هنا وهناك.

علاقات تاريخية

يقول سعادة السفير طه الدغيثر في حديث ” للمدينة ” تمتد العلاقات بين الصومال والجزيرة العربية إلى قرون بعيدة، ويذكر المؤرخون عن هذه العلاقات جوانبها التجارية والاتصالات المستمرة عبر الموانئ البحرية التي كانت مزدهرة في كل من زيلع وبربرة، وصلة هذه الموانئ الصومالية وغيرها بسكان ساحل البحر الأحمر المقابل للجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام.

وقد تطورت هذه العلاقات بطبيعة الحال بعد ظهور الإسلام وامتداده أولا إلى خارج الجزيرة العربية إلى الصومال، مثله مثل موجات الانتشار الأخرى للدين الحنيف في البلدان المجاورة الأخرى، وفي أرجاء الأرض الأخرى التي بلغها الدعاة، ونالتها الفتوحات الإسلامية العظيمة.

الهجرات المتبادلة

وعلى مدى العصور والقرون توطدت هذه العلاقات، وتطورت بوجود الجسر البحري بين مينائي زيلع وبربرة، وموانئ المملكة في كل من القنفدة وجيزان وجدة على البحر الأحمر وبروز ظاهرة الهجرات المتبادلة والتي لا شك أن الباحثين في تاريخ المنطقة سيوفونها حقها من الدرس لتفهم الانسجام والنماذج والتقبل الشعبي لتطوير هذه العلاقات من خلال جوانبها الاجتماعية والاقتصادية من خلال تلك الهجرات والتي كانت أيضا تستند إلى إقامة مصالح تجارية تتجسد في نقل السلع وصيد الأسماك.

كما أن العديد من أبناء الصومال وبحكم الروابط الدينية وأدائهم النشط لفريضة الحج والعمرة أقاموا بالمملكة كمجاورين أو طلاب علم، وهذا أدى إلى اندماجهم وانصهارهم في مجتمع المملكة الإسلامي الذي يقوم على الأخوة والمساواة تحت الحكم السعودي، وكدليل على تطور ونمو هذه العلاقات الأزلية، أمكن دائما الانطلاق بعلاقات الشعبين نحو آفاق أرحب في مختلف مراحل تاريخهما، وهذا يشكل دليلا على ما يربطهما من وشائج القربى والمحبة والمصالح المشتركة.

الإسهامات الاقتصادية

سعادة السفير: ما هي أهم الإسهامات الاقتصادية للمملكة في مجال تطوير هذا الجانب من علاقات البلدين الشقيقين؟

– على هدي نفس الأسس التي ذكرنا بعضا منها سابقا.. فقد قدمت حكومة جلالة مولاي الملك مساعدات كثيرة وعديدة للصومال ولا أغالي إذا قلت لك بأن هذه المساعدات يصعب حصرها في وقت وجيز إذا ما أردنا العودة إلى كل ما قدمته المملكة للصومال الشقيق منذ استقلاله في مستهل الستينات إلى الآن.

ولكن يقول سعادة السفير: سأكتفي بالإشارة إلى بعض المشاريع والإسهامات التي قامت المملكة بها في السنوات الخمس الأخيرة، ومنها كمثال:

* تقديم ثلاثة قروض يبلغ مجموعها حوالي 41 مليون دولار وجميعها بدون فائدة وقدمت رأسا من حكومة جلالته للحكومة الصومالية لمشاريع الري والبناء والمطارات في خمس مدن صومالية ولشبكة مجاري مدينة مقديشو العاصمة ولمصنع النسيج الصومالي في بلدة ” بلعد “، ولمصنع السكر بجوهر، ولزراعة قصب السكر في ” تسناي ” وغير ذلك من المشاريع التي يصعب حصرها الآن..

* أيضا هناك إسهام المملكة في تمويل إنشاء مصنع سكر جوبا حيث قدمنا مبلغ 83 مليون دولار وهو عبارة عن نصف التكلفة مقدمة في شكل قرض بفائدة اسمية من الصندوق السعودي للتنمية..

نصف تكاليف الجامعة

وهناك تمويل بمبلغ عشرة ملايين وستمائة ألف دولار من نفس الصندوق السعودي لتغطية نصف تكاليف إنشاء مجمع جامعة مقديشو الوطنية.

ومؤخرا قدم البنك الإسلامي مبلغ 5 ملايين دولار لتغطية القروض الزراعية لصغار ومتوسطي الحال من الزراعيين الصوماليين وللجمعيات التعاونية الزراعية، ومليون دولار أخرى لشراء الغزل القطني لمصنع ” صومال تاكس “. أيضا هناك 7 ملايين دولار لشراء أسمدة كيماوية ومليون دولار كتبرع للخدمات الصحية للاجئين. كذلك وفت المملكة بدفع المبلغ الذي أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير فهد في مؤتمر القمة العربي بتونس وهو 20 مليون دولار لمساعدة الصومال ولتخفيف الأعباء التي يتحملها بسبب نزوح أكثر من مليون لاجئ إلى أراضيه.. وذلك فضلا عن تقديم المملكة لمساعدة طبية وعينية للاجئين.

في المركز الأول

وخلاصة كل هذا وغيره من المساعدات، يقول سعادة السفير: نجد أن مساعدات حكومة جلالة مولاي الملك خالد للصومال تحتل المرتبة الأولى بالنسبة للمساعدات والمشاريع والإسهامات التي تقدمها للصومال الشقيق دول العالم الأخرى وهذا في اعتقادي يعكس مدى التقدير والوفاء الذي تكنه المملكة للروابط والصلات العظيمة التي تجمع بين الشعبين والبلدين.

هذا جزء من مقابلة للسفير السعودي طه الدغيثر في مقديشو عام 1980 في عهد الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز رحمه الله , والرئيس الصومالي محمد سياد بري , وفيما يبدو انها قد شهدت طفرة وتحول كبير واستمرت حتى سقوط حكم سياد بري عام 1991م , وان كانت قد شهدت نوع من التراجع نهاية عهد بري نتيجة بدء تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره وانهيار المنظومة الاشتراكية مما قلل من موقع الصومال في التنافس العالمي على مدخل البحر الاحمر الجنوبي وباب المندب.

ما بعد 1991

مع انهيار الحكومة المركزية برئاسة اللواء سياد بري عام 1991 وانتشار الفوضى والصراع على السلطة , ومع تراجع موقع الصومال في الصراع الدولي بعد انهيارا لمنظومة الاشتراكية , قل الاهتمام السعودي بالصومال خصوصا ان الدولة تفككت ولم يعد هناك حكومة مركزية يمكن التحاور معها , وبعد الانهيار شاركت قوات سعودية في قوات اعادة الامل مع قوات دولية اخرى واهمها القوات الامريكية والباكستانية , وكان هدفها الاساسي المشاركة في مواجهة المجاعة والجفاف عام 1992 ثم انسحبت بعد ذلك مع انسحاب القوات الاخرى , لكن استمر دور السعودية في الجانب الاغاثي وعن طريق الجمعيات الخيرية  ,و منها هيئة الاغاثة الاسلامية وجمعية الحرمين , لكن مع احداث 11 سبتمبر عام 2000 واتهام القاعدة بتدبيرها , والتشديد على الجمعيات الخيرية انسحبت جمعية الحرمين من الصومال بعد حلها حيث كان لها نشاط اغاثي ودعوي , قل النشاط السعودي في الصومال او انعدم لكن في عام 2007 اجتمع عدد من الفرقاء الصوماليين في جدة للوصول الى اتفاق لكن لم ينفذ ، وبعد ذلك عادت السعودية عام 2011 مساهمة في التخفيف من المجاعة من خلال هيئة اغاثية رسمية ، واستمر الدعم الاغاثي حتى الان في حفر الابار ومساعدة المحتاجين , اما على الجانب التنموي والسياسي فالدعم غير معلن وان كان من المعتقد ان السعودية دعمت الصومال بعد قطع علاقتها مع ايران , كما زار الرئيس فرماجو السعودية بعد فوزه بالانتخابات ثلاث مرات , وحصل الصومال على دعم بمبلغ 50 مليون دولار ساهم في دفع الرواتب والقيام ببعض الانشطة الحكومية .
ومن هنا فان الدور السعودي في الصومال بعد عام 1991 اقتصر غالبا في الدور الاغاثي لعدة اسباب اهمها انتهاء الحرب الباردة وتراجع اهمية موقع الصومال , وعدم تمكن الصومال من اقامة دولة فعالة ومسيطرة على كامل اراضي الدولة منذ الانهيار وبالتالي ليس هناك شريك قوي يساهم في اعادة هذه العلاقات الى قوتها في الثمانينات , اضافة الى عدم وجود سفارة سعودية في مقديشو  كحلقة وصل سريعة لتنمية هذه العلاقات.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى