التربية ودورها في مكافحة التطرف(استراتيجية الوقاية من التطرف)

مفهوم التربية

التربية هي عملية تنمية الإنسان المتكامل، عقلياً، وجسدياً، ونفسياً، واجتماعياً، بواسطة خبرات تربوية لتحقيق أهداف المجتمع المستقبلية في أجياله المختلفة بحيث تتحقق هذه الأهداف في مراحل ومستويات التربية.

فالتربية تعني التعليم حتى يستطيع الإنسان أن يعيش حياة أفضل، فإنها تعني ذلك لأن التعليم يؤدي إلى تنمية الشخصية، أي تنمية القوى الجسدية والعقلية والخلقية (1).

فالنظرة الموضوعية في التربية كفهومها الشامل تقوم على حياة الإنسان، باعتبار أنّها هي الإنسان، لأن الإنسان هو نقطة البداية في عملية التربية، إذ أنه مستهدف من أجل تغيير سلوكه إلى سلوك مرغوب فيه، وارتفاع مستوى مجتمعه الذي يعيش فيه.

وتشتمل التربية على جانب العقيدة وجانب الأخلاق وجانب التشريع، فيجب أن تتقبل دون شك وتردد، “فهذه التربية ليست من كائن لا صلة له بالمخلوق، وإنما هي تربية الخالق نفسه، الذي أحاط علماً بدقائق الخلق، عرف ما تحتاج إليه مخلوقاته، وعرف الضار والنافع، وعرف الخير والشر، فالتربية إذن قيادة على علم، وهداية على بصيرة، وهي من أجل ذلك كله تربية خالدة، لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، لأن الإنسان هو الإنسان أينما وجد، وأينما كان، لم يتبدل خلقاً، ولا تركيبا بتركيب”(2).

أما مفهوم التطرف فهناك صعوبة في إيجاد تحديد واضح لمفهوم التطرف وعدم الاتفاق على تعريف موحد وشامل، يعود لأسباب كثيرة أهمها تباين المفاهيم والأفكار العامة والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. لذلك، فإن مفهوم التطرف يتجه على النحو التالي:-

التطرف هو ” اتخاذ الفرد قراراً متشدداً يتصف بالقطيعة سواء أكان ايجابياً أم سلبياً، باستخدام أسلوب العنف لتحقيق المبدئ الذي يؤمن به”.

فالتطرف بين الحقيقة والاتهام، إذ يقول العلماء “الحكم على الشيء فرع عن تصوره” فهذا لا يمكن الحكم على شيء مختلف ماهيته وحقيقته، كذلك لايمكن الحكم على الشيء المجهول، لأن التطرف معناه اللغوي يكون: الوقوف في الطرف، بعيداً عن الوسطية، ومن عاداته أنه دائماً أقرب إلى المهلكة والخطر، فالإسلام يدعو لنا إلى الوسطية ويحذرنا من التطرف.

مشكلة التطرف

تعد مشكلة التطرف من المشكلات الرئيسية التي يهتم بها المجتمعات المعاصرة، فهي مشكلة يومية وحياتية، إذ أنها ظاهرة اجتماعية تؤثر على المجتمع من كونها ظاهرة مرتبطة بمفاهيم الحياة.

وأصبحت قضية التطرف ظاهرة عالمية على مستوى دول العالم، وعلى رغم من أن التطرف والإنحراف هو أنه لا يرتبط بمنطقة أو ثقافة أو مجتمع أو جماعات دينية أو عرقية معينة، ومن المعتقد أن ظاهرة التطرف ترتبط بعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية التي ساعدتها في تطوراتها السريعة وتتفاعل مع التقنيات في العصر الحديث، فالتطرف لا يقتصر على دول دون غيرها بل يعمم جميع دول العالم، فمعظم الدول لها هيئات أمنية معنية بمكافحة التطرف.

فالتطرف يأتي من أسباب عدة، أهمها: دُعاة الضلالة، أو الجهل من قبَل الفرد، أو النفس الأمارة بالسوء.

أما ظاهرة التطرف تعني التعصب بالرأي تعصباً لا يعترف معه الآخرين، وجمود الشخص على رأيه جموداً لا يسمح لمواجه رأي الصواب، كذلك لا يوازن بما عنده من المفاهيم حتى على سوقه ويسير نحو سلوك أفضل وأحسن، ولا يأخذ نصائح الآخرين مهما كان الأمر، وأيضا من مظاهر التطرف التشدد في غير محله، والغلظة في التعامل مع الآخرين، وسوء الظن بالناس، والسقوط في هاوية الجرائم، فكل هذه المظاهر هي نتيجة التطرف والانحراف الفكري.

ويمثل التطرف الديني التعصب لرأي معين أو لشخص معين دون غيره من آراء الآخرين ويعتقد برأيه المبني على العنف والبعد عن الوسطية والاعتدال بالأفكار.

دور التربية في مكافحة التطرف (الوقاية)

إن الوقاية من التطرف يجب أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة، منها المؤسسات التربوية التي يجب أن تؤدي عملاً مهماً في رفض العنف لدى الشباب في ممارسة سلوك التطرف، فأهمية التربية ودورها في تجفيف منابع التطرف عامل من العوامل المهمة التي تجعل المجتمع تربى على السوية والوسطية والابتعاد عن الأفكار المنحرفة التي تسبب الجريمة.

ويتمثل دور التربية في مكافحة التطرف فى تغيير سلوك المجتمع إلى سلوك مرغوب فيه علماً بأن المؤسسات التربوية المختلفة فى مراحل التعليم الابتدائى والاعدادى والثانوى ثم الجامعى دورها الأساسي هو حل هذه المشكلة، ويتمثل أيضا الدور المطلوب في التربية التي كان دورها الأول هو التربية ثم التعليم، بمعنى ذلك أن التربية هي إعداد الفرد فى مختلف المراحل التعليمية إعداداً سليماً وتهذيب سلوكه مما يؤهله إلي تنمية قدراته وتوفير حاجاته والرعاية الصحية والبدنية والثقافية من خلال ممارسته للأعمال التربوية.

وتأتي أهمية التركيز على دور التربية في تعزيز الوسطية والاعتدال وتربية الأجيال على تعاليم الوسطية والتعليم هو الذي يمكنه الأجيال في سمو وعيهم وعقولهم على أسس وسطية رشيدة، وتربيهم على قبول الاختلاف في الرأي، وحل المشكلات بينهم عن طريق المفاوضات والتفاهم، علماً بأن التربية الصحيحة هي التي تقود المجتمع إلى مرافئ السلام والأمن.

ويمكن القول بأن دور المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية هي التي تلعب دوراً مهما في مكافحة التطرف عن طريق فصول محو الأمية وفصول التقوية فى المساجد، بالإضافة إلى وجود بعض مجالات التدريب في سبيل تعزيز الوعي عن طريق الجمعيات الخيرية التى تتبع بعض المؤسسات الدينية فمثل هذه الأعمال يمكننا أن نعالج التطرف والغلو في الدين، لأن التطرف مرض من الأمراض التي تتعلق بالنفس البشرية والعقلية، فعلاجها ينبغي أن يكون علاجاً فكرياً ونفسياً واجتماعياً، ولا بد أن ينطلق من مصدر الإسلام.

أما المناهج الدراسية فيجب إضافتها مفردات تعزز سبل الوقاية من التطرف وتنمي توضيحات تمكن للشباب تحصين أنفسهم من ارتكاب الجريمة ومعرفة السبل الناجحة الابتعاد عن الأفكار والمبادئ المنحرفة وذلك من خلال الاستفادة من التجارب الدولية والإجتماعية حول دور المؤسسات التربوية في الوقاية من التطرف والانحراف الفكري، فإعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية وتطوير الأساليب التربوية بعقلية انفتاحية جديدة تتعاطى مع أزمات العصر حيث تساهم في استئصال جذور التطرف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.عبدالغني عبود، الفكر التربوي عند الغزالى من خلال رسالة أيها الولد، دار الفكر العربي، ط1، ص 171.

2.عبدالحليم محمود، القرآن والنبي، دار الكتب الحديثة، ص 177- 17.

حسن عبدالرزاق عبدالله

طالب، دكتوراة في التربية _ مناهج وطرق التدريس. جامعة بخت الرضا.
زر الذهاب إلى الأعلى