الناشط محمد عداني لمركز مقديشو: لا توجد في الصومال نخب سياسية فعالة ومعظمهما منخرطة في الصراعات القبلية

cadaani2

أجرى الحوار: محمد عبدي

  • باعتقادي لا يمكن الفصل بين التحولات السياسية والاجتماعية لأن النظامين الاجتماعي والسياسي مرتبطان بشكل دائري.
  • لحسن الحظ يظهر في الأفق مؤشرات دالة على أن الصوماليين لم يعودوا متحمسين للاستمرار على النظام القبلي الذي اكتووا بناره.
  • لا توجد نخب سياسية في الصومال قادرة على بناء رأي عام سياسي، وأن كثيرا منهم منخرطون في الصراعات القبلية.
  • إذا أردنا الخروج من التيه السياسي والإجتماعي الذي نعاني منه، ينبغي أن نغرس أفكار جديدة في نفوس المجتمع.
  • العدالة والمساواة هي الهدف الأسمى التي يجب أن يتطلع المجتمع لأنها مرتبطة مع الحياة والأمن وازدهار الإنسان.
  • الطريق الانسب للاستفادة من النوايا الحسنة والأفكار السليمة لدى أبناء المجتمع هو أن يتحد الشباب في تحقيق المصلحة العامة للوطن.

أجرى مركز مقديشو للبحوث والدراسات حوارا مع الناشط السياسي محمد عداني تطرق إليه طبيعة واهداف الحراك السياسي والاجتماعي الذي أطلقه مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي فضلا عن العلاقة  بين السياسة والقبيلة في فهم النخب السياسية في الصومال.

نبذة عن السيرة الذاتية للأستاذ محمد عداني

ولد محمد ابراهيم عداني في إقليم شبيلي الوسطى في جنوب الصومال، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة العلوم والتكنولوجيا(NTNU) في النرويج، ثم حاز درجة الماجستير في الدبلوماسية من جامعة Norwich بالولايات المتحدة الأمريكية، ويخضر الآن درجة الدكتوراه في الإقتصاد السياسي.

الناشط السياسي محمد عداني مهتم بـقضايا محاربة العصبية القبلية ونشر ثقافة السلام والحكم الرشيد، ودشن عدة منابر في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي منها منبر “جيل الامل الصومالي” الذي يسعى إلى إضعاف النظام الاجتماعي القبلي وتأثيراته السلبية على الحياة السياسية الصومالية، ويعيش حاليا في مدينة Trondheim بالنرويج.

نص الحوار

 الأستاذ  محمد عداني… أطلقتم قبل شهور حراكا سياسيا اجتماعيا ميدانه مواقع التواصل الاجتماعي ، فهل بالإمكان أن تشرح لنا  طبيعة هذا الحراك وأهدافه؟

محمد عداني : الحراك الذي اطلقناه عبر مواقع التواصل الإجتماعي يهدف إلى إضعاف النظام الاجتماعي في الصومال المبني على الأسس القبلية  والذي أصبح حجر عثرة أمام أي أمل لاسترجاع الدولة الصومالية التي انهارت أساسا نتيجة هذا السرطان المجتمعي الهدام. باعتقادي لا يمكن الفصل بين  التحولات السياسية والاجتماعية لأن النظامين الاجتماعي والسياسي  مرتبطان  بشكل دائري ويؤثر كل واحد على الآخر سلبا أو إيجابا فإذا كان أحدهما فاسدا  فمن الصعب إجراء تصحيح على الآخر . نرى أنه في الغالب يتم التركيز على الجانب السياسي  وحده وهذا لم ولن يحقق نتائج جيدة  إذا لم ترافقه تحولات اجتماعية وفي ظل وجود مستوى عال من الوعي.  فظهور مثل هذا الوعي  يؤدي إلى حدوث تحول من ثقافة العشائر الى تبني الهوية الوطنية كبديل. ولذلك، لتحقيق هذا الهدف أطلقنا حراكا سميناه بـ جيل الأمل الصوماليعبر مواقع التواصل الاجتماعي. وسيبدأ هذا الحراك بحملة متواصلة في كل مدينة داخل الصومال وفي الدول التي يقطن فيها الصوماليون. ومن أبرز أهداف هذه الحملة تخفيف حدة  القبلية ، وتعزيز الأمن المجتمعي، والتصدي لإثارة النعرات سواء دينية أو قبلية أو مناطقية والانقسام داخل المجتمع الصومالي، بالإضافة إلى رفع مستوى وعي الشعب حيال الأمن والمصالحة.

ما تقييمكم للتنظيم الثقافي والاجتماعي في الصومال في هذه المرحلة؟ وبعد سنوات من الحرب والأزمات، فهل يسير المجتمع الصومالي نحو الإتجاه الصحيح؟

محمد عداني: لا شك أنه مازال يوجد فهم خاطئ يتعلق بمفهوم التنظيم الاجتماعي والعلاقة بين الأخلاق والسياسة ، لكن هناك بوادر  تحول ايجابي  وتعافي سياسي. ثقافيا يتشكل المجتمع الصومالي من قبائل وعشائر يحكمها النظام القبلي  وأن هذا النظام تم نقله إلى الدولة المعاصرة   التي انشأت بعد الاستقلال عام 1960  وهذا العامل لعب دورا كبيرا في سقوط الدولة عام 1991 والحرب الأهلية التي أعقبته، لكن لحسن الحظ  يظهر في الأفق مؤشرات  دالة على   أن الصوماليين لم يعودوا متحمسين  للاستمرار على النظام  القبلي الذي اكتووا بناره ، وبمعنى أخر فالمجتمع الصومالي يسير في الوقت الحالي نحو الإتجاه الصحيح.

 عقب انهيار النظام المركزي في الصومال عام 1991، دخل البلاد في فوضى سياسية واجتماعية وثقافية غيرت مفاهيم الأفكار والأيديولوجيات السياسية ، وبالتالي ألم يأن للنخب السياسية أن تقوم بصياغة فكر سياسي معين يحدد السلوك الخاص بالسلطة في الصومال؟.

محمد عداني: كما أشرت إليه  تسبب سقوط الدولة في الصومال بفوضى سياسية واجتماعية وثقافية بتغير الرؤية السياسية في البلاد. فقدنا الحس الوطني وغابت المناهج التعليمية الوطنية  وبرزت في الساحة أفكار اجتماعية  ودينية وسياسية متناقضة ومتصارعة. وإلى الآن لا يوجد فكر سياسي معين ينظم سلوك السياسيين الصوماليين ، وكما أسلفت هناك ارتباط وثيق بين الأفكار الاجتماعية والسياسية بمستوياتها المختلفة ، وبالتالي فإن السلوك السياسي لدى القيادات ماهو الا انعكاس للواقع الاجتماعي في البلاد.  هناك حالات خاصة يظهر للمجتمع زعيم ملهم  يقوده إلى تغيير سياسي حقيقي يتم انجازه خلال  فترة محدودة ، ولكن لسوء الحظ  لا توجد نخب سياسية في الصومال قادرة على  بناء رأي عام سياسي، وأن كثيرا منهم منخرطون في الصراعات القبلية  وخاضعون لإملاءات المجتمع الدولي والقوى الإقليمية. أضف إلى ذلك فإن الأوضاع في البلاد ومستوى وعي المجتمع لا يسمحان أيضا تبي اتجاه سياسي معين لأن أي فكر سياسي يظهر في الساحة يغضب شرائح من المجتمع أو دول مهتمة بالشأن الصومالي كما يمكن أن يثير  مشكلات إضافية نحن في غنى عنها.  ومن هذا المنطلق أرى أنه من الأجدر عدم ترويج  اتجاه سياسي معين وأن تكون الجهود  منصبة على توحيد المجتمع ومساعدة الحكومة في بسط سيطرتها على البلاد .

تتعالى الأصوات المطالبة بصناعة  رأي عام واع لتغيير نمط الحكم في الصومال  القائم على الأسس القبلية وإشباع الذات وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؟، فما هو دور المثقف في تحقيق هذا الهدف؟ وما هي آليات تحقيقه برأيكم ؟

محمد عداني : إذا أردنا الخروج من التيه السياسي والإجتماعي الذي نعاني منه، ينبغي أن نغرس أفكار جديدة في نفوس المجتمع . لكن  للأسف أن عددا كبيرا من المثقفين الذين كان يجب عليهم  السعي إلى تحقيق مثل هذا التغيير المنشود  سلموا أنفسهم للنظام القبلي أو رضوا بانفسهم  أن يكونوا مع الخوالف طمعا لمناصب سياسية أو إرضاء لسلطة العشيرة. كان ينبغي ولا يزال أن يطرح المثقف بأفكار مستقلة تساهم في إنقاذ البلاد والأمة بدلا من أن يصبح جزء من  الخلل الاجتماعي والسياسي القائم. فالنظام القبلي  في البلاد يعتمد على الفساد والمحسوبية  والتمييز وإذكاء الصراعات العشائرية واحداث الانقسام والشرخ  بين المجتمع، وبالتالي فعلى المثقف  أن يقوم بتوعية المجتمع من خطر هذا النظام الذي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يحقق  الوحدة والشراكة الوطنية، وأن يتحمل مسؤوليته  الأخلاقية والثقافية تجاه بلده  بكل صدق وأمانة  وعدم الانجرار وراء تحقيق مناصب سياسية أو قبلية أو  مصالح مالية  كي لا تضيع المسؤولية الملقاة على عاتقه، لأنه يجب أن يكون وليا مرشدا. ينبغي أن يؤدي المثقف واجبه الوطني من خلال  الارتقاء إلى مستوى علمه وثقافته ودوره في المجتمع والابتعاد عن القبلية وعن كل ما يمكن أن يكون سببا للانقسام المجتمعي والوقوف على مسافة واحدة من مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد وأداء أمانة العلم التي يحملها بطريقة حضارية وأخلاقية. ومن المهم أيضا أن يتغلب المثقف على الأنا والمصلحة الذاتية . ولحسن الحظ أننا في عصر التكنولوجيا والإعلام الإجتماعي  الذي يسهل التواصل مع أفراد المجتمع وتأثيرها لذلك ينبغي أن ينهض المثقفون بتنظيم أنفسهم بصورة تعكس  أهمية المصلحة العامة ، وأن يقوم بتوعية المجتمع وتحذيره من أسباب الانهيار  وتقديم نصائح واستشارات للحكام ولمن يتولى السلطة السياسية بغية الخروج من الأزمات التي تعصف بالبلاد.

آراء المحللين في الداخل والخارج تكاد تتفق على أن جذور المشكلة في الصومال تعود إلى   صراع القبائل على السلطة والثروة،  لذلك كيف يمكن تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الثروة والسلطة في البلاد؟

محمد عداني : العدالة والمساواة هي الهدف الأسمى التي يجب أن يتطلع المجتمع  لأنها مرتبطة مع الحياة والأمن وازدهار الإنسان إلا أنه يجب  في البداية إيجاد حكومة قادرة على إدارة الحياة العامة في البلاد. وبصورة أخرى، الخطوة العملية الأولى للوصول إلى هذا الهدف السامي ليست العدالة نفسها وإنما استعادة النظام وسيادة القانون. ومن هنا دعني أؤكد لك أنه يمكن  الاتباع بأي طريقة لتحقيق هذا الهدف، لأنه عندما تكون الحكومة الجهة الوحيدة المخولة بادارة البلاد وبعدها يمكن الانتقال إلى الأمور الأخرى من بينها تحقيق العدالة والقضاء العادل وسيادة القانون. ومن الأشياء غير المعقولة  تحقيق العدالة ومحاربة المحسوبية والفساد في ظل غياب تام لهيبة الدولة والنظام. بالتأكيد أن نكرر مطالبة العدالة والمساواة بصورة نظرية أمر جيد، لكن في نفس الوقت لا يمكن تحقيق ذلك ما دام الوطن مختطف والقبائل هي التي تحكم.  حتى لا يسيء فهم ذلك ويعتقد البعض بأنني أدعو إلى الدكتاتورية والاستبدادية، أؤكد لكم أن الحكومات الاستبدادية  غالبا لا تصنع مجتمعات سعيدة ومتناغمة لأنها تعتمد على الإرهاب وكبت الحريات  إلا أن الحقيقة المرة التي ينبغي أن نتقبلها هي فالمجتمعات التي لم تتعود  على الدولة المدنية الحديثة ولا يعرفون عنها كثيرا  يجب أن تمر بمرحلة  تأهيل تطلق عليها في العلوم السياسية  بالديكتاتورية الخيرة أو الاستبدادية التنافسية  لتجاوز الوضع الراهن. ومن الدول التي مرت بهذه التجربة من الدكتاتورية  سنغافورة عندما كانت تحت حكم لي كوان يو،  وماليزيا تحت حكم مهاتير،  ورواندا تحت نظام بول كيغامي ، مثل هذه الأنظمة  التي تفكر عن مصلحة البلاد بغض النظر عن سجلهم في الحريات  هي أفضل  من الأنظمة الديمقراطية الصورية . أخيرا  يمكن القول إن العدالة لن تتحقق الا بعد الانتصار على  عقيدة القبيلة ، وتسليم السلطة لحكومة  تمارس صلاحياتها كاملة ، ويتم رفع مستوى وعي المجتمع حيال أهمية المؤسسات الحكومية.

تتوفر النوايا الحسنة والأفكار التنويرية لدى العديد من أبناء المجتمع الصومالي وخاصة الشباب، لكن فيما يبدو  تنقصها الآليات الضرورية لإنتاجها وبلورتها، ويتم في بعض الأحيان استغلالها من قبل الأطراف السياسية وتوظيفها لتحقيق أجندات سياسية مرحلية، فما هو الطريق الأنسب نحو تنظيم هذا النوايا وتوجيهها وفق أطر تحمل صفة الديمومة خدمة للوطن والشعب؟

محمد عداني: من المعلوم عقب الانهيار سيطر البلاد زعماء عشائر ، وأمراء حرب  وجماعات دينية  وسياسيون لا يهتمون إلا بمصالحهم، كما أن الشباب المثقفون نهلوا من مدارس  وجامعات في دول متعددة . أدى  هذا التنوع إلى اختلاف أنماط التفكير والحياة لدى المجتمع الصومالي  وحالت دون ظهور جبهة متحدة  لديها رؤية  واحدة تجاه أزمة البلاد وطرق حلها. علاوة على ذلك أن المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دفعت الشباب إلى الإحباط واليأس والاستسلام للأمر الواقع ، وأن البعض الآخر انضموا إلى الجماعات الفاسدة التي تنهب البلاد وتثير العداوة بين المواطنين انطلاقا من النظرية الداروينية القدرة على التكيف والبقاء  على قيد الحياة“. هذه الأمور كلها ساهمت في تقليل تأثير الشباب ودوره في الحياة الاجتماعية والسياسية. حاليا يوجد تغيير ملموس وشعور حول استحالة انتهاء الأزمة الصومالية دون إيجاد شباب متعلم وواع  وبالتالي يمكن لي القول إن الطريق الأنسب للاستفادة من النوايا الحسنة والأفكار السليمة لدى أبناء المجتمع هو أن يتحد الشباب في تحقيق المصلحة العامة للوطن، ويتحرر من سفاسف الأمور ويعمل بمسؤولية وحس وطني.

 

زر الذهاب إلى الأعلى