السودان في قلوب الصوماليين

تربط بين الصومال والسودان علاقات تاريخية متجذرة امتدت إلى آلاف السنين و تجمعهما قواسم  جغرافية وتاريخية مشتركة، باعتبارهما يقعان في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر  الاستراتيجية التي تعاني بصراع القوى الاقليمية والدولية وما ترتب منها من أزمات إنسانية وحروب أهلية.

وأنطلاقا من هذه الروابط المتينة كانت السودان طوال سنوات الأزمة في الصومال سندا قويا للشعب الصومالي ولعبت دورا رائدا ومتميزا في ايجاد حل للأزمة التي تعصف بالبلاد من خلال تنظيم مؤتمرات مصالحة بين الفرقاء الصوماليين، وفتح أبواب  جامعاتها ومدارسها  ومعاهدها على مصراعيها للشباب الصوماليين في وقت سدت أمامهم أبواب من كانوا يعتبرونهم أشقاء وأصدقاء، كما سخرت كل طاقاتها وامكانيات بلادها سواء بشكل سري أو علني من أجل إعادة بناء المؤسسات الأمنية في البلاد وخاصة المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث كانت السودان البلد العربي الأول الذي فتح الأكاديميات العسكرية ومعاهد العلوم الأمنية  في مدينة الخرطوم  واخواتها أمام القوات الصومالية. أضف إلى ذلك ظلت الحكومة السودانية  وبتوجيه من الرئيس عمر حسن البشير  مدافعا عن المصالح الصومالية في المحافل الدولية والاقليمية  ورافضا المساس بوحدة واستقلال الصوماليين .

“أن تبقى الصومال موحدة” ظلت هاجسا لا يفارق  القيادات السودانية وموقفا ثابتا للحكومة السودانية، وضحت من أجله الكثير، كما أوضح  ذلك الرئيس البشير خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصومالي محمد عبد الله فرماجو في الخرطوم الأسبوع الماضي، حيث قال بنبرة قوية “ظلينا منذ بداية الأزمة  في الصومال نسعى لأن تظل موحدة  وسنسعى للحفاظ على وحدة الصومال” وأضاف قائلا: “هدفنا الذي اتفقنا عليه هو أن نسخر كل امكانيات السودان لدعم واستقرار وأمن ووحدة الصومال”.

هذا الكلام مؤشر قوي على الإهتمام الكبير الذي  توليه جمهورية السودان التي اكتوت نفسها بنيران التقسيم وتتعرض لمؤامرات خبيثة تهدف إلى تفكيك ما تقبى من السودان الكبير، لوحدة الصومال وتماسك مكونات مجتمعه الذي ما يجمعه أكثر مما يفرقه وأن القيادات السودانية  لن تألو جهدا في مد يد العون للصومال مهما تواضعت الإمكانات وقصر اليد.

 وبعد رفع الولايات المتحدة غالبية العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما يتطلع الصوماليون بأن تلعب السودان دورا أكبر في مساندة أشقائهم في الصومال وتفعيل جميع الاتفاقيات التي أبرمتها مع الحكومة الصومالية وخاصة في ظل استعداداتها الجارية لتعزيز دورها الاقليمي الريادي، حيث يتوقع أن تستضيف خلال الشهور المقبلة مؤتمرات اقليمية لايجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها المنطقة  والانطلاق نحو التكامل الاقتصادي لدول القرن الإفريقي .

وقع الصومال والسودان عام 2016 اتفاقيات تعاون مشتركة في عدد من المجالات ولا سيما في المجال الأمني، والتجاري، والتعليمي، والصحة. وتم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيقية رفيعة المستوى تتولي مهام  التسيق السياسي والأمني بين البلدين.

كما تم الاتفاق علي ضرورة وضع أسس راسخة للتعاون المشترك وتبادل الخبرات لـ”مواجهة المهددات الأمنية والمخاطر الناجمة عن انتشار التطرف و الإرهاب في الإقليم ودعم و تعزيز الجهود الإقليمية والدولية في هذا المجال” والتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية و الاتجار بالبشر و الجريمة المنظمة.

كما اتفق الجانبان  علي تكثيف التعاون والتنسيق في كافة المنابر الإقليمية والدولية تجاه القضايا التي تهم البلدين.

 وفي هذا  الإطار، نرى أن مجال التعاون بين البلدين رحب وواسع بيد أن مجال العلاقات الاقليمية يعتبر  الجانب الأهم الذي ينبغي ان يتعاون فيها البلدان  في الوقت  الحاضر بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال ولتوطيد العلاقة بينها وبين بعض دول الجوار التي ظلت متوجسة منذ سنوات من استعادة الصومال مكانتها وقوتها في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى