خلط الأوراق الروسية في سوريا وفك رموزها

تعرض كثير من الباحثين الغربيين لهذا الموضوع. يقول أحد  التقارير: إن السعودية وتركيا تجريان محادثات عالية المستوى بهدف تشكيل تحالف عسكري للإطاحة بالأسد حيث يشرح عملية المفاوضات التي تجري بوساطة دولة قطر،ويتوقع من خلالها أن تقدم تركيا القوات البرية، فيما ستقوم السعودية بعملية الدعم عن طريق الغارات الجوية، لمساعدة من سماهم التقرير (مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين). وهذا ما قد تم تباحثه في الزيارات والاتصالات المكثفة بين المملكة العربية السعودية وتركيا بالإضافة إلى قطر، مما دفع العديد من مراكز الأبحاث السياسية، وكذلك المواقع الغربية لتحليل ودراسة وجمع بعض المعلومات المتوفرة عما يجري أو يتم التحضير له.   و التي قد تكون صحيحة أو تكهنات وتوقعات.

جمع الروس بين السياسة والعسكرية، فهذا انتحار سياسي وتخطيط فاشل وهو أقرب إلى الفشل من النجاح حسب تكهنات الخبراء العسكريين والسياسيين والمحللين الأكاديمين وصناع القرار على حد السواء.

استخدم بوتين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية حيث ظهر في الإعلام الروسي والعالمي والإقليمي بصحبة بطريرك الكنيسة منذ أن بدأت طائراته شنّ الغارات على المعارضة السورية وإسقاط مقاتلته في الأجواء التركية ،حيث جمع بين السياسة والدين في آن واحدة لاستقطاب الشعب الروسي الذي ذاق مرارة الحرب الروسية الأفغانية التي هزم فيها الاتحاد السوفيتي    ويصور للشعب الروسي أن حربه في سوريا حرب مقدسة ضد الإرهاب المسلمين. على اعتبار أنّ هزيمة الاتحاد السوفييتي ما حصلت إلا لضعف الاستقطاب الداخلي والإقليمي.

ومع أن روسيا هي الداعم الأول لحكومة الأسد فإن الحكومة السورية غير راضية عن بعض تصرفات الروس في تقسيم الأراضي السورية وما يترتب على ذلك من مخاطر داخلية وإقليمية ودولية.

تريد الحكومة السيطرة  على سوريا كاملة، وهو ما يعتبره الروس خروجا عن الخطة الروسية لإنقاذ البلد من قبضة المعارضة وهي أي روسيا أتت بها إلى سوريا مع حلفائها ايران وحزب الله اللبناني الذي واجه قوة قوية عكس ما كان يتوقعونه جاءوا لإنقاذ بشار وعائلته ولم يأتوا لإنقاذ الشعب السوري المنكوب !!!

المصالح الروسية تتحق بوجود الأسد وحليفه الطائفي وزواله زوال مصالحها وأمنها ونفوذها في المنطقة في تنافسها مع الولايات الأمريكية .

صوّر بوتين للعالم الإسلامي والعربي أن مجيئه إلى سوريا هو لمحاربة داعش ( الدولة الوهمية التي صنعتها الدول الغربية بمباركة أميركية وإسرائيلية ودول عربية لا تدرك مآلات ذلك أو لنيل حفنة من المال أو لحفظ مصالحها الفردية).

وصورت أمريكا داعشاً بأنّه خطر داهم على العالم، لم يحقق إلا الدمار والهلاك للشعب السوري والعراقي والدول المجاورة لهما، وهذه سذاجة لا تنجح إلا في تضليل الصبيان وقليلي الإدراك.

وهذا ما ثبت بعد إسقاط المقاتلة الروسية التي غيرت لعبة الشطرنج السياسية والموازين الدولية في المنطقة والتجاذب السياسي. وعلى المعارضة والدول الداعمة لها إبراز وإظهار ما يلي للعالم:

  • أ‌- الكشف عن الجرائم الانسانية التي ارتكبتها الجيوش الروسية وقبلها الإيرانية وتوثيقها عالميا وتشكيل محامين دوليين.
  • ب‌- تسليط الضوء إعلاميا على العدوان الروسي والخسائر البشرية الفادحة للطرفين.
  • ت‌- أن الحرب الروسية ليست على المعارضة فحسب بل تسعى للإبادة الجماعية في مناطق السنة النائية والمتحضرة وتهجير أهلها قسرا، وهذا ما حذّرت منه تركيا وحلفاؤها.
  • ث‌- إن التخطيط الروسي العسكري تبين فشله بأقل من ثلاثة أسابيع من بدايته،وهذا ما أثبته خبراء وضباط الروس.
  • ج‌- استحالة تركيع المعارضة بالضربات العسكرية من روسيا وحلفائها العلنيين وغيرهم. وخلط الأوراق الداخلية والخارجية. وقد برزت أمور أخري لم تكن بحسبان الروس،حيث أظهر الاعلام الروسي أن مشكلة روسيا في الخلاف التركي، وليس في محاربة أهل السنة، وقد أدركت القيادة التركية سياسة بوتين وحكومته تجاه المنطقة وأنها تقوم على خلط ملفات غير متجانسة، فانكشفت أكاذيب الروس ونواياهم الاستراتيجية في المنطقة، ليظهر تحالف غير متوقع بين السعودية وتركيا للإطاحة بالأسد.
  • ح‌- الهزيمة السياسية الايرانية حيث افتضح أمرها أمام العالم العربي والإسلامي بإشعال الفتن الطائفية في المنطقة، افتضح أمرها حتي داخل إيران ولدى حليفها الإسرائيلي المهيمن على المنطقة بمباركة دولية.
  • خ‌- اظهار وتوثيق الخسائر التي مني بها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه الذين زرعوا الفتن والإرهاب في داخل تركيا بتحريض الأحزاب المعارضة لزعزعة أمنها الداخلي.
  • د‌- أن حكومة تركيا ترحب بالشعب السوري بجميع أطيافه إنسانيا وتحفظ حدودها ومصالحها الاقتصادية والأمنية وهذا حق طبيعي لها.
  • ذ‌- حاولت الحكومة الروسية والإيرانية أن تصورا للعالم أن داعش مولود تركي تمتدّ جذوره منها، وأنها هي الداعم الأول له ولكن انكشف كذب ذلك للعالم، بل وظهر جليًّا أن روسيا كانت الغطاء الأول الجوي في هجمات داعش على فصائل الثورة السورية، وتبين لها في النهاية أنها أمام تخبط عسكري خطير،واتضح لها أن المسألة خطر ثلاثي الأبعاد يستحيل الخروج منه بسلام.وظنت أن الحسم العسكري سيتحقق في بداية تدخلها بفضل التفوق التقني والعتادي الذي تتميز به روسيا حيث أنها تملك مقاتلات وتقنيات اتصالات متطورة. ولكن تبين لهم أن الأتراك يملكون أكثر وأحدث مما تخيلوا، إضافة إلى مئات سندات سياسية إقليمية ومصالح دولية مترابطة الأطراف !!!!
  • ر‌- أسفر المشروع الروسي عن وجهه الحقيقي الكالح بأنه مشروع عدواني واضح لذوي الألباب والبصائر ضد الشعوب السنية.

مما أدّى إلى الاتفاق التركي السعودي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتغير الموازين الدولية بما لا يمكن معه التنبؤ بما يخبئه الدهر وتقلباته. وخلط الأوراق الروسية التي لم تكن منظمة بل كانت متداخلة الأسطر والمعاني فبدأت تفكر في تفكيك رموزها.

  • ز‌- تحول الأزمة إلى نزاع دولي -أو إقليمي بنكهة دولية- بعد استقدام عدة دول حاملات طائراتها للشرق الأوسط، وهو ما أضعف الموقف التركي وأنزله من مستوى دولة ندٍّ صاحبة قرار، إلى ترس في منظومة حلف شمال الأطلسي في المنطقة في بعض التحليلات.
  • س‌- تكهن محللون سياسيون روس بأن الأزمة السورية ستواجه ضغوطا تركية وعربية، وهذا ما بدأ تظهر مقدّماته حتي الآن؛حيث أن للروس استراتيجية بعيدة المدي في المنطقة متنافسة مع الولايات المتحدة (الشرطة الدولية) كما أنّ هناك تحالفاً روسياَّ أمريكيّاً وغربيًّا. بدأت تدرك ذلك بعض الدول النامية وأنه خطر على مصالحها وكيانها الأرضي.

كما أعلن عقيد استخبارات الروس السابق بول باسانتس”أن موسكو باتت متخوفة من جدية السعودية وتركيا ودول عربية أخرى في القيام بعملية برية في سوريا مما يؤدي إلى نشوب حرب اقليمية غير مضمونة النتائج واتخاذ الأزمة أبعادا خطيرة”

  • ش‌- أن داعش مهما كان يمثّل خطراً حقيقيًّا داهماً على العالم فإنّه يمكن مواجهته بأيدي العرب والأتراك دون الحاجة إلى الروس وحلفائه.
  • ص‌- التنافس الأميركي الروسي على التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وذراعه العسكرية قوات حماية الشعب في مواجهة تنظيم الدولة، وهما المصنفان كتنظيمين إرهابيين في تركيا باعتبارهما الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني.

خيارات تركيا وحلفاؤها :

  • أ‌- أن مؤتمر جنيف3 كمسار إجباري للخروج من الأزمة السورية تمّ بتوافق أميركي روسيلم يراع تحفظات أو شروط طرف رئيس فيه هو المعارضة، فضلا عن أن يعطي دورا لتركيا التي يبدو أنها أُشغِلت عن عمد بمشهدها الداخلي في مواجهة حزب العمّال الكردستاني بما يمنعها من مقاربة المشهد السوري مباشرة.
  • ب‌- أنمحادثات جنيف هي المسار المرسوم لحل الأزمة السورية، بغض النظر عن الأطراف المشاركة ومستوى مشاركتها،وعن المدى الزمني الذي ستتطلبه مراحلها المتتالية، وعن مدى نجاحها أو فشلها.
  • ت‌- إنأمام تركيا عدة خيارات،لعل أهمها التحلل من السقف الأميركي وخطوطه الحمر في دعم المعارضة السورية،خصوصا بالأسلحة النوعية التي يمكنها تغيير موازين القوى على الأرض بتحييد الطيران ما أمكن. فقد أثبتت الدبلوماسية الأميركية أنها ما زالت كما كانت دائما،بعيدة عن الوفاء للمبادئ قريبة من الإذعان للمصالح واحترام الأقوياء.
  • ث‌- بالتزامن والتوازي مع انتهاج هذه الخياراتينبغي على تركيا والسعودية والدول الداعمة للمعارضة أن تدرك المتغيرات الكثيرة في المنطقة، وحقائق اللحظة الفارقة في الأزمة السورية، ويجب على الدول الإقليمية أن تبحث عن دورها عبر قوة وأداء الفصائل،حيث ظهر جليا أنّ الأهداف الدولية في المنطقة تتجه نحو إطالة فتيل الحرب.

د. يونس عبدلى موسى

الدكتور. يونس عبدلى موسى يحيى: باحث في شؤون شرق إفريقيا وأستاذ الفقه وأصوله بجامعة عبد الرحمن السميط التذكارية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،وهو من مواليد مدينة منديرا Mandera(NFD) شمال شرق كينيا عام 1/8/1968م دكتوراه فقه المقارن جامعة أم درمان الإسلامية عام 2003م ممتاز مع مرتبة الشرف، ماجستير الجامعة الإسلامية في أوغندا الفقه المقار عام 2000م ممتاز مع مرتبة الشرف ،البكالوريوس الشريعة والقانون شعبة القانون جامعة إفريقا العالمية عام 1994م(الدفعة الثالثة) والباحث في شؤون شرق إفريقيا. وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية باتحاد علماء إفريقيا
زر الذهاب إلى الأعلى