عودة الحلقات الدينية التقليدية الى مقديشو بعد سنوات من الغياب

يعد التعليم الديني المعروف في الصومال بنظام “الحلقات” الوسيلة الأساسية لتلقي المعارف الدينية عبر القرون، وتشكل اللغة العربية عماده الأساسي، ويتوارث شيوخ الطرق الصوفية هذه الحلقات التي تنتج رجال الدين الذين يقومون بأدوار متعددة في المجتمع.

ويدير الشيخ “عثمان حدغ” (72 عاما) وهو عالم صوفي ينتمي الي الطريقة الإدريسية العريقة، إحدى أشهر المراكز الدينية المتوارثة في الصومال على طريقة الحلقات، والتي يزيد عمرها على القرن.

العلوم الدينية

ويقول الشيخ عثمان إن نظام الحلقات هو الوسيلة الوحيدة لتلقي العلوم الدينية في الصومال.

ويضيف “أن طلبة العلوم الدينية يدرسون ثلاثة علوم تأتي تحتها فنون عدة، العلوم الشرعية وتشمل الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وعلوم الحديث والتفسير، والعلوم العربية وتشمل اللغة وآدابها والنحو والصرف والبلاغة، والعلوم الروحية وتشمل التصوف والتربية الروحية والطريقة.

وتبدأ الدراسة في هذه التكيات بحفظ المتون والمختصرات في فروع العلوم الإسلامية واللغة العربية، حتى يتقنها الطلاب، ثم ينتقلون الي دراسة الفنون المختلفة، كل حسب رغبته.

وبعضهم يحصلون على منح دراسية في الخارج لمواصلة التعليم العالي النظامي.

ويقول الشيخ محمود فنح (35 عاما) وهو مدرس في إحدى الحلقات المتفرعة عن حلقة الشيخ عثمان حدغ “إن شيوخ الحلقات يقومون بتوجيه بعض الطلبة الى دراسة فن معين للنبوغ فيه”.

ويضيف الشيخ فنح “يبدأ الطالب في هذه الحلقة بدراسة مبادئ الفقه الشافعي، ثم بعد أن يجتاز الامتحان ينتقل الى دراسة مقدمات التصوف والأدب والسلوك، ثم يأتي دور النحو والصرف، وهذا يساعد الطالب على اكتساب معرفة دينية جيدة”ز

رجال دين معتدلون

ويدرس الطلبة من كل الأعمار في الزوايا والتكيات التابعة لشيوخ الطرق الصوفية لتلقي المعارف الإسلامية، دون دفع رسوم، حيث أن الهدف النهائي هو تخريج رجال دين يتصفون بالاعتدال، لذا فشروط الالتحاق مخففة.

ويقول الشيخ عباس شيخ حسين (47 عاما) “هناك شرطان فقط للدراسة هنا، ان يكون الطالب حافظا للقرآن بكامله وأن يكون ذا سلوك حسن، والدراسة في التكايا الصوفية تتم وفق منهج الاعتدال، فلا مكان للتطرف الديني عندنا، فالطالب يتربى على حب الناس والأخلاق العالية”.

ويتحمل بعض شيوخ المراكز الدينية نفقات الطلبة الذين لا تتوفر لهم اماكن للسكن، أو يستضافون من قبل المحسنين حيث يتقاسمون معهم العيش ويعتبرونهم كأبنائهم حتى تخرجهم أو حصولهم على الإجازة. ويسمى نظام الاستضافة بنظام “الجلّ” ( الكفالة) حيث تقصد العائلات المقتدرة شيخ الحلقة وتطلب منه أن تتكفل بأحد الطلبة أو أكثر طلبا للبركة.

وإلى جانب الدراسة الدينية واللغوية يقوم الطلبة في أوقات الاستراحة بالتأملات الروحية وتأدية حلقات الذكر والإنشاد الديني، وقصائد المديح النبوية وفق تقاليد متوارثة لتنشيط الطاقة الروحانية لدى الطلبة.

الطرق الصوفية

وتقام هذه الأعمال التي تسمى أيضا محليا بـ”الوظائف” في التكايا أو في المساجد أو في الساحات الملحقة بها، وتتنوع مناسباتها حسب الانتماء الى طريقة صوفية معينة.

فالطريقة القادرية – نسبة الي الشيخ عبد القادر الكيلاني- تقام في ليالي الأربعاء، أما أتباع الطريقة الإدريسية -نسبة الى السيد أحمد بن إدريس الفاسي- فتقام في ليالي الاثنين والخميس، إضافة الى موسم المولد النبوي، وكذلك الحوليات التي تقام لشيوخ الطرق الصوفية والتي تتزامن مع ذكرى وفاتهم.

ويتخرج طلبة التكايا الصوفية بعد سنوات من التحصيل الدراسي في شتي فنون المعارف الإسلامية والعربية، ويعطى الطالب المتخرج الإجازة في أمرين الأول أن يقوم بالتدريس والتعليم، والثانية أن يقوم بتهيئة المريدين، وذلك بأن يوجههم وفق تعاليم خاصة في الطريقة الصوفية ويتضمن ذلك الأوراد المعينة التي يقرأها الطالب، وتتكون عادة من أدعية وصلوات.

ولا يحمل المتخرجون من الحلقات الدينية شهادات رسمية ولكنهم يعرفون من خلال المراكز التي تعلموا فيها، والشيوخ الذين تتلمذوا عليهم ولذلك يعتبرون مرجعا أساسيا للتعليم الديني في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي عامة منذ مئات السنين وحتى هذا اليوم.

على حلنى- بي بي سي

زر الذهاب إلى الأعلى