مبادرة أحمد مدوبي لحل تداعيات الأزمة الخليجية… التحديات وفرص النجاح

تم عزل رئيس ولاية هرشبيلي السابق علي عسبلي، وحل الانقسام في ولاية جلمذغ، بينما قُدم إلى البرلمان الصومالي مشروعا لإدانة دول عربية شقيقة، والقاسم المشترك بين هذه  القضايا  أنها جميعا من الأثار السلبية للأزمة الخليجية على الصومال. ومن المرجح ان تستفحل وتؤدي إلى تعطيل الجهود الدولية والمحلية لإعادة بناء الصومال، ما لم يتم تداركها وحلها في أسرع وقت ممكن.

ولحسن الحظ، فقد وضع الشيخ أحمد مدوبي رئيس ولاية جوبا على عاتقه مهمة إصلاح ما أفسدته الأزمة الخليجية في الصومال، عندما دعا يوم أمس الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم الفدرالية إلى المشاركة في مؤتمر تستضيفه مدينة كسمايو لحل الخلاف الناجم عن الموقف الحيادي للحكومة الصومالية من الأزمة الخليجية. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي طبيعة المؤتمر الذي دعا إليه السيد أحمد مدوبي؟ وما هي فرص نجاحه؟

ماذا سيناقش المؤتمر؟

دخل السيد أحمد مدوبي في المعترك السياسي كمحارب إسلامي، وأصبح عضوا في نظام المحاكم الإسلامية الذي حكم جنوب ووسط الصومال في فترة وجيزة عام 2006م. كما وقع في أيدي القوات الكينية أسيرا، وكان قابعا في السجون الإثيوبية بعد أن سلمته كينيا لإثيوبيا. كما كان له صولات وجولات مع الحكومة الاتحادية إبان تأسيس ولاية جوبا حيث خاض حربا سياسيا واعلاميا ضد الحكومة الصومالية برئاسة الرئيس السابق حسن شيخ محمود. ولكن في الفترة الأخيرة طرأ تغيير جذري في سلوكيات الرئيس أحمد مدوبي من محارب إسلامي يحمل اجندات شخصية أو فئوية  إلى زعيم صومالي يسعى جاهدا إلى إخراج بلده من دوامة العنف، والخلافات الداخلية.

وبشهادة الجميع، فقد نجح أحمد مدوبي في تحويل ولاية جوبا من أكثر المناطق الصومالية انقساما إلى أكثر المناطق استقرارا من الناحية السياسية، حيث يشارك فيها كل القبائل والوان الطيف الصومالي في صنع القرار السياسي في الولاية. أضف إلى ذلك، أن السيد أحمد مدوبي عكس رؤساء الولاية الأخرى لم يخض أي معارك سياسية مع الحكومة الاتحادية في الفترة الأخيرة، بل تحول إلى رسول سلام قام بمهمات ناجحة لنزع فتيل الحرب في مناطق مشتعلة في الصومال مثل مدينة جالكعيو، حيث شارك في رأب الصدع بين القبائل المتحاربة في هذه المدينة.

و في إطار جهوده لرأب الصدع بين الصوماليين، فقد عقد السيد أحمد مدوبي يوم أمس مؤتمرا صحفيا في مدينة كسمايو دعا فيه الحكومة الإتحادية والولايات الإقليمية إلى المشاركة في مؤتمر بمدينة كيسمايو للمناقشة حول سبل الخروج من التداعيات السلبية للأزمة الخليجية على الصومال، وحدد النقاط التالية:

  • عقد مؤتمر خاص برؤساء الأقاليم الفدرالية للتباحث عن دور الولايات الإقليمية في صناعة القرارات السيادية مثل السياسة الخارجية، والحقوق التي يكفلها الدستور لكل من الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم، بالإضافة إلى تحديد مسببات الخلافات المتكررة بين الطرفين.
  • عقد مؤتمر بين الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم بعد الانتهاء من جلسات مؤتمر رؤساء الولايات الإقليمية، وإجراء حوار شفاف وبناء بين الطرفين بعيدا عن أعين الإعلام لتحديد مكامن الخلل، والوصول إلى صيغة توافقية للخروج من المأزق القائم.
  • رغم أن الحكومة الاتحادية لها الحق في اتخاذ القرارات السيادية إلا أن الوضع الراهن بالبلاد يحتم عليها التشاور مع جميع الكيانات الصومالية، واقناعهم في ان القرار أو الموقف الذي اتخذته يصب في مصلحة الصومال، وبالتالي، يأتي المؤتمر ترسيخا لهذا المبدأ.

هذه النقاط الثلاثة هي أهم النقاط التي وردت في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس أحمد مدوبي يوم أمس في مدينة كسمايو، خاصة الجانب المتعلق بالخلاف بين الحكومات الولايات الإقليمية والحكومة الفدرالية حول الأزمة الخليجية.

ما هي فرص نجاح المؤتمر؟

يمكن القول أن الرسالة الأهم المستفادة من المؤتمر الصحفي هي، أن الرئيس أحمد مدوبي يرى أن الحكومة الصومالية أخطأت في الانفراد بالقرار الذي اتخذته حيال الأزمة الخليجية، ليس لأن الدستور لا يعطيها هذا الحق، بل تقديرا للحالة الاستثنائية التي يمر بها البلاد، والتي تتطلب منها الاستشارة مع جميع ولايات الصومالية واقناعهم في صوابية القرارات التي تتخذها. ولكن يختلف الرئيس أحمد مدوبي عن رؤساء الاقاليم الاخرى كيفية تصحيح هذا الخطأ، بينما ذهبت الولايات الأخرى بتحدي الحكومة الفدرالية، يقدر الرئيس أحمد مدوبي تعقيدات المشكلة، فضلا عن جود عدة عوامل ساهمت في نشوء واستمرار الخلاف مثل الدستور المؤقت الذي يحتوي على بنود متضاربة، وبالتالي، يرى ضرورة إبداء الحكومة مرونة أكبر في تعاملها مع الولايات الإقليمية، واشراكهم في صنع القرارات السيادية بما فيها السياسة الخارجية.

وعليه، فرص نجاح مؤتمر كسمايو يتوقف على من ما إذا تعتقد الحكومة الاتحادية أن المرحلة الانتقالية وما كانت تتطلبه من حلول توافقية في كل القضايا  انتهى بلا رجعة، وأن لها الحق في احتكار القرارات المتعلقة بالدفاع والخارجية كما ينص الدستور، أم أنها تقدر الظروف الداخلية الخارجية الراهنة، ومستعدة على إشراك رؤساء الولاية الإقليمية في صنع القرارات. إذا اختارت الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس محمد فرماجو الخيار الأول، فإن مؤتمر كسمايو محكوم عليه بالفشل، ولن تجرح منه قرارات تنهي الخلاف القائم بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى