كيفية التصدي للتوسع الإسرائيلي في أفريقيا

تمثل منطقة حوض النيل التي تشمل كلاً من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وإرتيريا وكينيا وأوغندا والكونغو وبوروندي ورواندا ومصر أهمية استثنائية في الاستراتيجية الجيوسياسية الإسرائيلية، لذلك ليس مفاجئًا أن ينشط فيها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، الذي يوجد في القطاعات كافة التي تشكل محاور اهتمام القيادة الإسرائيلية، في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية في دول حوض النيل.

يساعد هذا العمل المخابراتي الذي يقوم به الموساد على أن تحقق “إسرائيل” أهدافها المتمثلة في القطاع الزراعي على سبيل المثال الذي أولته قدرًا كبيرًا من الاهتمام نظرًا لأنه ميدان مرتبط باستغلال مياه النيل الذي تعتبرها ساحة مواجهة مع مصر، وتشير تقارير وزارة الخارجية الإسرائيلية أن 46 شركة إسرائيلية تعمل في إثيوبيا في مجال الزراعة. والنشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في القارة الإفريقية يعود إلى بداية قيام الدولة العبرية، حيث قامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير بجهود جبارة لبناء علاقات مع الدول الإفريقية لفك عزلة “إسرائيل” واكتساب أصوات لصالحها في الأمم المتحدة، لذلك أسست “إسرائيل” شبكة أمنية قوية في منطقة القرن الإفريقي والساحل الشرقي، واستند النشاط الإسرائيلي لتحقيق هذه الغايات على نشاط وزارة الخارجية التي تقوم بنشاط  دبلوماسي يقوم معظمه عبر عملاء للموساد الإسرائيلي.

بهذا الشكل يمكننا النظر إلى جولة الرئيس السيسي باعتبارها ترجمة حقيقية لحركة السياسة الخارجية المصرية في قارة إفريقيا، في إطار انفتاح مصر على القارة، وحرصها على مواصلة تعزيز علاقاتها بدولها في كل المجالات، وتكثيف التواصل والتنسيق مع دول قارة إفريقيا، إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية. وبإمعان النظر في دول الجولة الأربع، نلاحظ تعدد محاور ودوائر التحرك المصري على الصعيد القاري: تنزانيا في شرق إفريقيا، ورواندا من دول حوض النيل، وتشاد والجابون من دول وسط إفريقيا، بما يرسخ فكرة تعدد الدوائر الفرعية للدور المصري إفريقيا، يضاف لمناطق القرن الإفريقي، والجنوب الإفريقي، وغرب إفريقيا.

السياسة المصرية تجاه دول الجولة الأربع، والمحيط الإفريقي بشكل عام، تحرص على التأكيد على جملة من الثوابت التاريخية والاستراتيجية، لعل أبرزها إعلاء مبادئ التعاون الإقليمي، وتبنى دور مصري فى مجال التنمية البشرية والاقتصادية، الأمر الذى يجعلنا نقول إن شعار «الأمن والتنمية والتكامل الإقليمي» أصبح الرسالة المصرية لدول القارة من ناحية، والمنهج المصري في المحافل الدولية من ناحية أخرى.

تاريخ العلاقات المصرية مع دول تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد، إلى تعدد مجالات الاهتمام المتبادل بين الطرفين، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية، علاوة على ذلك تشترك مصر مع هذه الدول في العديد من التجمعات والتنظيمات المختلفة الاتحاد الإفريقي، منظمة المؤتمر الإسلامي، الكوميسا، مبادرة حوض النيل، مبادرة النيباد، تجمع الساحل والصحراء وأنه هو الأمر الذى يسمح بتنوع وتشعب وتعدد مجال العلاقات والتعاون ثنائياً وقارياً ودولياً، خاصة فى مجالات بناء السلم والأمن الإفريقي، ومكافحة الإرهاب، التنمية المستدامة.

وفى هذا الإطار تمثل تنمية العنصر البشرى أبرز جوانب التعاون المصري مع الدول الأربع سواء من خلال إيفاد مئات الخبراء المصريين، واستقبال أعداد كبيرة من المواطنين الأفارقة للتدريب فى مصر في مجالات: التعاون القضائي، والتعاون الشرطي، والتعليم، والمساعدات الطبية، والمساعدات الغذائية، ودورات للدبلوماسيين الأفارقة، والتعاون والتدريب الإعلامي.

يمكن القول إن بداية الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا قد بدأ في العام 1957 حيث كانت إسرائيل أول دولة أجنبية تفتح سفارة لها في أكرا بعد أقل من شهر من حصول غانا على استقلالها. وقد لعبت السفارة الإسرائيلية في أكرا دوراً كبيراً في تدعيم العلاقات بين البلدين، وهو ما دفع إلى افتتاح سفارتين أخريين في كل من منروفيا وكوناكري، وذلك تحت تأثير إمكانية الحصول على مساعدات تنموية وتقنية من إسرائيل. ومن جهة أخرى فقد عكست زيارة جولدا مائير، وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، عام 1958 إلى بعض الدول الأفريقية لأول مرة، إصرار إسرائيل في قيام علاقات قوية مع القارة السمراء حيث اجتمعت بقادة كل من ليبيريا وغانا والسنغال ونيجيريا وكوت ديفوار.

وقد مرت أكثر من عشر سنوات 1957-1967 أن يحقق مكاسب ديبلوماسية واقتصادية هامة لم يحرزها في أي قارة، ونتج عن هذا النشاط المتشعب والمبرمج خلق وجود إسرائيلي في أكثر من 30 بلداً أفريقياً.

ثمة مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليمية أسهمت في تكثيف التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا أبرزها حصول عدد من الدول الأفريقية على استقلالها في الستينيات، أدى إلى زيادة الكتلة التصويتية لأفريقيا في الأمم المتحدة حيث كان الصراع العربي الإسرائيلي من أبرز القضايا التي تطرح للتصويت. وقد تسارعت عودة العلاقات الإسرائيلية الأفريقية؛ حتى إنه في عام 1992م وحده قامت ثماني دول أفريقية بإعادة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وسعت إسرائيل إلى تعزيز سياساتها الأفريقية بدرجة تفوق طموحاتها خلال عقد الستينيات وأوائل السبعينيات. وطبقاً للبيانات الإسرائيلية فإن عدد الدول الأفريقية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية أو أسستها مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991 قد بلغ ثلاثين دولة. وفي عام 1997 بلغ عدد الدول الأفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل 48 دولة. وحاولت إسرائيل جاهدة الاستفادة من دروس الماضي بما يرسخ أقدامها في القارة الأفريقية؛ وذلك من خلال أشكال وطرق متعددة أهمها:

أولاً: المساعـدات الاستخبارية والتدريبات العسكرية، فقد ركزت إسرائيل في تفاعلاتها الأفريقية منذ البداية، وحتى في ظل سنوات القطيعة الدبلوماسية بينها وبين أفريقيا، خلال الفترة من 1973-1983، على المساعدات العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة وقوات الحرس الرئاسي لعدد من الدول الأفريقية مثل زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً) والكاميرون.

وبدهي أن الدول الأفريقية التي تعاني من الصراعات والانقسامات الاجتماعية والانشقاقات داخل صفوف النخب السياسية الحاكمة، تهتم اهتماماً بالغاً بقضايا المساعدات الأمنية والاستخبارية، وهو ما دأبت السياسة الإسرائيلية في أفريقيا على التركيز عليه في جميع مراحل علاقاتها الأفريقية منذ أعوام الستينيات.

ثانياً : المساعدات الفنية التي اشتملت منذ البداية على ثلاث مجالات أساسية وهي: نقل المهارات التقنية وغيرها من خلال برامج تدريبية معينة، وتزويد الدول الأفريقية بخبراء إسرائيليين وإنشاء شركات مشتركة أو على الأقل نقل الخبرات والمهارات الإدارية للشركات الأفريقية. وتشير الإحصاءات التي نشرها مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبهم في إسرائيل عام 1997 وصل إلى نحو 7420 متدرباً، إضافة إلى نحو 42636 أفريقياً تلقوا تدريبهم من قبل في مراكز التدريب الإسرائيلية خلال عقدين من الزمن .   

   ثالثاً : من خلال تجارة السلاح والألماس، فمن المعلوم أن إسرائيل توفر السلاح للدول الأفريقية بالإضافة إلى التدريب العسكري، وتفيد الخبرة التاريخية أن إسرائيل تتعامل مع الأشخاص الأفارقة وذوي النفوذ أو الذين لهم مستقبل سياسي فاعل في بلدانهم. وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة وبعض التقارير الأخرى فإن هناك تورطاً لشركات إسرائيلية ولتجار إسرائيليين في التجارة غير المشروعة للألماس. فمن المعروف أن مافيا هذا الحجر الثمين تقوم بتهريبه من دول مثل الكونغو وسيراليون وأنجولا عبر دول الجوار ليصل إلى هولندا، ثم بعد ذلك إلى مراكز تصنيع الألماس في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالإضافة إلى إسرائيل والهند. على أن هذه التجارة غير المشروعة يوازيها تجارة أخرى غير مشروعة في السلاح؛ حيث يتم عقد صفقات لشراء الأسلحة وهو ما يسهم في استمرار واقع الصراعات والحروب الأهلية في الدول الأفريقية الغنية بالألماس.

زر الذهاب إلى الأعلى