خبراء وباحثون يحذرون من التمدد الداعشي بالصومال

بعد عمليات هجومية تبنتها داعش بالمنطقة خبراء وباحثون يحذرون من التمدد الداعشي بالقرن الإفريقي والزحف للصومال

دكتور عمرو أبو الفضل :

بدأت الإرهاصات الحقيقية لوجود داعش بالصومال بانشقاق مجموعة عبد القادر مؤمن عن الشباب

دكتور مازن الشريف :

التنظيم يبحث عن بدائل في إفريقيا بعد مطاردته في سوريا والعراق، من المتوقع أن يتحركوا نحو الغرب الإفريقي

الباحث : مصطفى زهران :

تنظيم الدولة سيكثف اعتداءاته ويوظف كافة طاقاته لاسترداد المسلوب منه ، وبوكو حرام ظهيرها الداعم في القارة الإفريقية

دكتور عادل عامر :

اتساع دائرة الخطر بمنطقة البحرالأحمر خاصة في الجزء الشمالي من الصومال ، ولكن داعش لن يتمكن من تأسيس قاعدة تنظيمية له في الصومال لهذه الأسباب  !

بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها تنظيم داعش في المشرق العربي وخاصة في سوريا والعراق التي يصارع فيها ، وأيضا في ليبيا ، حذر خبراء وباحثون من احتمالات قوية لزحف التنظيم الداعشي نحو منطقة القرن الإفريقي وتهديده للصومال مستغلا حالة الضعف الأمني هناك ليضيف مزيدا من الآلام والأزمات السياسية والأمنية للصومال وشعبه .

وهو تحذير مبني على وقائع وأحداث يعيشها الصومال على مدار الفترة الأخيرة والتي شهدت لأول مرة أكثر من عملية إرهابية تبناها التنظيم الداعشي ليكشف عن نجاحه في اختراق القرن الإفريقي والوصول للصومال حيث كانت أول عملية تبنتها داعش هناك في أبريل 2016 ، تم من خلالها استهداف عربة عسكرية تابعة لقوات الاتحاد الأفريقي . كما شهد شهر مايو لعام 2017  أول حالة هجوم انتحاري تبناها تنظيم داعش والذي نفذها انتحاري من أعضاء التنظيم في مدينة بوساسو بمنطقة بونتلاند مرتديا سترة ناسفة ما أسفرعن سقوط خمسة قتلى وهو ما يؤكد التواجد الداعشي بمنطقة القرن الإفريقي بما فيها دولة الصومال التي تعاني من ويلات النشاط العنيف لحركة الشباب والتي انفصل بعض من أعضائها عن الحركة مؤخرا معلنين انضمامهم وولائهم لتنظيم داعش، وكانت أولى محطات الإنشقاق في أكتوبر 2015 بزعامة عبد القادر مؤمن وهو قيادي فكري غيرعسكري بحركة الشباب قبل أن ينشق عنها ويتعرض لتهديدات عنيفة منهم بسبب الخلاف والصراع الشديد بين القاعدة التي تبايعها حركة الشباب وبين داعش الذي انضم له مؤمن ورفاقه .

الأمر الذي يجعل الصورة أكثر تعقيدا في هذه المنطقة الحيوية من المشرق الإفريقي ، ويثير تساؤلات عديدة حول حجم وقوة التنظيم الداعشي في الصومال وتأثيره على مستقبل الأمن في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية إقليميا وعالميا وكذلك ملامح الصراع بينه وبين حركة الشباب وانعكاسه على الوضع الداخلي في الصومال وهو ما نناقشه في هذا التحقيق مع خبراء وباحثين .

تمركز داعشي في بونتلاند وجوبا

دكتور عمرو ابو الفضلفي البداية يؤكد الدكتور عمرو أبو الفضل عضو المجلس التنفيذي لمركز الجمهورية للدراسات السياسية والامنية وجود عناصر موالية لتنظيم داعش بالصومال مشيرا إلى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كان قد حذر من التمدد الداعشي في شرق إفريقيا  خاصة في الصومال . ويقول أبو الفضل أن الإرهاصات الحقيقية لوجود داعش بدأت عندما أعلنت مجموعة عبد القادر مؤمن التابعة لحركة الشباب المجاهدين والتي تتمركز في جبال غالغالا بالمنطقة الشرقية لبونتلاند استجابة لدعوة البغدادي ومبايعته في أكتوبر 2015، ثم تبعتها مجموعة مسلحة أخرى منشقة عن حركة الشباب المجاهدين وتتمركز في منطقة جوبا بأقصى جنوب الصومال وأعلنت الولاء والمبايعة أيضا لزعيم داعش أبو بكر البغدادي . وقد حاول “داعش” إحكام سيطرته على مساحات ومواقع مفصلية في الصومال لتثبيت أقدامه واستغلال موقع الصومال الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي وكمدخل مهم للقارة الإفريقية كمنطلق لعملياته وتهديداته لحركة الملاحة الدولية، لمد نفوذ التنظيم والاستيلاء على مواقع تنظيم القاعدة إلا أن مواجهات عسكرية نشبت بين الفصائل الموالية لداعش وأنصار القاعدة من جهة، والفصائل الموالية لداعش وحركة الشباب من جهة أخرى، مما تسبب  في خسائر فادحة في صفوف عناصر داعش، واغتيال معظم قيادات الفصائل الموالية لداعش، وفرار الباقين واستسلامهم للقوات الحكومية . ويشير دكتور أبو الفضل إلى أنه على الرغم من ذلك  لا زالت هناك بعض الجيوب الموالية لداعش متمركزة في محافظات جوبا السفلي والوسطي بولاية جوبالاند بالإضافة لمجوعات أخري في المحافظات الشرقية لولاية بونتلاند، وفي محافظة بكول بولاية جنوب غرب الصومال مؤكدا أن مناطق جوبا تمثل المعقل الرئيسي لعناصر داعش في الصومال.

وعن الأسباب الكامنة وراء التمدد الداعشي بالصومال يقول الدكتور عمرو أبو الفضل أن استغلال داعش النجاحات والزخم الذي حققه في العراق وسوريا وليبيا لاكتساب موضع قدم في الصومال من خلال ربط الجهاد المحلي بالجهاد العالمي واستقطاب الجماعات الجهادية والتنظيمات المتشددة في مختلف مناطق الصراع في سوريا واليمن وليبيا ونيجيريا أحد هذه الأسباب خاصة مقارنة بوضع حركة الشباب التي تتعرض للضربات العسكرية الساحقة والمستمرة وتزايد الحصار المفروض عليها، وقلة مواردها المالية بعد إبعادها عن المدن الرئيسية والموانئ التي كانت مصدر دخلها الرئيسي، فضلا عن تضاؤل الموارد المالية لتنظيم القاعدة الداعم الرئيسي لها، وتزايد مناطق الفراغ الأمني والسياسي، وهو ما استغلته داعش في إغراء القيادات المنشقة عن حركة الشباب بتوفير مصادر تمويل مهولة.

وبسؤاله عن مستقبل التواجد الداعشي بالصومال في ظل هذا الواقع قال دكتور أبو الفضل أنه على الرغم مما يبدو من قوة التنظيم مقارنة بحركة الشباب إلا أنه يعاني هزائم متلاحقة في سوريا والعراق وليبيا كما أن هناك رقابة شديدة على التمويلات العابرة للحدود وهو ما يؤدي إلى تقليص حجم أمواله التي يستغلها في تمويل أنصاره وفروعه في المنطقة هذا إلى جانب صراعه على صعيد أكثر من جبهة في الصومال فهو يحارب جماعة الشباب من جهة والقوات الحكومية وبعثة الأميصوم “الإتحاد الإفريقي” من جهة أخرى مما يعرضه لخسائر فادحة وتهديدات كبيرة تحد من وجوده .

بين داعش والقاعدة

مصطفى زهرانوعلى جانب آخر يقول الباحث مصطفى زهران أن الصومال ومنطقة القرن الإفريقي ساحة للصراع بين القاعدة وأنصارها من ناحية وتنظيم داعش وأنصاره من ناحية أخرى وهو ما يعني وجود توتر واضطراب بين الخصمين وصلت مساراته إلى حد المواجهة العسكرية بين التنظيمين وللأسف الشديد يمثل الصومال إحدى ساحات الصراع والمنافسة بين التنظيمين وقد هدد تنظيم داعش مرارا بقتل وإبادة كل من يبايع القاعدة . ولاتقتصر الخصومة مع القاعدة بل مع حركة الشباب أيضا حيث كشفت تصريحات عن منتمين لداعش أن أحد مؤسسي الحركة في الصومال قتلته حركة الشباب ويدعى “أبو نعمان يتناري” وذلك عقابا له على مبايعته داعش . ويشير زهران إلى أن تنظيم داعش توسع في القارة الإفريقية حيث اتخذ من ولاية غرب إفريقيا ميدانا ومركزا للنشاط وفرض النفوذ الداعشي . ويحذرالباحث مصطفى زهران من العلاقة الوثيقة والتعاون الذي يجمع داعش وجماعة “بوكو حرام ” والتي يعتبرها ظهيرا أمنيا وعسكريا لدعم تنظيم داعش بعد مبايعتها له بما يجعل منطقة غرب إفريقيا مهددة بالخطر الداعشي لما لها من أهمية استراتيجية كبيرة لداعش سيما مع تشابه جغرافية المكان مع مواقعها التي كانت تحتلها في سورية والعراق . لكن مع ذلك لا يمكن إعتمادها أماكن بديلة لنفوذه في الموصل بالعراق أو الرقة بسوريا ولكن قد ينظر إليها باعتبارها متنفسا لإعادة ترتيب الأوضاع والأوراق تمهيدا للإنطلاق من جديد إلى الأماكن التي انحسر فيها . وحول الوضع الراهن وخطورته في القارة الإفريقية يقول زهران أن المرحلة الراهنة ستشهد بعد انحسار التنظيم وتراجعه جغرافيا ما يدفعه للتصرف باندفاع الباحث عن الثآرواسترداد المسلوب منه وهو ما يحفزه على توظيف كافة طاقاته لتنوع آليات هجومه وتكثيف اعتداءاته لتأكيد وجوده على أرض الواقع وإثبات أنه قادر على المواجهة  تمهيدا لإعادته لتموضع خلافته مجددا.

د. مازن الشريفأما الباحث والمفكر التونسي الدكتور مازن الشريف فهو يتفق مع الآراء السابقة في  أن هناك تحركات داعشية نحو إفريقيا بعد مطاردة التنظيم في سوريا والعراق مما يدفعه للبحث عن بدائل ويقول أنه تم نقل مجموعة كبيرة من أعضاء تنظيم داعش الفارين من سوريا والعراق إلى القارة الإفريقية وخاصة إلى ليبيا ونيجيريا وأنهم لو لم ينجحوا هناك فمن المتوقع أن يتحركوا للزحف نحو الغرب الإفريقي خاصة في منطقة الصحراء الكبرى كما يمكنهم استهداف بلدان أخرى هشة مثل مالي وإفريقيا الوسطى والصومال وإن كانت الأخيرة دولة مستنزفة بسبب أحداثها الداخلية ولكن الخطر ليس بعيدا عنها .

صراع على  النفوذ

الدكتور-عادل-عامروعن الواقع الصعب داخل الصومال يقول الباحث الدكتور عادل عامرعضو هيئة التدريس بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية‏ أن جبهة الصومال هي من أكثر الجبهات اشتعالاً في السنوات الأخيرة وذلك لامتداد العمليات التي تقوم بها حركة الشباب المجاهدين إلى قلب الصومال بالإضافة إلى مدن متفرقة من كينيا . أما فرع تنظيم “داعش” هناك  فهو لازال في طور التشكل؛ إذ لا يتعدى أفراده من  150 إلى 200 مقاتلًا عسكريًّا، إلا أن بعض المعلومات الأمنية أفادت بأن التنظيم بدأ يتمدد في شمال شرقي الصومال، ويُخرِّج أفواجًا جديدة من المقاتلين الذين تجاوز عددهم 300 مسلح أنهوا تدريباتهم العسكرية مؤخرا. ويُعد عبد القادر مؤمن الذي يحمل الجنسية البريطانية، هو الزعيم الرُّوحي لتنظيم الدولة في الصومال . ويضيف عامر أن جماعة “عبد القادر مؤمن” تستفيد من لعبة الصراع على النفوذ المعقدة بين قبائل “بونتلاند” منذ انفصالهم عن حركة الشباب المجاهدين وتأييدهم لتنظيم داعش حيث اتخذوا من جبال “غالغالا”، في إقليم “بري” معقلا لهم، في خطوة حملت نواة تشكيل فرع لتنظيم “داعش” في الصومال . إلا أن دكتور عامر يرى أن داعش لن يتمكن من تأسيس قاعدة تنظيمية له في الصومال لأسباب موضوعية من وجهة نظره منها العدد الأكبر لجماعة الشباب المقاتلين البالغ عددهم ما بين 7- 13 ألف عنصر والذي يمثل تحديا كبيرا أمام أعضاء داعش في السيطرة على القرن الإفريقي إضافة إلى التحدي الآخر الكامن الكامن في المواجهة مع القوات الحكومية وقوات الاتحاد الافريقي ويستدل على ضعف داعش مقارنة بالشباب في عجزه عن التوسع واحتلال مناطق مهمة بالصومال بل وعدم صموده وسقوطه السريع أمام القوات الحكومية في بلدة “قندلا” التي طرد منها في ديسمبر 2016 بعد احتلالها. ويضيف عامر أن هناك تحديات مالية كبيرة تواجه فرع داعش في الصومال بسبب شح الموارد المالية والتضييق الأمني على التحويلات خاصة بعد ان فقد داعش ما يقرب من 70% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا وليبيا والتي كانت نفسها هي الاسباب التي دفعت تنظيم الدولة للبحث عن بدائل في مناطق أخرى لإقامة مستعمراته فكان الصومال واحدا من الأماكن التي يفر اليها مقاتلو داعش إلى جانب منطقة الساحل والصحراء لاتساع مساحاتها وضعفها .  ولهذا السبب يطالب عامر الدول الغربية أن تدعم القوات الأفريقية وتمولها بالسلاح حتى تتصدى لفلول الإرهابيين قبل أن يتمكنوا من أن يقيموا قواعد جديدة خاصة في ظل تزايد احتمالات اختراق «داعش» لصفوف «الشباب» بشكل أوسع في الفترة المقبلة، خاصةً بعد أن فقدت الأخيرة  كثيراً من نفوذها السياسي والاجتماعي في ظل عمليات تحرير يقوم بها الجيش الصومالي، مدعوماً من “قوات حفظ السلام”.

وبناء عليه يحذر الدكتور عادل عامر من اتساع دائرة الخطر بمنطقة البحر الأحمرخاصة في الجزء الشمالي من الصومال في جمهورية أرض الصومال ويرى أنه على قدر صمودها في وجه هذه التنظيمات على قدر سلامة المنطقة كلها من تغلغل التنظيمات المتشددة وانتشارهم بدول الجواركما أن هناك تخوفا من استغلال أذرع لتنظيم داعش بالصومال في دعم دولته في سوريا والعراق وشمال افريقيا واليمن كمصدر للسلاح . ويحذر من كون وجود داعش في منطقة “غالغلا” يخشى منه على تنشيط القرصنة البحرية بحكم الموقع الجغرافي الحيوي لهذه المنطقة على المحيط الهندي .

وواقع الأمر أن الأهمية الحيوية والاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي ومعاناة الصومال من الفرقة والإنقسام لأزمنة طويلة يجعل أية محاولة للإختراق الداعشي لهذه المنطقة خطرا كبيرا لا يقتصر تهديده على الشعب الصومالي وحده وإنما على شعوب المنطقة كلها وكذلك المصالح الدولية بالنظر إلى الموقع الجغرافي الحساس للصومال . ويبقى القول أن وجود قوتين متصارعتين على النفوذ داخل الصومال متمثلتين في حركة الشباب ومؤيدي تنظيم داعش يحتمل وجهين أحدهما سلبي متمثل في إحداث مزيد من الفرقة واستنزاف الموارد الصومالية وزعزعة أمنه واستقراره والآخر إيجابي يتمثل في أن يؤدي تناحر التنظيمين إلى تصفيتهما ذاتيا ليخرج الشعب الصومالي فائزا ولكنه أمر يتطلب تحركا دوليا مكثفا وعدم ترك الصومال وحيدا في مواجهة هذا الخطر بل يجب دعمه ماديا وعسكريا واقتصاديا حتى يتسنى له  القضاء على هذا الخطر .

صفاء عبد القادر

كاتبة وصجفية مصرية
زر الذهاب إلى الأعلى