المستشفى العام في هرجيسا… دروس وعبر

الصحة نعمة كبيرة يمنّ الله بها على الإنسان، وهي تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفه إلا المرضى، فمن يتمتّع بصحّة وعافية فقد نال الكثير من النعم التي يفتقدها المريض، وعدّ الرسول صلى الله عليه وسلم الصّحة من النعم التي لا يشعرها كثير من النّاس فيقول: صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاس الصّحة والفراغ) رواه البخاري.

وأحوال المرضى دائما تدمي القلوب وتذكرك آلاء الله ، وتحملك على أن تشكر ربك الذي عافاك في وقت أبتلى  كثيرا من عباده.

قضيت أربعة أيّام مع بعض المرضى في المستشفى العام بهرجيسا في أرض الصومال، ورأيت فيه عددا كبيرا من المرضى تملأ بهم غرف المستشفى وفي ظروف انسانية صعبة.

كانت لا تكاد تمر دقيقة دون أن يدخل  المستشفى مريض أو مصاب جديد  وضعه أكثر خطورة مِن مَن سبقه… وكان لسان حالي، لا بأس فالمريض دوما ضيف بلا دعوة.

لاحظت خلال تواجدي في المستشفى أن معظم حالات المرضى كانت  نتيجة حوادث السير التي صارت ظاهرة متفاقمة في مدينة هرجيسا ونواحيها،  وهذه مشكلة تحتاح الى حل سريع من قِبل المسؤوليين في الدولة وغيرهم لإنقاذ الأرواح.

في الأيام التي قضيتها في المسشتفى تقاسمت الأحزان والهموم مع المرضى الذين فقدوا أغلى ما كانوا يملكونه في حياتهم وكانوا يتمنَون الصّحة ولو باعوا بها بأغلى الأثمان، لكن ما إثار أعجابي، قوة عقيدتهم ورجاءهم من الله سبحانه وتعالى الذي بيده الشفاء،  كثيرا ما تراهم يرددون “الحمد الله الذي عافنا “ والدّم يسيل من على جبينهم وأكتافهم أو تغلبتهم الحمى والكلام لا يكاد يخرج من أفواههم.

والجدير بالذكر أن هذه النعمة غابت لدى بعض المرضى، ولم بيلغوا بهذه الدّرجة من الثبات تراهم ينابهم القلق والجزع ويحتاحون إلى من يصبّرهم ويذكّرهم بأقدار الله ويقنعهم أن كل شيئ بيد الله سبحانه وتعالى وأن ما أصابهم لم يكن ليخطأهم.

ومما لاحطت في المستشفى أيضا غياب دور الدعاة إلى الله. لم أشاهد خلال تلك الأيام الأربعة التي عملت في المستشفى داعيا متطوعا أي وجود للدعاة ، وهذا أمر مؤسف للغاية، وكنت أعمل في قسم الطّواري  فكان المرضى يسألونتي بعض المسائل الدينية ويطلبون مني الرّقية الشّرعيّة والدعاء لهم.

في الحقيقة، هؤلاء يحتاجون إلى من يذكّرهم بالله تعالى ويعلّمهم أحكام المرضى وكيف يصلون الصّلوات وكيف يتوضؤون وإلى من يصبّرهم ويتقاسم معهم الشّدائد أكثر من حاجتهم إلى الأدوية والعلاج وبالتالي يجب على الدعاة القيام بمسؤولياتها والانتباه لهذه المسألة  الخطيرة.

أراء ومقترحات

1: أولا ينبغي أن نتوجه بالشكر إلى الله عزّ وجلّ على آلائه ونعمه الكثيرة  وخاصة نعمة  الصحة.

2: الاستفادة من نعمة الصحة وتسخيرها في خدمة الضعفاء والمحتاجين  كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) أخرجه الحاكم في المستدرك رقم 7846 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

3: ضرورة أن يهتم الدعاة بأحوال المستشفيات والمرضى الذين باتوا بأمس الحاجة إلى من يذكرهم بالله عز وجل، فهم يحتاجون العلماء كما يحتاجون إلى الأطباء والدواء ولذلك إن إهمال الدعاة لهذه الفئة من الناس تعد تقصير في المسئولية التي حملوها على عاتقهم.

عبدالرحمن أحمد سوفى

باحث وكاتب في علوم الشريعة - هرغيسا
زر الذهاب إلى الأعلى