الحملة ضد الحكومة … ماذا وراء الأَكَمَة؟

 تطل فتنة سياسية برأسها في المشهد السياسي بالصومال وتتعالى أصوات محذرة من  أن يواجه البلاد مرحلة صعبة قد تعيق التقدم الذي تحققه حكومة حسن علي خيري.

هناك حملة ممنهجة ضد الحكومة، تتسع دائرتها وتتبلور خيوطها بشكل سريع وأن كل المعطيات على الأرض تشير إلى إمكانية أن يصعد من يقف ورائها في الأيام أو الشهور المقبلة ويقودها نحو منحى خطير ينعكس سلبا على مستقبل البلاد وتطلعات الشعب.

كما أن هناك مؤشرات تدل على أمكانية أن ينضم إلى هذه الحملة قيادات سياسية وشخصيات مدنية لها وزنها وثقلها في أوساط المجتمع الصومالي وهذا الأمر سيحقق حلم المتربصين للرئيس محمد عبد الله فرماجو ويعطي جرعة للحملة ودفعة نحو سحب  ورقة التأييد الشعبي التي تعتبر أحد أهم أوراق القوة لدى الحكومة والمصدر التي تستمد منه السلطات.

لا توجد قيادات موحدة تقود هذه الحملة  ضد الحكومة الا أن هناك أطراف سياسية تقوم باشعالها وتأجيجها لأغراض سياسية بحتة وتسعى كما يبدو هذه الأطراف إلى اسقاط  الرئيس محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه حسن خيري عبر اشغالهما بأمور ثانوية وثنيهما عن الأهداف الكبرى المتمثلة بتحقيق طموحات وآمال الشعب، آملين أن تنتهي فترة ولاية الرئيس وقد فشل في تنفيذ تعهداته .   

ما الدوافع وراء الحملة؟

أسباب هذه الحملة متعددة لكن يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولا: دوافع انتقامية

بدأت اراهاصات هذه المعارضة فور تعيين حسن علي خيري رئيسا للوزراء حيث أبدت بعض الجهات أو الشخصيات امتعاضها من هذا التعيين وخصوصا التي كانت ترغب في الحصول على هذا المنصب غير أن دائرة الإمتعاض  اتسعت بعد أن خلت قائمة التشكيلة الوزارية من أسماء ورموز سياسية متنفذة وبعد أن قامت الحكومة بتغيير قيادات الأجهزة الأمنية ومدراء بعض المؤسسات الوطنية الأخرى كالمطار، والميناء، ومكتب المفتش العام، وهذا الأمر أثار شكوك بعض مراكز القوى في البلاد ولم يرق لها وعقد قياداتها مؤتمرات في مدينة نيروبي، وتم جمع تواقيع من المشرعين لاسقاط حكومة خيري غير أن المحالة فشلت وقضي في مهدها.

وكذلك لم يعجب بعض المشرعين جميع الخطوات التي اتخذتها الحكومة وفاء لتعهداتها تجاه شعبها المتعطش للتغيير بدءا من تعيين حسن علي خيري رئيسا للوزراء ومرورا بالتغيرات التي طالت القيادات العسكرية والأمنية وانتهاء بموقفها حيال الأزمة الخليجية، وبدأوا بمعارضة سياسات الرئيس ورئيس الوزارء رافعين شعارات الوطنية والعدالة السياسية، ومتهمين قيادات البلاد  بالتأمر ضد عشيرة معينة. 

ثانيا: دوافع نبيلة

إن بعضا من المثقفين وقيادات من المجتمع المدني ينتقدون عن حسن نية الرئيس ورئيس الوزراء بتشكيل حكومة تفتقر إلى كوادر تكنوقراط، وتعيين شخصيات غير مؤهلة لمناصب سيادية ، وأن هؤلاء المثقفين يبدون مخاوفهم من أن تساهم هذا الأمر آجلا أم عاجلا في تقليل فرص نجاح الحكومة وقدرتها على تحقيق برنامجها السياسي، ويقولون إن تخبط الحكومة في مواجهة التحديات والتطورات السياسية والأمنية الراهنة لدليل على  الفشل في اسناد المناصب لأهلها وتطبيق مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

ثالثا: مصالح فئوية

اصدرت الحكومة خلال الشهور الماضية قرارات مهمة لمواجهة الفساد، ومن بين هذه القرارات إعادة النظر في العلاقة بين الحكومة والشركات التجارية، واخضاع الأخيرة التي كانت تعمل خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية بعيدا عن عيون ومراقبة الدولة وأجهزتها،  بالإضافة إلى سحب امتيازات كثيرة من الشركات المتعاقدة مع الحكومة أو المؤسسات والمنظمات الأجنبية العاملة في البلاد، مثل الشركات المسؤولة عن طباعة الأوراق الثبوتية، والبطاقات الشخصية، والشركات التي تزود قوات المسلحة الصومالية بالمؤن والوقود. هذه القرارات كانت مفاجئة وأثارت حفيظة بعض رجال الأعمال الذين يتمتعون بنفوذ واسع داخل الدولة ودفعوا نوابهم في البرلمان ومنابرهم الإعلامية إلى تبني سياسات معارضة للحكومة وشن حملة ضدها بغية عقد صفقات معها.

رابعا: دور اقليمي سلبي

   كما هو معلوم لم تكن بعض القوى الاقليمية -ونقصد هنا دول الجوار -راضية بنتائج  الانتخابات الرئاسية في الصومال وانتخاب فرماجو رئيسا للبلاد نظرا لعلاقاتها القوية مع الرئيس السابق حسن شيخ محمود وبالتالي فهذه القوى الاقليمية لا تفتأ تضع الحكومة والرئيس فرماجو أمام مواقف حرجة دون أن تراعي الأوضاع  السياسية والأمنية في البلاد، وقضية مطالبة تسليم المسؤول في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين إلى إيثوبيا خير دليل على ذلك، وهذه المواقف الحرجة قد تتسبب إلي تراجع تاييد الحكومة وظهور مزيد من الأصوات المعارضة لها أو على الاقل تنتقدها من باب النصيحة، لكن هذه الأصوات عززت من حيث لا تدري موقف المعارضين الأصليين واصحاب النوايا المبيتة، والجدير بالاشارة في هذا السياق إلى  أن تلك القوى تخطط ممارسة مزيد من الضغط  مستقبلا على الحكومة حتى تستجيب لمطالبها أو يتم ازاحتها من المشهد.

ما هي استراتيجية الحملة؟

ليس هناك قوى سياسية موحدة تقود هذا التحرك ، الا أن هناك مشرعين يريدون الانتقام والاصيطاد من المياه العكرة  مستفدين من الأحداث التي يشهدها البلاد، مثل موقف الحكومة حيال الأزمة الخليجية، وحادثة مزرعة بريري، وقضية تسليم مسؤول جبهة ONLF للسلطات الاثيوبية حيث انتقد هؤلاء المشرعين مواقف الحكومة تجاه هذه القضايا بشدة وطالبوا بإعادة النظر إليها. لا يعود أسباب هذا الإنتقاد لقناعة سياسية راسخة وانما هو هدف تكتيكي يمارسه النواب لزيادة الضغط على الحكومة وتوظيف مثل هذه المواقف لأجندتها الخاصة.

ما هي فرص نجاح الحملة؟

كل المؤشرات تدل على إمكانية تصاعد وتير المعارضة أمام تراجع الاصوات الداعمة للحكومة والتي يتوقع أن تنخفض نبرتها مع تقدم عمر الحكومة ودون ظهور أنجازات كبيرة على الأض سواء على الصعيد الأمني أوالاقتصادي أوالإجتماعي، وبالتالي فرص نجاح أو فشل  الحملة المناوئ للحكومة متربطة بشكل كبيرة  باخفاق  أو نجاح الحكومة في اللالتزام بتعهداتها وقدرتها على تحقيق تطلعات الشعب نحو الأمن والاستقرار والعيش الملائم، وأن هذا الأمر يرى كثيرون أنه يتطلب إلى اتخاذ خطوات عاجلة وجادة لايجاد حل في فضايا الفساد والعدالة والاقتصاد بعيدا عن الخطوات الاستعراضية واهدار الأموال والأوقات في عقد المؤتمرات والاجتماعات والحفلات، فإن فوائداها لا تدوم كثيرا ولن تغيير من الواقع شيئا يذكر ، وعدم الانصياع لمطالب الأطراف المطالبة إلى عزل رئيس الوزراء أو إعادة النظر في التشكيلة الوزراية الحالية، لأن ذلك فخ وقعت فيه حكومات الرئيس حسن شيخ محمود، والرئيس شيخ شريف ، والرئيس الراحل عبد الله يوسف .

الخلاصة

يمكن القول إن حكومة خيرى تترد عن اتخاذ خطوات جريئة للتعامل مع القضايا المهمة والحساسة والتي تمس واقع المعيشي والأمني والاقتصادي خوفا من تأثيراتها على مواقف بعض الجهات المتنفذة  وتحاول بدلا من مواجهة الأزمة بجدية، اخماد الحرائق والاشتغال برد الفعل لا الفعل فلا تكون  صاحبة الحدث ، بل تتبنى مواقفها كردود لما يحدث.

يجب إعطاء الأولوية للمجالات ذات الأهمية القصوى للمواطنين كقضايا العدل ومحاربة الفساد، وخلق فرص عمل من خلال اتخاذ خطوات واضحة تعالج المشكلة بشكل سريع بعيدا عن البروقراطية والروتين، وليس من خلال اصدار تصريحات بهذا الشأن أو عقد مؤتمرات لبحث هذه القضايا، لأن ذلك ضمن الأفخاخ التي تنصب للحكومة.

زر الذهاب إلى الأعلى