الأزمة السياسية في ولاية جلمذغ… خطة مدروسة لتغيير النظام أم خلاف سياسي؟

تمهيد

تشهد ولاية جلمذغ أزمة سياسية حادة نتجت عن اختلاف في وجهات النظر بين رئيس الولاية أحمد حاف ونائبه محمد حاشي حول موقف الولاية من الأزمة الخليجية. وتطور الخلاف إلى تجييش كل من الطرفين الجيوش لتدعيم موقفه، إلا أن اتهام الرئيس أحمد حاف الحكومة الفدرالية بالوقوف وراء الحراك الذي يقوده نائب رئيس الولاية بهدف إسقاطه، اعطى الأزمة بعدا خطيرا أصبحت فيه الحكومة الفدرالية طرفا فيها بدلا من الوقوف على مسافة واحدة من الأطراف المتخاصمة. وهي اتهامات يشاطره الرئيس حاف بعض أعضاء البرلمان الفدرالي، خاصة النائب أحمد معلم فقيه المنحدر من ولاية جلمدغ الذي اتهم الحكومة الفدرالية باستنساخ تجربة ولاية هرشبيلي وتطبيقها في ولاية جلمذغ.

أسباب الأزمة
بدأت الفصول الأولى للأزمة الحالية في ولاية جلمذغ في 19 من شهر سبتمبر الجاري بعد أن أصدر مكتب رئيس الولاية بيانا أيدت فيه الولاية موقف الدول الأربعة المقاطعة لقطر في الأزمة الخليجية، وهو ما عارضه بشدة نائب رئيس الولاية محمد حاشي، مدعيا بأن الرئيس أحمد حاف لم يستشر في موقفه مع أي مسؤول في الولاية، و لم يناقش في أروقة مؤسسات الولاية، مضيفا إلى أن الولاية تحترم دستور البلاد الذي يحدد سلطات كل من الحكومة الفدرالية وولايات الفدرالية المنضوية تحت لوائها، وهو ما يعني أن موقف نائب الرئيس محمد حاشي منسجم مع موقف الحكومة الفدرالية من الأزمة الخليجية.

بياني رئيس الولاية ونائبه كانا بمثابة إعلان عن دخول الولاية في أزمة سياسية جديدة بعد أقل من ستة أشهر من خروجها من أزمة مماثلة اثر سحب برلمان الولاية الثقة من الرئيس السابق عبدالكريم جوليد. والسبب الرئيسي وزار الأزمة الحالية هو أن الرئيس أحمد حاف قرر الانحياز للدول الأربعة المقاطعة لقطر طمعا لدعم مالي من هذه الدول، بينما يعتبر نائب الرئيس ورئيس برلمان الولاية بحكم علاقتهما مع الحكومة الفدرالية أن موقف الرئيس أحمد حاف مخالف للدستور الفدرالي الذي يعطي الحكومة الفدرالية حق الاحتكار في اتخاذ القرارات السيادية المتعلقة بعلاقة الصومال مع الدول الخارجية.

فقد وظف طرفي الأزمة كل أوراقهما بما فيها الورقة القبلية في كسب مزيد من التأييد لمواقفهم أو شيطنة الطرف الآخر. فقد قامت السلطات الأمنية بالولاية باعتراض انعقاد اجتماعات لمؤيدين لنائب الرئيس ورئيس البرلمان، كما نظم أنصار الرئيس أحمد حاف تظاهرات مؤيدة له، ومنددة للحكومة الفدرالية في مدن رئيسية في الولاية، مثل مدينة عدادو، وعبود واق.ومن جهته، اتهم رئيس الولاية أحمد حاف الحكومة الفدرالية بالوقوف وراء تيار نائب الرئيس ورئيس البرلمان بهدف إسقاطه انتقاما من مواقفه من الأزمة الخليجية، بل صرح الرئيس حاف يوم أمس أن الحكومة الفدرالية حاولت منعه من العودة إلى البلاد بعد زيارة قام بها في دولة الإمارات، وذلك عن طريق الضغط على شركات الطيران بعدم نقله من مدينة هرجيسا إلى عدادو عاصمة الولاية، في مسعى للانقلاب عليه، وهو ما قد ينذر بمزيد من التأزم.

ويعتبر دخول أعضاء في البرلمان الفدرالي المنحدرين من الولاية على الخط، وتبنيهم موقف الرئيس أحمد حاف، من العناصر المساهمة في تأزيم الأزمة، خاصة النائبين أحمد معلم فقيه، والنائب مهد صلاد، حيث وجه النائب أحمد فقيه انتقادات لاذعة للحكومة الصومالية، متهما إياها في تغريدة له في مواقع التواصل الاجتماعي باستنساخ تجربة ولاية هرشبيلي وتطبيقها في ولاية جلمذغ، وهو اتهام مبطن للحكومة الصومالية بالوقوف وراء سحب برلمان ولاية هرشبيلي الثقة من الرئيس السابق للولاية على عسبلي بسبب موقفه من الأزمة الخليجية، وأن الحكومة تسعى الآن الى إسقاط الرئيس أحمد حاف.

انتقادات النائب أحمد فقيه للحكومة الفدرالية ليست جديدة رغم أنها تتسم بالمسؤولية في بعض الأحيان، فقد انتقد سابقا موقف الحكومة الصومالية من تسليم القيادي في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين الى إثيوبيا، والمجزرة التي ارتكبتها القوات الأمريكية بحق المزارعين المدنيين غير المسلحين في قرية بريري، الا أن الأزمة الحالية في ولاية جلمذغ أزمة دستورية لا يقتصر تأثيرها في ولاية جلمذغ، بل هي مشكلة دستورية تشاطرها مع الولايات الأخرى، وتتعلق بخلاف حول من يملك حق اتخاذ موقف الصومال من الأزمة الخليجية، الحكومة أم الولايات. وبالتالي، كان من المفترض أن يواجه النائب احمد فقيه وزملائه في البرلمان الصومالي مكمن الداء بحكم انتمائهم إلى المؤسسة التشريعية الفدرالية بدلا من تسجيل نقاط سهلة في الأزمة الحالية على حساب الوطن والمواطنين.

موقف الحكومة الفدرالية
رغم اتهام رئيس ولاية جلمذغ والنائب أحمد معلم فقيه الحكومة الفدرالية بالتورط في الأزمة الحالية بالولاية، إلا أن الحكومة الصومالية لم تصدر حتى اللحظة أي تصريح يستشف منه تأييدها لأحد أطراف الأزمة. فقد عقد مجلس الوزراء الليلة البارحة جلسة طارئة في القصر الرئاسي دون الإعلان عن مادار في الجلسة، وعن أي قرارات صدرت عنه، ومن المرجح أن المجلس ناقش في كيفية تعامل الحكومة مع الأزمة الحالية في الولاية، بينما تشير بعض المصادر إلى فشل مجلس الوزراء في اتخاذ موقف موحد من هذه الأزمة، وانقسامه إلى جناحين يتبنى كل منهما رؤى خاصة به حول الازمة وطريقة حلها،بل هناك أنباء تتحدث عن انسحاب بعض الوزراء من الجلسة احتجاجا على مواقف زملائهم.

مآلات الأزمة
نتوقع بانتهاء الأزمة السياسية في ولاية جلمذغ دون حدوث أي تغيير في النظام السياسي في الولاية، ليس لأن برلمان الولاية غير متحمس لسحب الثقة من الر ئيس أحمد حاف، بل أن تغيير النظام في عدادو لا يصب في مصلحة الحكومة الفدرالية، وقد يقف حجر عثرة أمام تحقيق الحكومة بالوعود التي قطعتها، منها إجراء انتخابات مباشرة في البلاد سنة 2021.أضف إلى ذلك، أن أسباب الأزمة الحالية في الولاية معقدة جدا، ولها صلة بطرف خارجي قوي ومؤثر. وبالتالي، أي موقف متسرع من الحكومة الفدرالية قد يجرها إلى مشاحنات سياسية قد تؤدي إلى إسقاطها عن طريق تقديم مشروع سحب الثقة من رئيس الوزراء حسن خيري في البرلمان الفدرالي.

ومهما يكن الأمر، فإن طريقة تعامل الحكومة مع هذه الأزمة الحساسة سيحدد مصيرها، والعقبات التي ستعترض طريقها مستقبلا، لأن هناك تحركات جارية في أكثر من جبهة لمحاصرة الحكومة، وجرها إلى خلافات عبثية تحول بوصلتها من تحقيق تطلعات الشعب إلى الانجرار وراء معارك سياسية تستنزف طاقتها، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاطها خاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار مساعي بعض النواب بتقديم مشروع ضد دولة الإمارات الشقيقة إلى البرلمان للمناقشة عليه، حسب تصريحات النائب عبدالله شيخ اسماعيل في حوار مع إذاعة الرسالة المحلية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى