معضلة المال العام في صوماليلاند: محطة استقبال الوقود ووحدات التخزين في ميناء بربرة مثالاً

لم يكن مُفاجئًا حجم الاحتقان والتصعيد الذي بلغته قضية إعادة خصخصة إدارة محطة استقبال الوقود ووحدات التخزين في ميناء بربرة،  متجليًا ذلك فيما تناقلته وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسعٍ، من قيام رئيس برلمان إدارة أرض الصومال”عبدالرحمن محمد عبدالله عرّو” بتوجيه لكمات لنائبه، في محاولة لضبط عملية التصويت على قرار تلزيم عقد إدارة المحطة وملحقاتها لعدد من الشركات المحلية.

المال العام تجاوزات ومزايدات:

تشكّل مسألة المال العام هاجسًا حقيقيًا لدى الشعب والقيادات السياسية النزيهة في الجمهوية المعلنة من طرف واحد، خاصة مع ظهور التجاوزات التي شهدها “المال العام” مؤخرًا، وبروز تراكم مخيف للتعديات على مدى ربع قرن، بحيث بدأ يسبب تعقيدات لا يمكن تجاهلها أمام رغبة المستثمرين المحليين في إقامة مشاريع مربحة، يمكنها أن تخلق حلًا فعّالًا على المستويين الحكومي والشعبي، في تقليل الاعتماد على الهيئات الأجنبية والأطراف الدولية، التي تموّل معظم المشاريع الإنشائية والخدمية في البلاد، ناهيك عن اعتماد فئات واسعة من الشعب على التحويلات القادمة من ذويهم المقيمين في الخارج، والذي تشاركهم فيها الحكومة والأحزاب السياسية التي اعتادت جمع التبرعات من الجاليات في الخارج، في تجاهل لإمكانية تغيير المعادلة من “الاستجداء” إلى “الاستثمار”، بما سيخلق موارد دخل جديدة لمؤسسة الحكم عبر الرسوم والضرائب، ويصنع فرص عمل لشعب يعيش معظمه تحت خط الفقر مع نسبة بطالة تكاد تبلغ 75% من القوة العاملة، بحيث “يفرّ” الآلاف من أبناء البلد وبناته عبر الهجرة غير الشرعية التي تحوّل مسارها شرقًا بعد تشديد السلطات الإثيوبية لإجراءاتها، مع ما يعنيه ذلك من تكبيد الأسر الفقيرة ما لا تطيقه لافتكاك أبنائها من براثن “المهربين” في كل مرحلة من مراحل الرحلة الخطرة واللاإنسانية.

وليس خفيًا وإن على مستوى الملاحظة العابرة، لحجم التعديات التي تمر بها البلاد، بدءًا بالتعدي على الطرق الرئيسية في المدن “طريق رقم واحد” في هرجيسا مثالًا، وأحياء في العاصمة كحي الـ”شعب” و”بيبسي” وسواه، إضافة إلى الاستملاكات التي يقوم بها “متنفذون” على امتداد طريق “هرجيسا-بربرة” وما جرى من “توزيع” لأراضي منطقة “قعن-لباح” ذات الأهمية البيئية والاستراتيجية قرب “بربرة”، ناهيك عن المحسوبية في مشاريع الطرق، التي تسمح بقيام الشركات المنفّذة بمخالفات خطيرة فيما يخص المواصفات والسلامة طريق “هرجيسا –بورما” مثالًا!

محطة استقبال الوقود وملحقاتها:

تتكون محطة استقبال الوقود وملحقاتها من 24 خزّانًا لاستقبال الوقود السائل بنوعيه “بنزين-ديزل” ومستوعبًا لاستقبال “الغاز المسال”، تم إنشاؤها على مراحل بدءًا من فترة الحماية البريطانية، وصولًا إلى ما قام الاتحاد السوفييتي ببنائه فترة التعاون مع المعسكر الشرقي، وما قام به الأمريكان من استحداثه لتطوير المحطة، مع ما تم إجراؤه من إضافته من تحديثات وصيانة تحسينات كخط الأنابيب البحرية متعدد الاستخدام المضاف سنة 2005م بديلًا عن الخط الأمريكي المنشأ في الثمانينيات ، أثناء فترة تعاقد حكومة صوماليلاند مع شركة “توتال” الفرنسية 1998م حتى انسحاب الشركة بـ”هدوء” نتيجة لممارسات حكومة طاهر ريالي كاهن في نهاية فترته، على خلاف ما تدّعيه الحكومة الحالية، من إلغائها الاتفاق الذي تم عقده بين الشركة والحكومة السابقة.

وعلى الرغم من كبر حجم المشاريع التي تم تنفيذها في المحطة، وقدرتها الاستيعابية المفترضة البالغة 55000 مترًا مكعبًا، وتبعًا لمصادر مطّلعة فإنه من أصل 24 خزانًا، بقي 16 خزانًا قابلًا للاستخدام، إلّا أن العدد تقلّص إلى خزانين إثنين فقط، بقدرة استيعابية شديدة الهزال، بحيث أصبح مستوردوا الوقود يجدون صعوبات في تفريغ شحنات الوقود الواصلة إلى المحطة، بما يزيد من كلفة الوقود التي مع رسوم المحطة والضريبة يتم تحميلها على المستهلك النهائي، أي المواطن الذي يعاني من قلة الموارد وارتفاع كلفة المعيشة والاعتماد شبه الكلي على استيراد كل السلع!

واقع صعب، تخبّط، ومزايدات سياسية!

ومع الإعلان المتكرر من قبل حكومة “حزب كولميه” بقيادة الرئيس أحمد محمد محمود سيلانيو، السعي لإحداث تغييرات في الوضع الاقتصادي، واجهت المساعي المعلنة نحو تطوير محطة استقبال الوقود تلك، عدة ضربات أثّرت في مصداقية العمل المعلن عنه بدئًا بتعيين مدرس “معلامة/ كتَّابٍ” مديرًا لتلك المنشأة الحساسة، ونقله بعد تنحيته مؤخرًا إلى وزارة الأوقاف! ناهيك عن الصفقات المشبوهة التي تم تمريرها، بعيدًا عن الشركات القادرة على تنفيذ أعمال الصيانة، إضافة معركة القبضات التي دخلها رئيس البرلمان ونائبه، بعد أن قرر نائب رئيس البرلمان “باشا محمد عدّي” بحضور رئيسه متابعة التصويت، مع رفع ئيس البرلمان الجلسة لموعد آخر، في معركة كسر عظم سياسية، بين الحزب الحاكم وحزب المعارضة الرئيسي ، وتعقيد الأوضاع حتّى بالنسبة للشركات المحلية “المتضامنة” التي سعت للحصول على عقد إدارة المنشأة في مسعى احتكاري، بـ”فرض” الحكومة زيادة عدد الشركات المتشاركة عبر ذات أسلوب المحسوبية، دون أن ينتهي الأمر بذلك بالغًا حدُّ إطلاق النار على شاحنة ناقلة للنفط، وحدوث مظاهرات واحتقان عانت ولازلت تعاني منه مدينة “بربرة” التي غدى سكانها يرزحون تحت ثقل ما مرّت به مدينة “هرجيسا” من تسيّب وتضييع لمصادر الدخل الوطنية ولأملاك والأموال العامة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى