مصير قاتل الوزير عباس سراجي محك اختبار لجدية الحكومة في إعلاء سلطة القانون

مرت ثلاثة أشهر ونيف منذ مقتل وزير الأشغال العامة عباس سراجي على يد احد حراس المراقب العام السابق الدكتور نور فارح, ومازالت حتى اليوم قضية مقتله مثار جدل بين الصوماليين. فقد بدأت فصول هذه القضية في شهر مايو الماضي عندما فتح أحمد عيديد-الحارس السابق للمراقب العام- النار على سيارة وزير الأشغال العامة عباس سراجي أصغر وزير في الحكومة الصومالية مما أدى إلى وفاته فورا. وقد أصدرت الحكومة الصومالية بعد أيام من الحادثة قرارا يقضي بإعفاء المراقب العام السابق من منصبه وفتح تحقيق في الحادثة.ولكن المراقب العام رفض قرار إلاقالة واعتبره غير قانوني مدعيا أن الجهة الوحيدة القادرة على اقالته هو البرلمان وهو ما اعتبره كثير من الصوماليين محاولة لإعادة إنتاج عقلية وسلوك أباطرة الحرب في بداية التسعينات.

بعد فترة من التعنت استسلم المراقب العام السابق للواقع وقبل قرار إقالته، ولكن طفحت القضية على السطح من جديد بعد أن حكمت محكمة القوات المسلحة أحمد عيديد الذي كان ينتمي إلى القوات المسلحة بالإعدام وهو ما أثار حفيظة أهله وعشيرته الذين اعتبروا الحكم بـ المسيس، وعقدوا مؤتمرات احتجاجية في العاصمة مقديشو وفي مدن أخرى بالأقاليم الوسطى يطالبون فيه الحكومة بعدم تنفيذ حكم الإعدام على ابنهم، متوعدين الحكومة بالويل والثبور  في حال تجاهلت مطلبهم.

وحشدت العشيرة كل امكانياتها الاعلامية والسياسية لإنقاذ أحمد عيديد رافعين شعار أن الحكم مسيس، بينما يصر رئيس المحكمة العليا للقوات المسلحة أن المحكمة استندت حكمها باعترافات الجاني واثباتات قدمت للمحكمة، ولكن السؤال الذي يفرض هنا بقوة هو: سبق وأن حكمت محكمة القوات المسلحة بالاعدام على متهمين ولم تثر كل هذه الضجة، ماذا يجعل احمد عيديد مميزا عن عشرات الاشخاص الذين صدرت بحقهم احكام بالإعدام في السنوات الماضية, وهل هو لاجل إنتمائه القبلي, أم تغير طرأ على نظام العمل في المحكمة، أم هناك اسباب أخرى..

المشككون في نزاهة حكم المحكمة يدعون أن القتل لم يكن عمدا وأن القاتل اضطر بفتح النار على سيارة الوزير بعد أن اشتبهها بالمفخخة. وبالتالي هناك أيادي خفية لها مصلحة في القضية حرضت القضاء على اصدار حكم الاعدام على أحمد عيديد. وفي المقابل يرى كثير من المحللين أن دفاع العشيرة المستميت  للقاتل ما هي إلا امتداد للثقافة القبلية في الصومال والقفز على النّظام، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العشيرة المعنية لها ثقلها السياسي والعسكري في جنوب ووسط الصومال وتسعى إلى ممارسة الضغط على الحكومة لإنقاذ ابنها بغض النظر عن ماذا كان مذنبا أم لا، وهو العامل الذي لم يتمتع به معظم الذين طالتهم يد العدالة في السنوات الماضية بحكم انتمائهم إلى القبائل غير المسلحة أو الأقل تسليحا، ما يعني أننا ما زلنا نعيش في ظل حكم شريعة الغاب.

نظام القضاء يوفر للمواطنين إجراءات للترافع عن القضايا والاحتجاج على الأحكام التي تصدرها المحاكم، ولكن تنظيم حملات منظمة تقودها شخصيات ذات ثقل في المجتمع تستهدف رموز الدولة وتوعدهم بالويلات ليس إلا التفاف على القانون ونشر ثقافة الفوضى، و يتطلب من الحكومة اتخاذ خطوات جادة لوقفها، إعلاء لسلطة القانون وترسيخا لمبدأ المساواة أمام القانون، وإلا ستكون الحكومة رهينة لرغبات العشيرة المبنية على: “وهل أنا إلا من غزية إن غـوت غويت، وإن ترشد غزيـة أرشد”. ولن يتعافى الصومال من الفوضى والحروب الأهلية.

زر الذهاب إلى الأعلى