قانون الاتصالات الصومالي الجديد.. السلبيات والايجابيات

بعد أن كان مسودة في عشرة سنوات طرح من خلالها للنقاش في البرلمان لعدة مرات دون الموافقة عليه، صادق مؤخرا أعضاء البرلمان الصومالي بغرفتيه العليا والسفلي قانون الاتصالات 2017، وهو قانون ينظم قطاع الاتصالات في الصومال. ورحبت الحكومة الصومالية تلك الخطوة, حيث قال رئيس الوزراء علي خيري أن القانون يتيح فرص استثمارية أكبر للشركات العاملة في مجال الاتصالات للتوسع في أنشطتها، ويرفع جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين،بالإضافة إلى خلق فرص عمل إضافية للشباب. ومن جهته, اعتبر وزير البريد والاتصالات عبدي عنشور مصادقة القانون ب “حدث تاريخي” لأن القانون خرج إلى النور بعد مخاض عسير ليساهم في تنظيم أحد أهم القطاعات في الصومال.

ولكن في المقابل, لا يحظى القانون بموافقة بعض الولايات الصومالية، فقد اعتبرت حكومة ولاية صوماليلاند القانون بالتدخل السافر في شؤونها الداخلية، ومحاولة من مقديشو للتحكم في قطاع الاتصالات بصوماليلاند- وفقا لمندوب صوماليلاند في أمريكا رشيد نور, ووزير الاتصالات بحكومة صوماليلاند مصطفي ابرار.  أما بالنسبة لولاية بونتلاند، فقد اتهمت حكومة بونتلاند قبل مصادقة القانون وزارة البريد والاتصالات الفدرالي باحتكار المشاورات التي كانت تجريها الحكومة الفدرالية مع حكومات الولايات بشأن قانون الاتصالات، ولكن لم تعلق بونت لاند القانون بعد المصادقة عليه.

أهداف القانون

قانون الاتصالات الذي أجازه البرلمان الصومالي مؤخرا تم إعداده من قبل الاتحاد الافريقي, وفريق دعم المعلومات التابع للأمم المتحدة بتكليف من الحكومة الصومالية, وقد مر القانون بمراحل متعددة تم من  خلالها التشاور مع الولايات الصومالية وشركات الاتصالات في كيفية تطويره إلى أن خرج بصيغته النهائية التي وافق عليها البرلمان. ويتكون القانون من جزئين: اولا, يقترح القانون بإنشاء لجنة الاتصالات الوطنية ويحدد أهدافها وهيكلها الإداري, فضلا عن سلطات اللجنة. وينص القانون ان اللجنة تتكون من 9 أشخاص يعينهم رئيس الجمهورية بشرط موافقة مجلس الوزراء عليها بالأغلبية.  الجزء الثاني من القانون يتعلق بتنظيم قطاع الاتصالات في الصومال وبالتحديد مجالي الاتصالات والبث. ويحدد القانون اجراءت الحصول على التراخيص, ويمنحها لحنة الاتصالات سلطات إعطاء التراخيص و تعديلها,  او الغائها, فضلا عن الرقابة على عمل شركات الاتصالات لضمان المنافسة الحرة. ويحدد  القانون ايضا آلية لفض النزاعات الناشئةعن المعاملات في قطاع الاتصالات, كما يوفر الحماية لزبائن شركات الاتصالات.

أهمية القانون

سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م و ما أعقبه من فوضى, أدت إلى عدم وجود حكومة قوية تصدر بالقوانين المنظمة للقطاعات المختلفة في الصومال، وكل الحكومات التي تشكلت منذ مؤتمر عرته في جيبوتي كانت منشغلة بملفات اهم مثل المصالحة والأمن، ولم تجد الفرصة السانحة لإصدار قوانين للاتصالات. لذلك كانت الشركات الاتصالات تعمل بناء على اجتهاداتها الخاصة في تنطيم العلاقة فيما بينها وعلاقاتها مع زبائنها. وكل العقود التي تتم في هذا القطاع سواء بالتمويل أو لتقديم الخدمات للزبائن كانت تتم عن طريق الثقة المتبادلة وحسن النية, و أي تجاوزات من أطراف العقود كانت تحل عن طريق الوساطات القبلية أو طرق تقليدية أخرى لا توفر العدل للشركات ولا الزبائن.

رغم أن شركات الإتصالات  كانت تخصص ميزانية كبيرة لتوفير الحماية الأمنية لموظفيها, إلا أنها لم تكن تدفع ضرائب تذكر للحكومات التي تعاقبت على حكم الصومال، ما جعلها أكبر الشركات الصومالية نجاحا وأكثر ربحية.ولم تكن الحكومات السابقة من جانبها تجرؤ على محاسبة تلك الشركات أو فرض الرقابة على أنشطتها خوفا من غضبها بسبب نفوذها العسكري ،وطمعا من أموالها لتمويل برامج الحكومة. اضف الى ذلك, ان بعضا من هذه الشركات متهمة باستخدام ثروتها المالية الضخمة لتمويل الحركات الإسلامية المتشددة مثل اتحاد المحاكم الإسلامية.

إذن, تكمن أهمية قانون الاتصالات في الاتي: اولا،  يسهل القانون للشركات العاملة في قطاع الاتصالات في التعامل مع الشركات العالمية سواء بشراء التكنولوجيا التي تحتاج إليها،  أو لإيجاد فرص تمويلية من المستثمرين المحليين والأجانب، لأن الترخيص الحكومي يعطي للشركات العالمية والمستثمرين المحتملين ثقة أكبر للتعامل مع الشركات الصومالية.ثانيا، القانون يفرض رسومات منتظمة على شركات الاتصالات ويعاقب تلك التي تخالف على نصوص القانون في هذا الشأن، مما يوفر لخزينة الدول أموالا إضافية لتمويل المشاريع التنموية في البلاد. ثالثا، يوفر القانون السلطات الأمنية في البلاد فرصة للرقابة على مصادر تمويل الشركات وطرق إنفاقها بهدف محاربة غسيل الأموال وأي عمليات أخرى مشبوهة تهدد أمن وسلامة المواطنين وتلحق الضرر بالاقتصاد الوطني. رابعا، يوفر القانون الحماية اللازمة للزبائن نظرا لعدم تكافؤ القوة بين طرفي المعاملات في مجال الاتصالات، ويحميها من الآثار السلبية من أي تنافس غير شريف أو احتكار من قبل الشركات.

هواجس  الشركات

كانت شركات الاتصالات في الصومال تتمتع بحرية كبيرة في طرق عملها وتجني ارباحا كبيرة بسبب قلة الشركات العاملة في هذا القطاع وما يتميز به من عوائق الدخول منها الأصول المالية الضخمة, وبالتالي من المرجح أن شركات الاتصالات تتخوف من أن يمهد القانون لدخول شركات أجنبية ذات أصول ضخمة تنازعهم على السوق والأرباح في هذا القطاع.  ولكن الفوائد الأخرى التي تجنيها الشركات من القانون الجديد أكبر من أي تأثير سلبي على أرباحها, منها أن الرسومات التي تدفعها الشركات للحكومة قد تساعد  الحكومة على توفير اموال اضافية لضبط الأمن وهو ما من شأنه تقليل الميزانية الكبيرة التي تدفعها  شركات الاتصالات حاليا لتوفير الأمن لمقراتها وموظفيها على امتداد الصومال.

ومن ناحية أخرى, هناك مخاوف من الإعلاميين وبيوت الأعلام في الصومال بحيادية اللجنة الوطنية للاتصالات وان تستخدم الحكومة القانون للرقابة علي الصحافة, خاصة إذا اعتبرنا بعين الاعتبار أن القانون ينص على ان الحكومة وحدها هي التي تعين أعضاء اللجنة.

 

هواجس الولايات الصومالية

ولاية صوماليلاند هي الولاية الوحيدة التي اعترضت قانون الاتصالات الجديد, وسبب اعتراضها ليس له علاقة مع مواد وبنود القانون بل هي محاولة لإثبات انفصالها عن الصومال وانها حكومة مستقلة لاتتبع سياسيا واداريا لمقديشو, واقترح مندوب صوماليلاند في أمريكا رشيد فارح  على الشركات الاتصالات في صوماليلاند شراء مفتاح رقم الاتصال الدولي الخاص ب صوماليلاند بدلا عن المفتاح 252 الذي تشاركه حاليا مع الصومال لكونه من المظاهر التي تدل على وحدة الصومال. مفتاح الرقم الدولي للدول تديرها منظمة اتحاد الاتصالات الدولية التابعة للأمم المتحدة, ويحق لصوماليلاند شراء مفتاحا خاصا بها رغم أنها لا تتمتع بالاعتراف الدولي.

ويأتي قلق حكومة ولاية صوماليلاند ايضا  في سياق ان ثلاثة من كبرى شركات الاتصال في صوماليلاند-تليسوم(Telesom), سمتل(Somtel), وسوم كيبل(Somcable) لها حضور قوي في الصومال, وخضوعها لقانون الحكومة الصومالية يضعف من الناحية السياسية الانفصال الذي كانت تسعى  اليه ولاية صوماليلاند إثباته, ويخدم ما تعتبره تطبيعا والذي لأجله تم معاقبة سياسيين وصحفيين من صوماليلاند, مثل الصحفي الشهير عبدالمالك علدون الذي اعتقل في هرجيسا بسبب زيارته في مقديشو.

وعليه, يعتبر قانون الاتصالات انجازا كبيرا للحكومة الصومالية بقيادة الرئيس محمد فرماجو لأنه ينظم أحد القطاعات الأكثر حساسية في الصومال-وهو قطاع الاتصالات الذي يشمل وسائل الإعلام وشركات الاتصالات, ويسهل  القانون لأجهزة الحكومة في تطبيق القانون, بينما يعطي الشركات فرصة لمعرفة حقوقها وواجباتها لكي تعمل وفقا للقانون, وتلجأ إلى الوسائل القانونية التي أتاحها القانون للاحتجاج إذا ما ارتأت أن جهة ما اعتدت عليها أو تحاول هضم حقوقها.

زر الذهاب إلى الأعلى