القاعدة العسكرية التركية في مقديشو … نعمة أم نقمة على الصومال؟

شهر سبتمبر القادم هو الموعد المحدد لافتتاح ثاني أكبر قاعدة تركية في خارج تركيا بمقديشو. تقع القاعدة على بعد أقل من 2 كيلو من مركز العاصمة. وقد وصلت إلى مقديشو مؤخرا الدفعة الأولى من القوات التركية التي ستتمركز في القاعدة وقوامها 200 جندي. كما يتوقع أن يشارك في حفل الافتتاح مسؤولون كبار في الحكومتين الصومالية والتركية يتقدمها رؤساء البلدين وضيوف من دول العالم.

ينتظر الصوماليون افتتاح القاعدة بفارغ الصبر لأهميتها في رفع قدرات الجيش الصومالي نظرا للتهديد الأمني الذي تشكله حركة الشباب على أمن المواطنين. ومع ذلك, فإن القاعدة العسكرية تحمل في طياتها مخاطر قد تقوض الجهود الدولية والمحلية لإعادة بناء الصومال, منها صب مزيد من الزيت على التنافس المحتدم بين بعض الدول الداعمة للصومال, وتأزيم العلاقة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات, فضلا عن احتمال خفض معنويات قوات حفظ السلام الافريقية في الصومال.

قاعدة عسكرية أم  مركز للتدريب

لم يحسم بعد الخلاف حول التعريف الدقيق للمبنى التركي الذي سيتم افتتاحه الشهر المقبل في مقديشو, هل هي قاعدة عسكرية أم مركز للتدريب.تقول الحكومة التركية انه مركز  لتدريب القوات الأمنية الصومالية وقوات حفظ السلام الافريقية, الا ان بعض المحللين يعتبرون المبنى  قاعدة عسكرية استنادا الى معلومات تشير إلى أن القوة العسكرية التي ستتمركز فيها قد تصل إلى ألف جندي, وبالتالي فإن المعسكر المزمع افتتاحه هو قاعدة عسكرية من أهداف إنشائها تدريب القوات الصومالية إلى جانب أهداف عسكرية اخرى, وان اصرار الحكومتين التركية والصومالية على وصفها بـ مركز للتدريب ماهي الا محاولة لتقليل ردود الأفعال السلبية التي قد تنجم عن القاعدة.ومهما اختلفت الآراء حول تسمية القاعدة العسكرية التركية في مقديشو, فإنها تمثل الفوائد التالية للصومال:

خفض تكاليف التدريب وتحسين جودتها

ابتعثت الحكومة الصومالية في السنوات الأخيرة مئات الشباب إلى تركيا للالتحاق بالمدارس والكليات العسكرية ضمن جهود الحكومة لإعادة بناء الجيش الصومالي, وقد تكلفت الحكومة التركية بتغطية تكاليف تلك التدريبات بما فيها تكاليف السفر وتكاليف المعيشة والتدريبات. القاعدة العسكرية التركية في مقديشو قد تساهم في ادخار ميزانية الحكومة التركية بعض الأموال التي كانت تنفقها على تدريب القوات الصومالية مثل تكاليف السفر من وإلى تركيا بالإضافة إلى تكاليف المعيشية لأن تكلفة المعيشة في الصومال أقل مقارنة مع تركيا. والأهم من ذلك, القاعدة العسكرية التركية قد تساعد على تحسين جودة التدريبات التي يتلقاها المجندون لان  التدريبات في البيئة الصومالية والمتطابقة علي بيئة العمل بعد التخرج تعطي للمجندين فرصة أكبر للتدرب على نماذج شبه حقيقية عن عملهم المستقبلي بأيدي خبراء ذوو خبرة وكفاءة عالية مما يحسن جودة التدريبات التي يتلقونها.

توحيد تدريبات القوات الصومالية

من أكبر العراقيل التي كانت تواجه القيادات العسكرية في الصومال في السنوات الماضية توحيد تدريبات القوات الصومالية. التدريبات التي كانت تتلقاها أفراد القوات الصومالية تتم على أيدي مدربين من دول مختلفة حيث تتمتع كل دولة نظام أمني خاص بها, وبعد عودة تلك القوات إلى الوطن كان من الصعب توحيد خبراتهم ومعرفتهم في بوتقة واحد لتستخدم في جهود حفظ الأمن. لذلك, القاعدة العسكرية التركية في مقديشو تساهم في الاستغناء عن تلك التدريبات المختلفة بهدف حصر التدريبات على أيدي القوات التركية لتخريج قوات أمنية متجانسة تؤدي مهامها بالشكل المطلوب.

و في المقابل, تحمل القاعدة العسكرية التركية في طياتها بالسلبيات التالية:

   رفع درجة التنافس بين قوى إقليمية

يشهد  الصومال في الوقت الحالي تنافسا حامي الوطيس بين قوى إقليمية ودولية تتصارع على بسط نفوذها في الصومال لأسباب منها استراتيجية الموقع الجغرافي للصومال,  وقربه من مضيق باب المندب الذي تمر فيه أكثر من ثلثي تجارة العالم. اضف الى ذلك, ان الصومال يقع في منطقة القرن الأفريقي التي تشهد حروبا أهلية وصراعات حدودية بين بعض دول القرن الأفريقي مما يجعلها بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية لزعزعة أمن العالم سيما منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط. لذلك, تضع قوى إقليمية ودولية التواجد في الصومال على سلم اولوياتها خشية من أن يتحول الصومال إلى مصدر لزعزعة أمنها واستقرارها. من جهة أخرى, تحاول بعض الدول بسط نفوذها على الصومال تحقيقا لمصالح اقتصادية من خلال الاستثمار في قطاعات حيوية في الصومال بهدف الحصول على الأرباح وتدعيم اقتصادها القومي.

وعليه, القاعدة التركية في الصومال قد ترفع درجة التنافس بين هذه الدول لاسيما تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين تخوضان حاليا حربا على النفوذ في الصومال, و لكلا الدولتين اوراق مهمة لتوظيفها في هذا التنافس بغية التغلب على الطرف الثاني, و الخاسر الأكبر في هذا الصراع هو الصومال لأنه هو الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى دعم الطرفين.

خلق احتقان داخلي بين الولايات الفدرالية والحكومة الفدرالية

الأزمة الخليجية انعكست سلبا على العلاقة بين الحكومة الصومالية وحكومات الولايات الإقليمية. فقد أصدرت ولاية بونتلاند مؤخرا بيانا أعلنت فيه عن تأييدها لمعسكر الدول المقاطعة لقطر و طالبت فيه الحكومة الصومالية بإعادة النظر في موقفها الحيادي من الأزمة الخليجية. ومن جانبه اتهم رئيس ولاية هرشبيلي المعزول عبدالله عسبلي الحكومة الصومالية بالوقوف وراء سحب برلمان الولاية الثقة منه بسبب موقفه المنحاز لمعسكر الإمارات والسعودية. اضف الى ذلك ناشد أعضاء في البرلمان الصومالي الحكومة الصومالية العدول عن موقفها الحيادي وتأييد الدول المقاطعة لقطر.  ما يعني, أن الدول المناهضة لقطر وحليفتها تركيا لها مؤيدين في داخل مراكز صنع القرار في الصومال. وبالتالي من الممكن أن تمارس تلك الدول الضغوط  على حلفائها المحليين في البرلمان الفدرالي وفي  الولايات الإقليمية  لاسقاط الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس محمد فرماجو عن طريق تقديم مشروع سحب الثقة من الحكومة للبرلمان الفدرالي. وهو تحرك من شأنه خلق حالة من الاحتقان السياسي في الصومال.

وفي سياق آخر من الممكن جدا أن تلجأ الدول المناوئة للتواجد التركي في الصومال إلى الاتفاق مع صوماليلاند بافتتاح قواعد عسكرية لها في أراضي جمهورية أرض الصومال خاصة مع وجود تقارير سابقة تتحدث عن اتفاق بين حكومة صوماليلاند ودولة عربية بتاسيس قاعدة عسكرية تابعة للأخيرة في مطار بربري بأرض الصومال. ما يضع شرعية الحكومة الصومالية على المحك.

الورقة الثالثة التي قد تستخدمها الدول المنافسة لتركيا على الصومال وقف جميع المساعدات المالية والعسكرية والتنموية التي تقدمها للحكومة الصومالية انتقاما من موقف الحكومة الصومالية من القاعدة العسكرية. رغم أن قرار السماح للقاعدة العسكرية التركية هو قرار سيادي لا يحق لهذه الدول التدخل فيه إلا أن السياسة لا تعترف الأخلاق, والمصالح هي التي تحكم علاقات الدول.

القاعدة التركية وقوات الاتحاد الأفريقي

يندرج مهام بعثة الاتحاد الاتحاد الافريقي تدريب القوات الصومالية وهي من المهام التي تتقاضى على أساسه أموالا ضخما من الأمم المتحدة, والقاعدة العسكرية التركية أنشأت لتدريب القوات الصومالية والإفريقية وهو ما يعني مصادرة تركيا لعمل مهمة كانت تقوم به بعثة الاتحاد الأفريقي. ومن المرجح أن مصادرة هذا الدور  لاترسل اشارات ايجابية لقيادات الاتحاد الافريقي بسبب حرمانها من أحد أهم مصادر الدخل للبعثة  وقد يساهم في خفض معنويات قوات حفظ السلام الافريقية المرابطة في أكثر من موقع في الصومال وبالتالي يقوض الجهود المحلية والدولية لمحاربة حركة الشباب بغية تحريرها من المناطق التي تسيطر عليها. وهي جهود مهمة لانجاح عملية إعادة إعمار الصومال وإجراء انتخابات حرة ومباشرة سنة 2021م.

 

زر الذهاب إلى الأعلى