السياسة الحكيمة للرئيس فرماجو

بعد أن تولي الرئيس محمد عبد الله فرماجو سدة الحكم  رسميا مطلع هذا العام، كشف النقاب عن رؤيه سياسية واقعية واستراتيجية واضحة لإدارة المرحلة، ولايجاد حلول ناجعة للمشاكل العالقة، وللتوصل إلى صيغة سياسية توافقية مع المكونات القبلية والمجموعات السياسية الفاعلة في الساحة، وهذه الرؤية تعتمد على الحوار والاقناع، والسعي إلي اقامة دولة المؤسسات، ومحاربة الفساد وعدم التهاون مع المفسدين بالإضافة إلي بناء علاقات خارجية متوازنة تراعي قواعد حسن الجوار والتعاون المشترك، وعدم التدخل في الشؤون الآخرين.

الحوار والإقناع 

لم يترك الرئيس مقالا ولا مقاما الا وحاول التأكيد للشعب أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل الأزمات  والتحديات التي تواجه البلاد، وتقوية الروابط الأخوية بين أبناء الوطن الواحد، والسعي إلي ترسيخ مبدأ المواطنية والتعايش السلمي، لكن في اطار دولة القانون وتحقيق العدالة الناجزة، وتفادي كل ما من شأنه أن يؤدي خلافات داخل الحكومة تضع العصي في دواليب مشروعه الذي يأمل قطاع كبير من الشعب أن يكلل بالنجاح ويحقق تطلعاته إلى الأمن والاستقرار ورغد العيش، والابتعاد كذلك عن كل ما يمكن أن ثير حفيظة أعضاء مجلسي الشعب والشيوخ والأطراف الفاعلة في المشهد السياسي وذلك بهدف تعزيز الثقة، وتجسيد روح التعاون بين أعضاء الحكومة والمؤسسات والوطنية الأخرى ، وخلق أجواء سياسية مستقرة  تكفل للجميع الوقوف بأقدام راسخة  كوحدة متماسكة أمام المشاكل الراهنة والمتغيرات التي قد تطرأ في المشهد السياسي بالبلاد، وهذه السياسة الحكمية كانت جلية في كل خطاباته ولقاءاته المختلفة التي أجراها مع  السياسين وأعيان وشيوخ العشائر الصومالية سواء في القصر الرئاسي أو خلال زياراته إلى بعض الأقاليم، كما لعبت هذه السياسة دورا مهما في أكساب الرئيس  مزيدا من التأييد والتعاطف، بل وشجعت بعض القوى إلى  تغيير مواقفها السلبية تجاه الرئيس وحكومته والتغيير الذي حصل في البلاد. ويتوقع كثير من المراقبين أن تتجلى هذه السياسة الحكيمة ايضا في مواقفه حيال الصراع القبلي الدائر في بعض اقاليم البلاد مثل: محافظات شبيلي السفلى، وهيران وشبيلي الوسطى، وجلمدع ، وسول وسناغ؛ لأن إنهاء هذه الصراعات التي طال أمدها تتطلب إلي الحياد والجدية ، وعدم سوء استخدام سلطة الدولة بغية تمرير اجندات فئوية وقبلية.

دولة المؤسسات 

كان أول قرار اتخذه الرئيس محمد عبد الله فرماجو بعد انتخابه رئيسا للبلاد إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة وتقنينها وتنقيتها من العناصر الفاسدة وغير المؤهلة لحمل الأعباء، عبر تطبيق مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب،  ورفض سياسة الولاء قبل الكفاءة ، وتعيين المناصب على حساب الانتماء وليس على أساس معيار الكفاءة والخبرة والقدرة، وهذه الخطوة فتحت نافذة أمل للصوماليين وللمراقبين على حد سواء، وكانت تمثل مؤشرا قويا على أن الرجل مصمم على خوض معركة دولة القانون حتى النهاية،  ووضع قواعد راسخة وثابتة لها من خلال تشجيع العمل المؤسسي، والقيادة بالقدوة، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات ، وتوسيع دائرة الحكم ورفض تجميع  السلطات في ايدي الرئيس وتنصيب نفسه دكتاتورا مطلقا.

عدم التفرد بالسلطة

العمل الجماعي.. والوطن يتسع للجميع  باتت سياسة ثابتة للرئيس، وثقافة راسخة لمعاونيه، اعتقادا منه باستحالة أن يتفرد شخص كائنا من كان بالسلطة واقصاء الخصوم السياسين عبر طرق غير مشروعية وغير قانونية، وأن من تسول نفسه ذلك لا تقوده إلا الهلاك والسقوط المدوي وبالتالي قرر ضم حكومته شخصيات من كل التيارات السياسية والدينة والثقافية من دون أقصاء أحد وهذا الأمر ساعد الرئيس ورئيس وزرائه تمرير العديد من المشروعات والتشريعات القانونية أمام البرلمان بشكل سلس ودون عراقل تذكر.

 محاربة الفساد 

قرر الرئيس فرماجو منذ البداية محاربة الفساد وعدم التهاون مطلقا مع االمفدسين وملاحقتهم في المحاكم والقضاء بصرف النظر عن حجم هذه الفئة وقوتها داخل أروقة الدولة وخارجها، وأعلن ذلك أمام الملأ، بهدف القضاء على  الوضع السياسي والاقتصادي المزري الذي ورثه من سلفه وقطع دابر المفسدين ، وبعد أكثر من 6 أشهر من توليه مهام حكم البلاد نجح الرئيس  في اتخاذ إجراءات مهمة لمحاربة الفساد ساهمت في انخفاض حجمه وتدمير بؤره في الوزارات وفي المؤسسات الحكومية الأخرى ولا سيما المؤسسات الأمنية.

علاقات خارجية متوازنة 

قام الرئيس خلال الأيام الأولى في حكمه بزيارات خارجية شملت معظم الدول المهتمة بالشؤون الصومالية والداعمة لها ولا سيما الدول الإقليمية الكبرى. زار  كينيا، وإثيوبيا، وجيبوتي، وأوغندا، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، وتركيا، وبريطانيا وأوفد رئيس وزرائه إلى قطر وذلك بهدف تعزيز  وتطوير العلاقات مع هذه الدول الشقيقة والصديقة، وطمأنتهم واطلاعهم الأهمية القصوى التي تولي حكومته بتقوية العلاقات مع هذه الدول، والالتزام بالاتفاقيات التي ابرمتها مع الحكومة السابقة. هذه الزيارات  تكللت بالنجاح وحققت أهدافها، حيث بددت شكوك بعض الدول تجاه رؤية وتوجهات الرئيس ومشروعه القومي وساهمت في اقناعها بمواصلة دعمها للصومال في كافة المجالات والوقوف إلى جناب الشعب الصومالي في تحقيق تطلعاته نحو الأمن والاستقرار، حيث تعهدت بعض الدول كالمملكة العربية السعودية  ودولة الإمارات بتقديم مساعدات مالية كبيرة للحكومة لإعادة بناء  مؤسسات الدولة وتطوير البنى التحتية.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى