الأزمة السياسية في جلمدغ.. هل نجح الجنرال غلال فيما فشل فيه الآخرون؟

التمهيد

فاجأ الجنرال محمد نور غلال القائد السابق في الجيش الصومالي الجميع بإعلانه مؤخرا عن نجاح مهمة قام بها لتقريب وجهات النظر بين ولاية جلمذع وتنظيم أهل السنة المتنازعين على إدارة الأقاليم الوسطى، وتوصل الطرفان إلى اتفاق مبدئي يقضي بتقاسم السلطة وتوحيد مؤسسات الإدارتين. ولكن نفى كل من تنظيم أهل السنة وحكومة ولاية جلمدغ توصل الطرفين إلى أي اتفاق تحت وساطة محمد نور غلال، رغم اقرار رئاسة ولاية جملذغ بوجود لقاء جمع بين الجنرال غلال و رئيس الولاية أحمد حاف في مدينة عدادو، ولكنها تعتبر الاجتماع لقاء عاديا لتبادل وجهات النظر بين المسؤولين.

خلفية الأزمة

تعود جذور النزاع علي السلطة بين ولاية جلمدغ وتنظيم أهل السنة إلى ما قبل ولادة ولاية جلمدغ الحالية,عندما كانت تتقاسم ادارة الاقاليم الوسطى كل من حمن وحيب وجملدغ ذوات الطابع القبلى، وتنظيم أهل السنة والجماعة المنبثق عن تيار الطرق الصوفية في الصومال.بينما كان الدافع الرئيسي لتأسيس ادارتي حمن وجيب وجلمذغ لتحقيق اهداف قبلية، فإن تشكيل تنظيم أهل السنة كان وراءه دافع فكرى وهو محاربة حركة الشباب المجاهدين دفاعا عن أضرحة ومزارات الطرق الصوفية في المنطقة، والتي كانت تتعرض للهدم والنبش من قبل ميليشيات حركة الشباب. و الإنتصارات التي حققها مقاتلو التنظيم في حروبهم ضد ميليشيات الحركة ساهمت في سطوع نجم التنظيم، إلى أن تحول إلى قوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها في الساحة السياسية الصومالية.

في الفترة التي تلت تأسيس تنظيم أهل السنة كانت الأقاليم الوسطى منقسمة إداريا لهذه الكيانات الثلاثة(حمن وحيب,جلمدغ وتنظيم أهل السنة) حيث كان يدعي كل منهم الأحقية في تمثل سكان الأقاليم الوسطى.وعندما بدأت إجراءات تشكيل ولاية جلمذع تحت رعاية الحكومة الفدرالية سنة 2014م، رفض تنظيم أهل السنة بالانضمام إلى تلك الجهود، والمشاركة في تأسيس الولاية الجديدة. بل قام بتشكيل إدارة خاصة به في الأقاليم الوسطى، وعاصمتها مدينة طوسمريب حاضرة ولاية جلجدود. جميع الوساطات التي قامت بها الحكومات الصومالية لإقناع التنظيم في الوحدة مع ولاية جلمدغ باءت بالفشل، ويعود السبب حرص التنظيم على أخذ نصيب الأسد من المناصب السياسية والعسكرية في مؤسسات الولاية، ومنها الاستحواذ على أكثر من نصف مجلسي التنفيذي والتشريعي بالإضافة إلى رئيس البرلمان ونائب رئيس الولاية، وهو ما كانت ترفضه رئاسة الولاية باستمرار لأسباب منها أن تقاسم السلطة في الولاية يتم عن طريق القبائل وليس عن طريق التنظيمات.

كان يري العديد من الخبراء أن العداء الشخصي بين رئيس الولاية السابق عبدالكريم جوليد وقيادات تنظيم أهل السنة له دور في فشل الوساطات السابقة، ولكن قيادات تنظيم أهل السنة لم تستجب بوساطة الحكومة الفدرالية حتى بعد استقالة عبدالكريم ورحيل حليفه الرئيس السابق حسن شيخ محمود من سدة الحكم، و مصرة على مواقفها السابقة لاستئثار السلطة في الولاية.

ما الجديد في وساطة الجنرال غلال؟

محمد نور جلال قائد عسكري مخضرم تقلد سابقا منصب رئيس اركان الجيش الصومالي، وينحدر من ولاية جلمدغ, والاحترام الذي يحظى به من الطرفين يؤهله للقيام بدور الوساطة في حل النزاع ، إلا أن هناك عنصرين اديا الى فشل جهوده قبل بداية مهمته الحقيقية. اولا، الجنرال محسوب على تنظيم أهل السنة، و متهم بالانحياز للمواقف السياسية للتنظيم، وهو ما يضعف القبول الذي يحظى به من قبل حكومة ولاية جلمذغ كوسيط محايد ونزيه. ثانيا، إعلان الجنرال غلال توصل الطرفين إلى اتفاق بعد ساعات من مجيئه إلى الولاية أثر سلبا على مصداقيته للقيام بدور الوساطة لأنه كان من المفترض أن يلتقي مع جميع الأطراف المؤثرة في القضية قبل الإعلان عن الانتصار.

أما من ناحية المحتوى، فإن الفكرة التي يحمل بها الجنرال غلال تعترف بأن ولاية جلمدع برئاسة الرئيس أحمد حاف هي الممثل الشرعي الوحيد لسكان المنطقة، وهو تطور إيجابي، وتدعو الطرفين إلى تقاسم السلطة بالمناصة. ويقترح الجنرال غلال على الطرفين النقاط التالية:

  • توحيد برلمان الإدارتين، وانتخاب مسؤول من طرف تنظيم أهل السنة رئيسا للبرلمان.
    تقاسم الطرفين الجهاز التنفيذي للولاية مناصفة بالكم والكيف.
  • اعتراف تنظيم أهل السنة بشرعية الر ئيس أحمد حاف، وتقلد مسؤول من التنظيم منصب نائب الرئيس
  • توزيع مقار الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضاء على ثلاثة مدن رئيسية في الولاية، وهي: احتضان مدينة عدادو مقر البرلمان، ومقر الحكومة في مدينة طوسمريب، بينما تحتضن مدينة عبودواق مقر الجهاز القضائي.

اقتراحات الجنرال جلال قريبة من مواقف تنظيم أهل السنة، ولكنها تختلف، اولا تقر اقتراحات الجنرال غلال بشرعية ولاية جلمدغ ومؤسساتها، بينما لا يعترف تنظيم أهل السنة بشرعية بولاية جلمذع و يعتبر نفسه الممثل الوحيد لسكان الأقاليم الوسطى. ثانيا، بينما يقترح الجنرال غلال دمج مؤسسات التنظيم مع مؤسسات ولاية جلمدغ، يصر التنظيم على انضمام الطرف الآخر له. ثالثا، في المفاوضات الاخيرة بين الولاية وتنظيم أهل السنة في شهر أبريل 2017 كان يطالب تنظيم أهل السنة بنسبة 60% من أعضاء البرلمان، بينما يقترح الجنرال غلال بتقاسم أعضاء البرلمان مناصفة 50% لكل من الطرفين.

موقف الطرفين من وساطة الجنرال غلال

في مؤتمر صحفي عقده في مدينة عدادو لم ينف وزير الإعلام في حكومة جلمذع محمود عثمان توصل الطرفين إلى اتفاق فقط، بل نفى تفويض الطرفين للجنرال في الوساطة بينهما. رغم أن الوزير اعترف بلقاء الجنرال غلال مع الرئيس أحمد حاف وطرحه عليه رؤيته حول انهاء الخلاف إلا أنه اعتبر تلك المقترحات مجرد آراء شخصية للجنرال يحتفظ الرئيس حاف حق القبول أو الرفض بها.

ومن جهته، نفى الناطق باسم تنظيم أهل السنة مرسل حيفو بوجود أي وساطة بين الولاية والتنظيم برعاية من الجنرال غلال. وبالتالي ردود أفعال الطرفين من تصريحات الجنرال غلال ينذران بنهاية مهمة الجنرال غلال. و من الواضح أن الحرب الدائر حاليا في أكثر من جبهة في الولاية لا يساعد ايضا نجاح مهمة الجنرال غلال. تتمثل الجبهة الأولى قرية حرالي حيث تجري مواجهات عسكرية بين مليشيات قبلية تابعة لسكان القرية وميليشيات من تنظيم أهل السنة، وتمكنت المليشيات المحلية من التصدي لهجمات متكررة شنته مليشيات تنظيم أهل السنة لبسط سيطرتها على القرية. بينما تتمثل الجبهة الثانية القتال الدائر في قرية مرير غور بين مليشيات تابعة لولاية جلمدغ، وأخرى تدين بالولاء لتنظيم أهل السنة. لذلك، يأتي وفق الحروب الدائرة في أولوية الحكومة الصومالية، وكل الأطراف الأخرى قبل البدء بأي وساطات بين الطرفين بهدف توحيد الإدارات المتنازعة على الولاية تحت سقف إدارة واحدة. وهي مهمة ليست سهلة بالنجاح فيها سيما من الجنرال غلال المحسوب على تنظيم أهل السنة رغم تمتعه باحترام الجميع كقائد صومالي معروف بالإخلاص وحب السلام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى