الأزمة السياسية في ولاية هرشبيلي.. الأسباب والنتائج

التمهيد

تقع ولاية هيرشبيلي في جنوب الصومال وتتكون من إقليم شبيلي الوسطى وهيران, وتحدها من الشمال ولاية جلمدع, و مقديشو من الناحية الجنوبية، بينما تمتد أراضي الولاية الى الحدود الصومالية الإثيوبية من الناحية الغربية. وتسود حالة من التعايش السلمي بين القبائل في السنوات الأخيرة.

وقد تأسست ولاية هرشبيلي في شهر أكتوبر ٢٠١٦م في مؤتمر عقد بمدينة جوهر شارك فيه ممثلون من جميع القبائل القاطنة في الولاية, حيث اختارت الوفود المشاركة في المؤتمر أعضاء البرلمان والذين بدورهم انتخبوا علي عبد الله عسبلي رئيسا للولاية. وبعد أقل من سنة من توليه لهذا المنصب، صوت يوم امس اعضاء برلمان الولاية بأغلبية كبيرة سحب الثقة من الرئيس عبدالله عسبلي وهو ما أدخل الولاية حالة من الاحتقان السياسي قد تعطل الجهود الدولية والمحلية لبناء مؤسسات الولاية لتلتحق بركب الولايات الأخرى كونها احدث ولاية من الولايات الصومالية الخمسة.

أسباب الأزمة

بدأت الأزمة قبل ستة أشهر  بعد أن اتهم أعضاء في برلمان الولاية الرئيس عبدالله عسبلي بالتقاعس عن أداء واجبه وبدؤوا بتجميع توقيعات لسحب الثقة منه ولكن وساطات من جهات متعددة نجحت في وقف مشروع سحب الثقة ، قبل أن يتجدد مرة أخرى بعد أن عبر مؤخرا بعض النواب نيتهم بتقديم مشروع لسحب الثقة  للبرلمان,  وبينما يحاول الرئيس عسبلي في احتواء الأزمة والتفاوض مع البرلمانيين المطالبين بسحب الثقة منه،  تقدم في الثالث عشر من شهر اغسطس الجاري  13 وزيرا في الحكومة استقالتهم، وهو ما شجع النواب المطالبين بسحب الثقة المضي قدما في محاولتهم، وبالفعل بعد ساعات من استقالة الوزراء تم تسليم مذكرة تحتوي على التهم الموجة للرئيس الى نائبة رئيس البرلمان السيدة عنب عيسى , وصوت النواب في 14 من أغسطس 2017م بأغلبية كبيرة بسحب الثقة من الرئيس.

وهناك ثلاثة نقاط يجب التوقف عندها قبل النقاش في الاسباب التي ادت الي اقالة الرئيس عسبلي: أولا, لم تعط رئاسة البرلمان النواب الفرصة الكافية للنقاش في التهم الموجهة للرئيس كما ينص الدستور، ولم تعط للرئيس عسبلي الوقت الكافي للدفاع عن نفسه. ثانيا: وقد قررت السيدة عنب عيسى في تصويت النواب علي سحب الثقة من الرئيس في وقت يغيب كل من رئيس البرلمان الشيخ عثمان بري والنائب الأول لرئيس البرلمان بالاضافة الى الرئيس عسبلي من الولاية. وثالثا: يتكون برلمان الولاية من ١١٧ عضوا وقد حضر في الجلسة ٧٨ عضوا فقط، اذا السؤال المطروح هو: أين هو العدد المتبقي النواب؟. كل هذه النقاط تعطي مؤشرا بأن أهدافا سياسية قد تكون وراء سحب الثقة عن الرئيس.

ومن جهتهم يدعي النواب المناهضين للرئيس أن السبب الرئيسي وراء سحب الثقة هو أن الرئيس لم يتقاعس عن اداء واجباته فقط بل اتخذ مدينة مقديشو مقرا له بدلا عن جوهر، وبالتالي فشلت حكومته في إحراز أي تقدم يذكر منذ تأسيسها رغم الدعم المالي السخي من الدول المانحة، وهي تهمة تشاطرها  شريحة واسعة من سكان الولاية المتطلعين الى مستقبل افضل، وحكومة قوية تقدم لهم الخدمات الاجتماعية التي هم في أمس الحاجة إليها.

ويدعي النواب الذين صوتوا سحب الثقة من الرئيس أن الرئيس أخذ من الوقت ما يكفي, و مشروع سحب الثقة لم يكن وليد الصدفة, بل كان هناك أكثر من محاولة لسحب الثقة تم وقفها في الاشهر الماضية لاعطاء الفرصة له ولكن الرئيس عسبلي لم يحرك ساكنا لتغيير سلوكياته والقيام بالمهام المنوطة به، ونتيجة لذلك فلم يكن أمامهم سوى سحب الثقة منه لافساح المجال لشخص آخر أكثر كفاءة منه ليتولى رئاسة الولاية.

تداعيات الأزمة

واما من ناحية تداعيات الأزمة, اولا: سحب الثقة من المسؤولين ليس جديدا في السياسة الصومالية وكانت السمة البارزة للبرلمان الفدرالي قبل ان تنتقل عدوته الى الحكومات الولائية، وليس حقا دستوريا لمحاسبة المسؤولين فحسب بل هي فرصة لصناعة المال وتصفية الحسابات، وليس مستبعدا أن مصالح سياسية ومالية وراء إقالة الرئيس علي عبدالله عسبلي ولكن ما حدث يوم أمس في جوهر يعطل الجهود الداخلية والدولية الهادفة إلى بناء حكومات ولائية قوية تقدم للمواطنين الخدمات التي يحتاجون إليها بدلا عن الحكومة المركزية. ويدخل الولاية حالة من الأزمة السياسية لأن الرئيس عسبلي عاد إلى جوهر، واعتبر اقالته اجراء غير دستوري ما يعني ان كلا الجانبين يستعدان لخوض معارك سياسية قادمة قد تطيل امد الازمة.

التوصيات

وبناء علي العدد الكبير من النواب الذين صوتوا لصالح سحب الثقة من الرئيس عسبلي، وتأييد رئيس برلمان الولاية الشيخ عثمان بري بالاقالة،  فضلا عن الغياب المتكرر و غير المبرر للرئيس عن الولاية، يبدو أن الحكمة تقضي بقبول الرئيس قرار إقالته بهدف تجنيب الولاية مزيدا من الاحتقان لكي يتفرغ المسؤولون في الولاية معركتهم الحقيقية وهي بناء مؤسسات حكومية تحقق طموحات الشعب.

وثانيا: وفقا لدستور الولايات، فان الولايات الإقليمية مستقلة في اتخاذ قراراتها الداخلية ما يمنع الحكومة الفدرالية من التدخل فيها، ولكن في الأزمة الحالية في ولاية هيرشبيلي تتطلب من الحكومة بذل مزيد من الجهد لتقريب وجهة نظر الطرفين للخروج من الأزمة، لأن هناك أكثر من ملف تحتاجها الحكومة الفيدرالية الولايات الإقليمية ومنها ولاية هرشبيلي لإنجازه في اسرع وقت ممكن بغية إجراء انتخابات مباشرة سنة ٢٠٢١، منها الانتهاء من كتابة الدستور، وتشكيل قوات مسلحة تتكون من جميع مكونات الشعب، فضلا عن ترسيم حدود الأقاليم والولايات كشرط من شروط تنظيم الانتخابات, كل هذه الملفات وغيرها تتطلب من الحكومة الفدرالية بالتدخل بصورة ايجابية للخروج من الأزمة السياسية في ولاية هرشبيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى