كيف يتجاوب العالم مع أزمة المجاعة في الصومال؟

تجتاح  مناطق واسعة من الصومال هذه الأيام موجات جفاف ومجاعة  هي الأولى من نوعها منذ عقود نتيجة عدة عوامل  من بينها التغيرات المناخية وعدم هطول الأمطار لثلاثة مواسم متتالية، بالإضافة إلى ضعف المؤسسات الحكومية التي تعجز عن توفير الإمكانيات اللازمة لمواجهة الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية، وهناك توقعات باستمرار حالات الجفاف لعدة شهور قادمة ما لم تهطل أمطار الربيع (غو) الذي  يبدأ عادة مطلع شهر أبريل.

حجم المجاعة :

ضربت  موجات الجفاف  والمجاعة مناطق  تقدر بـ 637,000km ، وأدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة ستبقى آثارها لفترة طويلة ، وباتت حياة نصف سكان الصومال (10ملايين نسمة) من بينهم أكثر من 3  ملايين طفل مهددة بسبب المجاعة، وبحسب تقرير للجنة الوطنية لمواجهة الجفاف ومقرها في مقديشو  أصبح أكثر من 6 ملايين بحاجة ماسة إلى الغذاء والمياه.

وتسببت المجاعة أيضا إلى نفوق أكثر من 70٪ من  المواشي في البلاد.

 لا توجد حتى الآن احصائية دقيقة عن عدد الوفيات جراء المجاعة والجفاف في الصومال  الا أن تقريرا للجنة الوطنية لمواجهة الجفاف يؤكد  على وفاة 1656  شخصا بسبب المجاعة وتبعاتها، فإن 1630 منها   لقوا حتفهم بسب  مرض الكوليرا الذي اندلع الاقاليم الجنوبية  لا سيما في محافظتي باي وباكول اللتين تعدان من أكثر المناطق تضررا بالمجاعة  في حين مات الباقون    نتيجة الجوع والعطش في  مناطق بإدارة جوبالاند جنوب البلاد،  منها مديريات “سلغلي” و”بوآلي” و”سكاو” في محافظة جوبا الوسطى،  و”جربهاري” في جذو.

في هذا الأثناء تشهد المناطق التي تتعرض لموجة المجاعة عمليات نزوح كبيرة نحو المدن الكبرى وإلى الدول المجاورة بحثا عن الماء والطعام بعد أن فقدوا جميع ما كانوا يملكون، وفرارا من مصير  بعض ذويهم الذين لقوا حتفهم  جراء المجاعة والأمراض، وتقدر بعض التقارير الأعداد التي نزحت من هذه المناطق أكثر من 1.3  مليون شخص.

 الجهود الحكومية والدولية 

 شرعت  الحكومة الاتحادية منذ بداية أزمة المجاعة منتصف العام الماضي  في اتخاذ قرارات عاجلة  لمواجهة الأزمة واحتواء الأضرار الناتجة  عنها، وأعلنت عن تشكيل “الـلجنة الوطنية الوطنية لمواجهة الجفاف” الا أن  حجم الكارثة التي كانت تتسع دائرتها بشكل سريع، وقلة الامكانيات، وانشغالها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتأليف حكومة جديدة، حالت دون تحقيق انجازات كبيرة في هذا الإطار ، وظل دورها مقتصرا على توجيه نداءات استغاثة إلى العالم، كما قامت بتنظيم لقاءات واجتماعات محلية ودولية لتقيم الوضع وجمع التبرعات.

 وفيما يتعلق بالجهود الدولية، فإن ما تم به القيام به حتى  الآن  لا يتناسب مع حجم الكارثة ولا يلبي احتياجات المنكوبين، بل شكل خيبة آمل كبيرة  للشعب الصومالي الذي كان يتوقع دعما عاجلا من المجتمع الدولي لاسيما من أشقائه العرب . كانت الأمم المتحدة  والمنظمات  التابعة لها سباقة في  لفت انظار العالم إلى أزمة المجاعة التي كانت  تطل برأسها على الصومالين، وحذرت من وقوع مجاعة حقيقة في الصومال خلال عام 2017 .  وزار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس،  في شهر مارس  الصومال من أجل حشد المجتمع الدولي لإنقاذ الصوماليين من المجاعة.

لم يلب هذه النداءات سوى عدد قليل من الدول، أبرزها تركيا والكويت والأردن. قامت هذه الدول بإرسال طائرات عسكرية وسفن محملة بالمواد الغذائية والطبية إلي الصومال. زار نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قايناق العاصمة مقديشو ، الأحد الماضي من أجل لفت انتباه العالم للوضع الانساني في الصومال،  وسلم نظيره الصومالي، مهد أحمد جوليد، معدات بناء ومحركات كهربائية بقيمة 20 مليون دولار.

وأما قطر والسعودية والإمارات فأكتفت بمضاعفة مساهماتها من خلال منظماتهم الخيرية التي كانت تعمل في البلاد منذ سنوات.

تعتبر  بريطانيا الدولة الغربية الوحيدة التي أبدت تضامنها مع الصومال فأرسلت وزير خارجيتها بوريس جونسون  الذي وعد بملايين الجنية الاسترليني لدعم الصومال في مواجهة كارثة الجفاف وتنظيم مؤتمر دولي حول الأزمة في لندن منتصف هذا العام.

 الميزانية المرصودة 

ووفقا لتقرير اللجنة الوطنية لمواجهة الجفاف، تقدر الميزانية التي تم رصدها حتى الآن لمواجهة الجفاف  بحوالي مليون دولار ونصف  تم جمعها من المواطنين الصومالين في الداخل والمهجر.

الميزانية المتوقعة 

أما الميزانية المتوقعة تقدر بـ 125 من بريطانيا وحوالي  10 ملايين من هولندا و2 مليون من الكويت بالإضافة الي21 مليون من حملات الصوماليين في الداخل والخارج، بحسب تقارير لوكالات الأنباء.

 أعلنت بريطانيا نهاية شهر فبراير الماضي  بتقديم أموال إضافية إلى جنوب السودان وإلى الصومال، وعدت  بـ (125 مليون دولار) لكل منهما في 2018/2017 بالإضافة إلى المساعدات القائمة بالفعل.

وفي هولندا كشفت  الحكومة عن جمع  حوالي  30 مليون يورو لدعم الدول التي تتعرض للمجاعة في اليمن وأجزاء في أفريقيا، وهناك توقعات بإرسال جزء كبير من هذا المبلغ إلى الصومال.

وكذلك أطلقت منظمات كويتية حملات تبرع تهدف الي جمع  حوالي 2 مليون دولار لحفر آبار ارتوازية في القرى الصومالية لتلبية احتاجاتهم بالكامل لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

اما داخليا فيتوقع ان تتمكن اللجنة الوطنية لمواجهة الجفاف من جمع حوالي 21 مليون دولار.

الخلاصة

لمواجهة المجاعة في الصومال  ينبغي أن تتركز جهود الإغاثة على ثلاثة محاور:

المحور الأول: الصعيد الإغاثي العاجل ويجب أن يتم تغيير  الأسلوب الحالي المعتمد على توزع الأموال على المحتاجين نقدا بنظام آخر  يتركز على تزويد المتضررين من الجفاف بما يحتاجونه للغذاء والمياه مباشرة، وهذا لا يتحقق الا عبر  فتح جسر بحري وجوي اغاثي إلى مواني المناطق التي ضربها الجفاف .

 والمحور  الثاني هو تنفيذ مشاريع تنموية في الأقاليم الأكثر تغرضا للجفاف والمجاعة وخصوصا في قطاعات المياه ، والزراعة، والصحة.

  والمحور الثالث هو دعم الحكومة الصومالية وتعزيز قدرات مؤسساتها المدنية لتكون قادرة على أداء واجباتها ازاء شعبها بأكمل وجه.

زر الذهاب إلى الأعلى