اتفاقية التعاون المائي بين جيبوتي وإثيوبيا

أعلنت جيبوتي وإثيوبيا عام 2015م عن مشروع ضخم يتمثل في إنشاء رابط مائي بين البلدين حيث وقعت حكومتا إثيوبيا وجيبوتي على اتفاقية صدقها البرلمان الإثيوبي تقتضي نقل 100 ألف متر مكعب يوميا من المياه الجوفية العذبة من حقول آبار وواحات في الإقليم الصومالي التابع للسلطة الاثيوبية الى جمهورية جيبوتي عبر أنابيب ضخمة مجانا وبدون مقابل لمدة 30 عاما . وقد أثارت هذه الاتفاقية مخاوف الأحزاب المعارضة في جيبوتي ودفعت عددا كبيرا من نواب الجمعية الوطنية إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة نظرا للتكلفة المادية المبالغ فيها التي قدرت مبدئيا ب 322 مليون دولار ويخشى أن يرتفع سقفها في نهاية المشروع.

فكرة المشروع.

بدأت قصة هذا الرابط المائي عام 2011م حين انفجرت عيون مائية عذبة  نتيجة أعمال حفر تقليدية قامت بها آليات حفر الآبار الارتوازية كانت تعمل لصالح  برنامج استنهاض التنمية في الريف الإثيوبي وتبين للخبراء الأجانب فيما بعد بوجود مستودعات هائلة من المياه الجوفية النقية في  منطقة من الإقليم الفيدرالي الصومالي شرق إثيوبيا فأعلنت جيبوتي رغبتها في استغلال هذه المياه واستعدادها التام  لتحمل التكلفة المادية لإقامة هذا المشروع ودخلت في مشاورات مع الجانب الإثيوبي لإبرام اتفاقية للتعاون المائي بين البلدين انتهت مراحلها الأخيرة بتصديق البرلمان الإثيوبي عليها عام 2014م

حجم المياه الجوفية في هذه المنطقة.

  لمعرفة حجم هذه المياه الجوفية تزعم الشركات الصينية العاملة في المشروع بأنها قامت بدراسات جيولوجية أوضحت وجود مخزون هائل من المياه الجوفية العذبة في هذه المنطقة وبحسب هذه الدراسات فإن هذه المستودعات المائية  تشكلت من مياه الأمطار المتساقطة على هضبة الحبشة والتي تنساب منها على هيئة سيول  تتسرب إلى باطن الارض  ولكن وجود رأس قاطع للطبقات  يعترض على مسيرة هذه المياه مما يعمل على حجزها  ويرفع من منسوبها بعد أن أصبح بالنسبة لها  (سدا باطنيا ) يؤدي إلى تجمعها و يعوق سيرها  مما يشكل خزانا طبيعيا للمياه في هذه المنطقة تتدفق منه المياه إلى سطح الأرض تدفقا طبيعيا.

نقل المياه بواسطة أنابيب تحت الأرض.

يستند هذا المشروع على نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة تدفن في الأرض  يبلغ قطر كل منها (1)متر  و طولها (7)أمتار  وتبلغ المسافة التي يجري فيها هذا الرابط المائي  358 كيلومتر من حقول آبار  وواحات ببلدة جابيّ (Gaby ) التابعة لمديرية هطاغالي (Hadha-Gaale) بمنطقة سيتي(Siti ) التابعة للإقليم الصومالي الفيدرالي شرق إثيوبيا بحيث من المقرر أن تصل كمية السحب يوميا (200) ألف متر مكعب من المياه العذبة من (28) بئر  بعمق  (500) متر  ومن المقرر أن تصل الكمية التي يتم نقلها يوميا إلى جيبوتي كمياه شرب واستعمال منزلي. إلى(100( ألف متر مكعب فقط . بينما تخطط الحكومة الإثيوبية أن تصرف الكمية المتبقية من المياه  على مشاريع زراعية محلية وعلى القرى المحيطة بالمنطقة . وتستغرق رحلة هذه المياه المنقولة من حقول الآبار في اثيوبيا الى وحدات التخزين والاستيعاب في جيبوتي مدة يومين بسرعة (0,50( متر/ثانية .

شح الموارد المائية في جيبوتي.

تعتبر جيبوتي من الدول التي  تعاني من شح في الموارد المائية، وتعتمد اعتمادا كليا على المياه الجوفية العميقة التي تُضخ من مجموعة حقول آبار ارتوازية، في وادي حنبلي  (Xunbuli ) وفي منطقة دايداي (Daay-Daay) بعمق (300) متر بسبب قلة الأحواض المائية السطحية، ونذرة هطول الأمطار، و على الرغم من أنّه لا خوف من نضوب المياه الجوفية في جيبوتي إلا أن كميات المياه التي مازالت قابعة في الصخور على شكل مياه جوفية كميات محدودة تكمن مشكلتها في  أنها غير  قابلة للتجديد،  أي أنّ الأحواض المائية لا تمتلك القدرة على تجديد نفسها، فمن المستحيل إعادة تغذية الأحواض الجوفية كما كانت في السابق لأن ذلك كان قد  تطلب  أكثر من عشرة ألف سنة حتى تتشكل هذه الأحواض المائية على حالتها الراهنة بفعل مناخ كان أكثر رطوبة.

مؤشرات العجز المائي في جيبوتي.

تتعرض الأحواض المائية  في جيبوتي لاستغلال مفرط ، واستنزاف شديد من جراء الحاجة المتزايدة وغياب سياسات واضحة في ترشيد الاستهلاك، وتدل المؤشرات أن جيبوتي العاصمة وحدها بلغت مستويات قياسية في استهلاك الماء، وتصل الكميات التي يتم سحبها يوميا  من هذه الأحواض الجوفية 50 ألف متر مكعب ومع ذلك تعاني المدن الكبرى عجزا مائيا كبيرا في اوقات الصيف .

وتخشى الحكومة من أن يتفاقم هذا العجز المائي  في المستقبل خاصة وأن الحاجة إلى هذه المادة ستتضاعف في عشر السنوات القادمة عندما يبلغ استهلاك الماء أقصاه في حدود عام 2020م نظرا إلى وطأة الطقس الحار، وظروف التوسع السكاني، وتزايد أعداد القوات الأجنبية ذات التواجد والتمركز العسكري في جيبوتي. وتأتي رغبة الحكومة  في الحصول على مصادر مائية جديدة والدخول في مفاوضات مع الجانب الإثيوبي لتأمين احتياجاتها المائية، بناءاً على دراسات جدوى قارنت فيها تكاليف استيراد المياه بأنابيب تحت الأرض بباقي الحلول المطروحة مثل التحلية والتوفير.

الميزانية والتمويل.

تصل تكاليف استيراد الماء  بواسطة أنابيب  تحت الأرض  التي” لا تضم ثمن الماء”  إلى (322 مليون دولار)  ويشمل هذا المبلغ تكاليف إنشاء أنظمة التشغيل الذاتي، وإقامة محطات لاستيعاب الماء قبل ضخها الى شبكة المياه في أربعة مدن رئيسية في جيبوتي هي جيبوتي العاصمة، ومدينة علي صبيح ،ومدينة عرتا، ومدينة دخل .ولتدبير هذا المبلغ تقدمت جيبوتي بطلب قرض بفائدة 5% من  البنك الصيني (Chiba Exile bank ). لمدة عشرين عاما .

بداية عمل المشروع

قام الرئيس إسماعيل عمر جيلة تدشين هذا المشروع الضخم 25/مارس 2015م  في مدينة على صبيح وسط احتفالات مبهجة  وبحضور وفد رفيع المستوى من الحكومة الإثيوبية  وأطلقت الشركات الصينية المتخصصة في نقل المياه الجوفية أعمالها التمهيدية نفس هذا اليوم تزامنا مع اليوم العالمي للماء وقدمت تعهدات بتنفيذ المشروع في غضون سنتين ونصف من هذا التاريخ.

الشركات المنفذة للمشروع.

شركة مصلحة مياه جيبوتي (ONEAD) وتتولى الشؤون الإدارية ومراقبة المواصفات وتحرص التواجد في ميدان العمل خاصة في منطقة حقول الآبار.

الشركة الصينية … ويقع على عاتقها 90%من  مهام المشروع  أعمال الحفر ومد الأنابيب وإقامة المنشآت الهندسية ومحطات تخزين المياه

شركة ماي السويسرية المتخصصة في نقل المياه الجوفية  ويقتصر عملها  في تركيب التكنولوجية المتطورة وأنظمة الدفع الذاتي وأنظمة التحكم والاستشعار عن بعد.

د. عبد الله قمني آدم

مدرس اللغة العربية في جامعة جيبوتي ومقيم في جيبوتي، وله مقالات وتقارير وابحاث باللغة العربية
زر الذهاب إلى الأعلى