المراة الصومالية وصمتها الثقافي

لم تكن المجتمعات العربية مجتمعات مرنه ومتقبلة و متسامحة   فيما يخص المراة   عموماً حتى في أزمنة متأخرة ، فابحكم طبيعتها الذكورية الصرفة أبقت تلك المجتمعات  المراة في أدوارها الثانوية ، والحيلولة دون الإعتراف بأدوارها المحورية في مجتمعاتها ، والمجتمع الصومالي هو جزء من ذلك المجتمع العربي الأكبر  مع خصوصيته الأفريقية ، وقد لا نبالغ عندما نصف المجتمع الصومالي بأنه ذكوري خصوصاً في بعض المجالات التي لم تشهد أي تغير  جوهري وعميق ، ونقصد هنا مجال مشاركة المراة الصومالية في الإنتاج الثقافي الغير مادي المتمثل بالابداع من شعر ووكتابة ، ورواية  ..ألخ ، فمازالت اللغة الذكورية هي السائدة في المشهد الثقافي الحاضر كما كان في الماضي ، مع بروز  فسحة ضيقة جداً يُسمع من خلالها الصوت النسوي الصومالي الخافت ، الذي يحاول مع قلة عدده  الحضور في المشهد الثقافي .

وبهذا الغياب الأنثوي الثقافي  عاقبت المراة الصومالية نفسها عندما تبنت الصمت كردة فعل على مضامين ثقافة أقصت المراة إلى حد التطرف عندما ميزتها تميزاً منفراً غير عادل عن الذكر  ، من خلال تبنيها  فكرة حضور الأنثى  في الثقافة الصومالية كذات  تابعة  لا  كذات مستقلة ومنتجة و ملهمة لبعض مضامين الثقافية الغير مادية   ، مما أضر الثقافة ذاتها  كثيراً ، واظهرها كثقافة أُحادية الإتجاه تمثل مكون في المجتمع دون غيره   ، فلم تكون بذلك ثقافة شاملة وعادلة من خلال معايرها القيمية التي تحاكم فيها الرجل والمراة  على حداً سواء ، مما ظلم المراة كثيراً  ، وجعلها  في مواطن الضعف دائماً ، و عندما ننظر إلى عوامل التي ساهمت في إحداث هذا الظلم الثقافي  نجد بأن المراة الصومالية  هي نفسها كانت عنصر فاعل ساهم في  الظلم  الذي وقع عليها ، فهي قد  وضعت لنفسها حدوداً داخلية تمتنع بها عن المشاركة الثقافي الجادة  و فوضت الرجل ليكون ممثلها الثقافي ،   فبأنسحابها من المشاركة الثقافية   سمحت بأستمرار العنف الثقافي الممارس ضدها الى اليوم ، وسمحت لقوة هذا الموروث الثقافي المستبد أن يتغلغل  أكثر ويترسخ بعمق في الذاكرة الجمعية للمجتمع الصومالي  ، وتكون بذلك أصلت أبعادها  عن المشاركة الثقافية .

إذاً لا بد من إحداث  تغير ثقافي  ، و لا يمكن لعيوب بعض جوانب الثقافة الصومالية أن تستمر إلى ما لا نهايه ،  خصوصاً مع  زيادة وعي المراة الصومالية  وارتفاع مستوى التفكير والتحصيل العلمي  لديها  ،  فتغير هذا الموروث يكون بتغير أنماط التفكير خاصة عند المراة ، فالمراة عندما تؤمن أيماناً بأهمية دورها الثقافي وأمكانيتها في المساهمة المثمرة وتفكر في التأثير الذي يمكن أن تحدثه في داخل مجتمعها    ، يدفعها ذلك إلى  تبني سلوكيات  إجابية تُمارس من خلاله  الثقافة بشتى تجلياته ، تُعبر عن وجودها بأرقى الأحرف الممكنة ، وتكون بذلك  جزء مهم في  صناعة الثقافة المجتمع ، فبدون المراة تفقد الثقافة الصومالية  ذلك الجانب  الرقيق واللطيف الذي يمكن من خلال إنتاجة الابداعي الأصيل أن يضيف الجمال والمرونة و يبرز وعياً  مجتمعياً أكثر بقضايانا الثقافية   .

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى