جهود أهل الصومال في خدمة المذهب الشافعي 2

ما ذكرنا في الحلقة السابقة من اسهامات أهل الصومال في سبيل خدمة التراث الإمام محمد بن إدريس الشافعي نستشف منه بأنّهم أثبتوا حبهم وتقديرهم للإمام حيث تمخض إنجازاتهم العلمية والثقافية ما يخدم للتراث الشافعي حينما وصلت هذه الخدمة العلمية إلى أحد مؤلفات الإمام الشافعي وآثاره العلمية ، ولم يغب الإمام وأثاره عن بالهم تقديراً له ولمذهبه الذي يتمذهب الأمة  ليس على مستوى القطر الصومالي فقط وإنما على مستوى منطقة شرق إفريقيا قاطبة. إذاً فليس هناك أحد يستغرب إذا وصلت خدمة أهل الصومال العلمية ما له صلة بالإمام الشافعي رائد المدرسة، وإلى إنتاجه العلمي مثل كتابه ( الأم ) الذي يعتبر الأم في مجال الفقه وأحكام الشريعة المستنبطة من الكتاب والسنة أو كتابه ” الرسالة ” والتي تتناول قضايا لها علاقة بعلم أصول الفقه.

وإذا وقع اختيار أهل المنطقة على المذهب الشافعي فمن البديهي أن ينصب جميع جهودهم على خدمة هذا المذهب، إذ ليست من الغرابة من ذلك لأنّهم شوافع حتى النقاع ، من هنا سوف نتناول هذه الحلقة القسم الثاني الذي أشرنا من قبل وهو قسم يبرز جانباً كبيراً من بعض اسهامات أهل العلم في الصومال تجاه المذهب سواء من حيث الدراسة والتحقيق وتخريج النصوص، والشرح وتوضيح المبهم ، أو قيام التعليق بالنصوص التي وضعها بعض العلماء الشافعية عبر العصور، وكذلك وكتابة الحواشي أو الهوامش التي تبسط الصعب وتفسر المبهم.

وقد مضى أن أشرنا إلى دور المراكز والأرقة العلمية ببلاد الصومال في خدمة المذهب الشافعي،  مع العجالة الشديدة إلى الحلقات العلمية التي كانت تجري في جميع ربوع الصومال. واستجابة لبعض قرآءنا الكرام في ضرب بعض الأمثلة في مضمون تلك الحلقات التي كانت تعج بالمنطقة ونوعية الدراسة، وكذا بعض الكتب التي كانت تدرس في تلك الأورقة العلمية وبالذات الحلقات الفقهية في قطرنا الصومالي في العصور الوسطى، نشير إلى بعض منها. ولاشكّ أنّه من المفيد أن نشير إلى هذه المدارس  والمراكز التى اختصت بعلم الفقه ، كالجزء الجنوبى للبلاد ، وخاصة بعض المدن التى اشتهرت في هذا الفن، بل وما زال طلاب العلم يفدون إليها وينهلون من مناهلها ويحرصون على الاستفادة من حلقاتها الفقهية ، مثل مدن بارطيرى ومركه ومقدشو وكذا مدينة هرر. ومنعاً للتطويل والإطناب نشير إلى الحلقة التي اخذت أكثر شهرة في منطقة البنادر في فترة ومن الفترات. ويبدوا أنّ هذه الحلقات العلمية التي كانت في القطر الجنوبي أخذت رونقاً معيناً ونكهة خاصة ، ومن البديهي أن يشدّ إليها بعض طلاب العلم من بعض الأقطار الأخرى من خارج الصومال حتى يصلوا إلى القطر الصومالي لا لغرض آخر إلا لطلب العلم وخاصة الفقه الإسلامى الذى اشتهر به أهل الصومال وبرعوا فيه كحلقة الشيخ محمد بن عبد الصمد الجهوي في مدينة مقديشو.  ومن الكتب الفقهية التى كان يقرؤها الشيخ ويدرسها في حلقته كتب: ( التنبيه والوجيز والوسيط)، كما ذكر ذلك العلامة با علوي  محمد بن أبي بكر الشلي في كتابه  المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل علوي ص  190). إذاً يبرهن في ذلك بأن الإنتاج الفكرى والثقافي في الصومال لا سيما فيما يتعلق بالفقه وأصوله لم يقتصر فقط على إنتاج الكتب والرسائل الفقهية، وإنما هناك على إنتاج من نوع آخر، وهو أن أهل الصومال أسسوا مدارس فقهية لاتضاهيها مثلها في منطقة الشرق الإفريقي، وخاصة ما يتعلق بالفقه الشافعي الذى هو سائد وشائع في المنطقة.

أما إذا رجعنا إلى جهود أهل العلم في الصومال تجاه المذهب الشافعي من حيث الإنتاج العلمي والثقافي بما له علاقة المذهب الشافعي لا شك أنّها كثيرة ومن الصعب حصرها. ومن ذلك  كتاب ( حاشية الشاشي ) للشيخ أحمد بن عثمان محمد الشاشي المقدشي المعروف ( بأحمد منير) وهي حاشية وضعها الشيخ أحمد لتكون هوامش أو حاشيةً على كتاب (إعانة الطالب الناوي في شرح إرشاد الغاوي) لابن عبد الله الحسين بن أبي بكر النـزيلي، وما زالت هذه الحاشية مخطوطة حدّ علمي، وقد بلغني بأنها نشرت في القاهرة والله أعلم. وأشار المؤلف إلى هذه الحاشية في مقدمة كتاب إعانة الطالب الناوي عند تحقيقه ودارسته قائلاً: ” لي حاشية سميتها “حاشية الشاشي”. وفضيلة الشيخ أحمد عثمان الشاشي له أيضاً اسهاماً أخر في مجال الفقه في المذهب الشافعي ككتاب: ( الاعتماد في حلّ ألفاظ الإرشاد) ، وهذا الكتاب يفسر ويبسط بعض الألفاط الصعبة والغامضة من كتاب الإرشاد مع شرح لطيف ،ويعتمد أهل الشافعية في الصومال غالباً عليه ، وهو على طريقة مذهب الإمام الشافعي. وفي الإنتاج العلمي الذي استطاع فضيلة الشخ الفقيه الشريف إبراهيم عبد الله علي السرماني إنجازها في الفترة الأخيرة لم تخل بعض إنجازات فقهية تناول فيها المؤلف في خدمة المذهب الشافعي مثل كتابه ( بشائر العلماء بدلائل الفقهاء على متن سيفنة النجا والصلاة للشيخ الفاضل سالم بن سمير الحضرمي رحمه الله ). وأصل الكتاب متن سفينة الصلاة للسيد عبد الله بن عمر الحضرمي –  رحمه اللهوهنا قام فضيلة الشريف السرماني على تحقيق على كلا الكتابين وعلق عليهما وبيّن أدلتهما من الكتاب والسنة والقياس الواضح ، والإجماع الوارد على مذهب الشافعي. ويقع هذا الكتاب على 128 صفحة ، وطبع بمقديشو – الصومال، عام 1428هـ / 2000م، ويحتوي الكتاب على جزأين ، وفي ذله أضافه المؤلف خمسة فوائد مهمة والتعليق على سفينة الصلاة.

أما فضيلة الشيخ عبد الرزاق حسين عيسى فقد قصد أن يوجه جهده العلمي عند اختيار دراسته الأكاديمية أن تكون ما يخدم للمذهب الشافعي، وفعلاً وفق الله فضيلته في تحقيق مأربه العلمي لنيل درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، وذلك بعد إجازت بحثه القيم المسمى ( القواعد الأصولية من خلال كتاب حاشية الجمل على شرح المنهاج للعجيلي الشافعي )، وكانت دراسة الشيخ دراسة تطبيقية أصولية في كتابي الطهارة والصلاة من الكتاب السابق المذكور.

ومن جهود أهل الصومال الفقهية أيضاً كتاب ( إقامة البراهين في مشروعية التحكيم والتولية في النكاح )

للشيخ عبد القادر شيخ متان المشهور بـ (علو)، وهذا الجهد العلمي يدور حول مناقشة الولاية في النكاح وما يتفرع منها من الأحكام. وقد جمع المؤلف نقولا جمعها من مراجع كثيرة تصل إلى أكثر من مائة مرجع من أهم المراجع في هذا الموضوع.  والحق أن الموضوع يتعلق بالأحكام الفقهية سيما مسألة التحكيم في النكاح. ويمتتاز المؤلف كونه قام بعزو الأقوال والآثار الواردة في الرسالة إلى مظانها الأصلية ، وقد أحال الأمر إلى تلك المراجع المذكورة في الرسالة وغيرها. والهدف من ذلك ليتبين القرآء بأن مسألة التحكيم في النكاح ليس فيه عموض ولا إشكال عند أهل العلم والدراية في تلك الأبواب الفقهية، بل هو مشروع في المذاهب الأربعة ، بما فيه المذهب الشافعي كما ذكر ذلك المؤلف. وقد طبع الكتاب مرتين ، حيث تمّ طبعته الثانية في سنة 1428ه الموافق في سنة 2007م بمقديشو – الصومال. وفي خاتمة الكتاب بعض التوصيات والنضائح للمؤلف إضافة إلى قائمة من المصادر والمراجع التي اعتمد الكاتب عليها خلال بحثه وهي كثيرة ومتنوعة ومختلفة في مختلف الفنون والتخصصات.

ورغم أنّ الشيخ علي بن مؤمن الشافعي اقترن اسمه في تدريس الفقه بحلقته العلمية إلا أنّ جهوده لم تقتصر على ذلك وكتب كتاباً سماه ( بغية المحتاج إلى حل معاني مقدمة المنهاج ) وهذا الكتاب يشرح المؤلف على مقدمة منهاج الطالبين للإمام النووي رحمة الله تعالى ، والمؤلف استطاع أن يخرج مصنفاً لطيفاً ومن خلال شرحه القيم مستدلاً أقوال العلماء والفقهاء ، ويظهر أنه يحذف أحياناً كثيراً أسماء العلماء والفقهاء الذين يستدل أقوالهم ، وذلك حسب ما يراه المؤلف عدم التطويل .وأشار المؤلف كتابه إلى الأسماء اللامعة الذين قاموا بشرح المنهاج مبتدءاً شرح مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل الزنكوني المتوفى سنه 740هـ ومختتماً شرح بدر الدين محمد بن محمد المعروف بابن رضي الدين سرجين – وشرحه وكذا شرح العلامة الفاضل لشيخ محمد الزهري الغمراوي .ثم بعد ذلك قام المؤلف ترجمة الإمام النووي ، ومن يقرأ هذا الشرح اللطيف يرى أن المؤلف بدل جهداً جباراً لتبسيط ولتوضيح المقدمة إلى القراء ، والمؤلف يخلل شرجه بعض الفوائد وضرب الأمثلة أيضاً وكل ذلك متعلق بشرحه. واختتم المؤلف بخاتمة ذكر فيها أسماء العلماء الذين تتلمذوا على الإمام الشافعي وطلابهم ، وأسرد أسماءهم مقسماً بطبقات متفاوتة  . والكتاب يقع في 40 صفحة ، وطبع بدار العالم العربي للطباعة في القاهرة في طبعته الأولى عام 1407هـ الموافق 1987م.

والمؤلف له أيضاً كتاباً آخر وهو (أحكام البغات في الفقه الإسلامي) ومن خلال هذا البحث تحدث المؤلف الأحكام الشرعية التي تتعلق بالبغات والمعتدين في نظرة الفقه الإسلامي ،كذا  قضية التعبير الأمور السياسية والشرعية ، وعلى العموم فإن هذا الكتاب يقع في 80 صفحة. المسائل الفقهية التي انفرد بها المذهب الشافعي في العبادات.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى