سكان القرى الجائعون يفرون من “موسم الموت” في الصومال

مقديشو ( مركز مقديشو) ماريا ابراهيم واولادها السبعة وعائلتان من الجيران، كانوا آخر السكان الذين هجروا قريتهم الواقعة في جنوب غرب الصومال بحثا عن الغذاء.
حمل هؤلاء امتعتهم القليلة من اغطية وادوات طبخ وفرش وملابس، على عربة يجرها حمار استأجروه للمناسبة، ومشوا بالقرب منه لقطع 20 كلم تفصلهم عن اقرب مدينة بيداوة.
قالت الام الشابة (24 عاما) “لم يعد هناك احد في القرية الآن”.
يصل آلاف آخرون بالبستهم البالية، مثل مريم كل يوم الى بيداوة. فمواسم عديدة من الامطار القليلة ومحاصيل شبه معدومة تهدد بتحويل الجفاف الحالي الى مجاعة.
وقد حذرت الامم المتحدة مؤخرا من “اسوأ ازمة انسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية” مع خطر حدوث مجاعة تشهدها مناطق اخرى مثل جنوب السودان والصومال واليمن ونيجيريا. في المجموع، تهدد المجاعة حوالى عشرين مليون شخص.
بالنسبة للصوماليين ما زالت ذكرى مجاعة 2011 التي اودت بحياة 250 الف شخص حية في ذاكرتهم. لكن مريم تقول ان الوضع الحالي اسوأ.
فقد نقص الغذاء اولا ثم جفت الآبار. وما تبقى من المياه المتوفرة ملوث وهذا ما ادى الى انتشار الكوليرا في قريتها عليو مومي الذي دفعها الى الرحيل.

ولدت مسلمة كوسو مع المجاعة قبل 25 عاما ونجت من تلك التي حدثت في 2011. لكن الجفاف هو الذي اجبرها هذه السنة للمرة الاولى على ترك بيتها. فقد غادرت قرية روبي مطلع آذار/مارس ومشت اربعة ايام باتجاه الشمال مع اولادها الستة لتصل الى بيداوة. وعندما سئلت عن السبب قالت وهي تومئ بيدها الى فمها “العطش الجوع”.
ويبدو اصغر ابنائها عصيبة (سنتان) شاحبا ونحيلا ولا يملك القدرة على رفع رأسه.
وفي مركز ديغ-رور الذي يعني “اول الامطار”، يوضح عبد الرحيم محمد ان المرضى الجدد يتسجلون بوتيرة اكبر من قدرة برنامج المساعدة الغذائية الذي تدعمه منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وفي شباط/فبراير، تلقى 75 طفلا وهو عدد اكبر بمرتين عن كانون الثاني/يناير. وتوقع محمد ان يرتفع العدد بمقدار الضعف.
لكن الحالات الاكثر حرجا ارسلت الى مستشفى المدينة. هؤلاء هم المصابون بضعف كبير يعرقل تغذيتهم او بامراض مثل الكوليرا التي ادت الى وفاة 286 شخصا من اصل 11 الفا اصيبوا بالمرض منذ بداية السنة في الصومال.

في المكان تقوم عربات بنقل المرضى الجدد بلا توقف بينما يرش الزوار بمحلول مطهر عندما يغادرون المبنى.
في غرفة العناية المشددة، يشغل اطفال ترافقهم امهاتهم، ثمانية من اصل تسعة اسرة.
وتقوم حمسية ابراهيم (32 عاما) باعطاء شمسو ابنتها البالغة من العمر سبعة اشهر، القليل من حليبها بواسطة حقنة موصولة بفتحة في المعدة. ويقيم زوجها واولادهما الخمسة الآخرون في مخيم قريب منذ وصولهم قبل شهر.
وقالت ان “ابنائي الآخرين جائعون طوال الوقت لكنهم ليسوا مرضى مثل شمسو” التي فقدت الكثير من وزنها بسبب الاسهال والقيء.
في الخارج لا يكف مخيم النازحين عن التوسع. ففي شباط/فبراير تسجلت فيه 3967 عائلة حسب الامم المتحدة. وبلغ العدد في الاسبوع الاول من آذار/مارس 2929 عائلة.
ويقدر معدل عدد افراد العائلة الواحدة بستة اشخاص، وهذا يعني ان حوالى 2500 شخص يصلون يوميا الى بيداوة.

ما زالت الظروف في المخيم قاسية جدا. فبعد الظهر تبلغ الحرارة حوالى اربعين درجة مئوية وتعصف رياح ساخنة بالممرات فيه.
واصلا، الجميع جائعون في مخيم “ايه دي سي-3” الذي يحمل اسم “شركة للتنمية الزراعية” زالت الآن وكانت توزع قبل 1991 فائض الحبوب على السكان في منطقة كانت مخزنا الحبوب في البلاد.
وتظهر سيدة مسنة في المخيم وتتقدم ببطء بحثا عن عائلتها. فمنذ يومين تمشي بلا اكل او شرب. وقدم لها احد سكان المخيم المياه فشربت واغمي عليها.
استعادت وعيها بسرعة بينما ترعاها ابنتها ديرو (30 عاما) وتحاول انعاشها بوضع مياه على ذراعيها. هما ايضا تخلتا عن قريتهما بسبب نقص المحصول والغذاء والمياه في الآبار.
وتوقعات الارصاد الجوية للاسابيع المقبلة ليست مطمئنة اطلاقا والازمة يمكن ان تتفاقم. ففي هذا الجزء من العالم عرفت مجاعة 2011 باسم “تيريمباو” اي “موسم الموت”. اما هذه السنة فلم يطلق اي اسم على المجاعة حتى الآن.

أ  ف ب

زر الذهاب إلى الأعلى