التشكيلة الوزارية الجديدة..مفاجآت ورسائل تؤسس لما بعدها

أعلن رئيس الوزراء حسن خيري يوم أمس تشكيلته الوزراية الجديدة المكونة من اكثر من ستين وزيرا ونواب وزراء معظمهم من الصوماليين من دول المهجر خاصة شمال أمريكا وأوربا.وحملت التشكيلة الوزارية مفاجآت لا تقل أهمية عن مثيلاتها السابقة منذ انتخاب الرئيس محمد فرماجو رئيسا للبلاد، وهي مفاجآت تحمل دلالات ايجابية تخدم في ارساء قواعد دولة المؤسسات والمواطنة المتساوية، ولم يكن كثير من المحللين يتوقعون مثل هذا النوع من التشكيلة الوزارية في الظرف الراهن للأسباب التالية:

أولا: لأن القيادة الجديدة حملت التغييرا عنوانا لها، كان يتوقع الكثيرون أن لا تشمل التشكيلة الوزارية الجديدة أي إسم قد شغل منصبا في الحكومات السابقة، وأن يتكون مجلس الوزراء فقط وجوها جديدة تتمتع بمهنية عالية ولم تكن جزءا من الحكومات السابقة المتهمة بالفساد، ولكن جاء رئيس الوزراء بحكومة تشمل شخصيات شغلت مناصب في الحكومات السابقة.

ومع أنه لا يوجد أي دلائل أو حتى قرائن قوية تربط تلك الشخصيات بمخالفات الا أن عملهم في الحكومات السابقة كان بالنسبة للبعض ادانة لهم بالفساد المالي والإداري الذي جاءت الحكومة الجديدة لاجتثاثه، بينما يدعي آخرون أنها تشكك قي قدرة القيادة الجديدة لاحداث التغيير المنتظر، وهي نظرة تشائمية متسرعة، تصدر احكاما مسبقة قبل أن تنزل الحكومة برامجها وسياساتها على أرض الواقع لكى تحكم بناءا على ادائها بدلا من أسماء الوزراء، وعملهم في الحكومات السابقة.

ثانيا:في التشكيلة الوزارية الجديدة، احدث رئيس الوزراء حسن خيري تغييرا مفاجأ في طريقة توزيع الحقائب الوزارية على العشائر الصومالية، ولم يتبع الطريقة المعمولة بها تقريبا منذ مؤتمر عرتة بجيبوتي، حيث قام بحرمان بعض القبائل على وزارات تعودوا على تقلد ابنائها منذ سنوات حتى ظن الجميع أنها ملك خاص لهم، وتعويضها بوزارات أخرى ربما ترى العشيرة أنها اقل أهمية، بينما تم تقليد قبائل اخرى بوزارات لم يحلموا بها في الوقت الحالي نظرا للطبيعة الأمنية بالبلاد مثل تعيين شخص ينتمي الى عشائر ولاية بنت لاند وزيرا للداخلية.

ولكن في نظرنا هذه الخطوة مهمة لكسر احتكار الوزارت لقبائل معينة، ونشر ثقاقة أن الصومال للجميع ولا مفاضلة بين القبائل لتستحق قبيلة ما على وزارات دون غيرها، وأن المواطنون كأفراد وقبائل متساؤون في الوظائف الحكومية، اضف الى ذلك، أنها تعطي مؤشرا قويا على ان الحكومة الجديدة رغم أنها تضع ثقلها على المصالحة الا أنها قررت عدم المهادنة مع كل من يحاول ابتزازها مستقبلا، مستغلا بعامل نفوذ القبائل في بعض المدن، وكأن لسان حال رئيس الوزراء يقول: لن نقبل اسناد وزارات لشخصيات من قبيلة معينة ارضاءا لأبناء القبيلة وشراءا لتأييدها للحكومة ما يعطيها شرعية ضمنية لعرقلة أداء الحكومة اذا فقدت هذه الميزة أو بهدف الحصول على امتيازات اضافية، وعلى جميع القبائل التعاون مع الوزراء بناءا على كونهم جزءا من نظام شرعى جاء على التوافق الوطني وليس على أساس الافراد وانتماءاتهم القبلية.

ثالثا: التشكيلة الوزارية الجديدة فاجأت البعض لأنه تم اسناد بعض الشخصيات لوزارات تقع في ظاهرها خارج دائرة تخصصاتهم أو خبراتهم الوظيفة، بدلا من الاستفادة بهم في وزارات تحتاج الى تخصصاتهم مثل وزيرة الخارجية يوسف جراد المدير السابق لإذاعة بي بي سي القسم الصومالي، رغم منطقية هذا الادعاء الا أن يوسف جراد انسب الى الوزارة الخارجية من وزارة الإعلام لسببين، أولا، رغم عمله في مجال الإعلام لسنوات الا أن يوسف جراد يحمل درجة الماجستير في الدبلوماسية، وكان من ضمن عمله اثناء ترأسه بي بي سي-القسم الصومالي- العمل مع اطراف ذوات مصالح متضاربة، والبيئة المحيطة بعمل القسم الصومالي للبي بي سي تمثل حقل الغام تحتاج الى دبلوماسية وذكاء عاطفي يمكنان الشخص لتحقيق جزء من مصالح جميع الأطراف دون التفريط بمبادئ، اهداف ومصالح المنظمة التي يعمل فيها، وهي الخبرة التي الصومال في امس الحاجة اليها لمن يتمتع بها اليوم لخلق أجواء تمكن الحكومة الجديدة للعمل مع جميع الاطراف المهتمة بالشأن الصومالي والتي لها مصالح متعددة وتوظيها لخدمة البلد.ثانيا: الإعلام اليوم في الصومال إعلام حر، ولا يحتاج الي إدارة من الحكومة لتتدخل فيه، وتملئ الإعلاميين علي طريقة عملهم، أو تكمم أفواههم، وتفرض الرقابة عليهم، وكان من المفترض أن لا يتم تشكيل وزارة خاصة بالإعلام و إن تم تشكيلها ارضاءا للقبيلة، فعلى أن يقتصر دور الوزير علي تأسيس علاقة شراكة مع الإعلام، والتسهيل للإعلاميين لتنفيد مهماتهم، فضلا عن توصيل رسائل الحكومة للجمهور عبر برامج هادفة من محطة الإذاعة والتلفزيون الحكوميين.

وعليه، فإن التشكيلة الوزارية الجديدة قدمت المفاجأت، وترسل رسائل ولكنها هي مفاجآت ورسائل تخدم لمصلحة الوطن والمواطنين وترسيخا لمبدأ المواطنة ونشر ثقافة الحكم الرشيد، وهي رسائل نتمني ان نرى تاثيرها الايجابي على جميع الأصعدة، خاصة المجال الأمني ومحاربة الفساد، وانفاق أموال الحكومة للخدمات الإجتماعية، بالاضافة الي تحقيق مصالحة وطنية شاملة تضمد جراحات الحروب الأهلية وتمهد الطريق لمستقبل يسوده الحكم الرشيد وسيادة القانون.

 

زر الذهاب إلى الأعلى