الولايات الفدرالية في الصومال (1)

الفدرالية خيار-

 كان النظام الفدرالي حلما طالما راود قبائل وقيادات سياسية قبل الاستقلال وبعده باعتباره المعيار الأمثل لتقاسم السلطة والثروة بشكل عادل، ومن أوائل دعاة الفدرالية في الصومال حزب الدستور المستقل الذي تأسس عام 1948 وكان يؤمن الحزب كما ذكر محمد عبد المنعم يونس في كتابه الصومال… وطنا وشعبا  “أن الطريق الوحيد لجمع الصوماليين الذين تفرقوا إلى جماعات صغيرة بسبب النظام القبلي البدائي ، هو وضع دستور يقوم على أسس لا مركزية أو فدرالية ويكفل حكما ذاتيا ديمرقراطيا للاقاليم الصومالية المختلفة”.

الا أن حلم هذه القيادات لم يتحقق طوال السنوات الثلاثين التي تلت الاستقلال لأن الأجواء كانت غير مناسبة، ولم يكن النظام اللامركزي سوى مؤامرة لتقسيم البلاد برأي عدد من الاحزاب السياسية الكبري  في الصومال آنذاك .

وعندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد  مطلع عام 1991  وتقاتلت القبائل على السلطة والحكم وكادت البلاد تتفكك، صارت الفدرالية الحل الوحيد لإبقاء الصومال موحدا، وطرحت هذه الفكرة في جميع مؤتمرات المصالحة التي عقدت في الفترة ما بين 1991-1998،  قبل أن يتم اقرارها بشكل رسمي وقانوني في مؤتمر امبجاتي  بيروبي – كينيا (2002-2004) .

على الرغم من هذا الاقرار فالاطار العام للنظام الفيدرالي لم يكتمل الا  نهاية عام 2016 عندما إنشأت إدارة هيرشبيلي آخر  الإدارات الفدرالية  الستة التي تتكون منها جمهورية الصومال الفدرالية، جوبالاند في أقصى الجنوب، وج.غ.الصومال في الغرب، وجلمدغ وهيرشبيلي في الوسط الى جانب صومالاند، وبونت لاند، وكلها إدارات مكتملة الأركان، معترفة بها محليا، واقليميا، ودوليا، تمارس سلطاتها بشكل كامل ووفق الاطار الذي يحدده الدستور الصومالي المؤقت باستثناء صومالاند التي لها وضعية خاصة . 

كان مشروع الانتقال من النظام المركزي إلى النظام الفدرالي أمرا صعبا، ومر بمنحدرات ومربعات في غاية التعقيد ومنتهى الصعوبة، تناحرت القبائل الصومالية في سبيل تحقيقه،  وسالت دماء كثيرة من أجل  الاتفاق على نموذج نظام فدرالي يناسب للوضع القبلي السائد في البلاد، ولم يتوقف حمام الدم  الا بعد قبول الصومال بالتدخل الخارجي واستقبال قوة عسكرية من الاتحاد الافريقي قوامها ٢٢ الف جندي من اوغندا، وكينيا، واثيوبيا، وبورندي،  وجيبوتي، وسيرليون، ونيجيريا، وبعثة من الامم المتحدة تساعد الحكومة الصومالية في اعادة بناء المؤسسات الوطنية، واستكمال المسار السياسي والانتقالي. 

لقد وفر وجود القوات الافريقية لحفظ السلام،  وبعثة الامم المتحدة مناخا ملائما سمح للصوماليين مناقشة قضاياهم وتطوير نظامهم السياسي بعيدا عن تهديدات الحركات الإسلامية المسلحة، والصراعات القبلية، وتوسيع دائرة الحكم في البلاد، وايصالها الي المدن والقرى والفيافي عبر الادارات الفدرالية.

تحاول هذه الإدارات اليوم جاهدة في تحمل مسؤولياتها تجاه سكانها في هذه المناطق، بدعم ومساندة من المجتمع الدولي الذي بدأ بالتفكير بشكل جدي تحويل جزء  كبير من دعمه المباشر للحكومة الاتحادية الى الحكومات الاقليمية لتقوم بمهامها على أكمل وجه ودون الحاجة إلى  مساعدات السلطة المركزية، وتتمكن من الوقوف على اقدامها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الأصعدة كافة. 

النظام الفدرالي خيار استراتيجي وليس قرار فرضته الضرورة  وبالتالي يجب  أن يتكاتف الجميع في تطوير هذا النظام ومواجهة جميع التحديات الماثلة أمام الإدارات الاقليمية والتي لا تقف عند ازاحة رؤساء الإدارات من مناصبهم في الشهور المقبلة وانما ايضا قد تهدد النظام الفدرالي بمرمته. 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى