من يمنع المجاعة في الصومال؟

الصومال معرضة الآن لخطر مجاعة مهلكة أخرى، بعد ستّ سنوات من المجاعة الأخيرة التي أودت بحياة 250 ألف شخص. جاء انتخاب رئيس صومالي جديد، مؤخراً، هو محمد عبد الله فارماجو، في الوقت الذي ورد فيه اسم هذا البلد في الأخبار، كونه أحد البلدان السبعة التي تأثرت بحظر دخول المهاجرين الذي قرره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وقد وعد الرئيس محمد على الفور بـ«بداية جديدة» لبلاده. وهو من دون شك، يواجه تحديات سياسية هائلة في تحقيق ذلك، ولكنها قد تتضاءل في أهميتها أمام مجاعة تلوح في الأفق، وتحتاج إلى عمل فوري ودعم دولي، إذا أريد لها ألا تقع.

وليس حديث المجاعات في الصومال بالأمر الجديد. فقد أودت المجاعة الأخيرة عام 2011، بحياة أكثر من ربع مليون شخص.

وبين فشل موسم الأمطار القصير في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وإعلان المجاعة في يوليو/تموز 2011، أصدرت «شبكة أنظمة الإنذار المبكر من المجاعات»، و«وحدة الأمن الغذائي وتحليل الأغذية»، أكثر من 70 نشرة إنذار مبكر، وأرسلت عدداً مشابهاً من البيانات للحكومات المانحة والوكالات الإنسانية في محاولة يائسة لحثها على القيام باستجابة وقائية. ولكن الإنذارات والتحذيرات لم تلق آذاناً صاغية. ولم تُرسَل المساعدات إلاّ عند إعلان المجاعة، وهنا كان قد فات الأوان.

والآن، يدق ناقوس الخطر من جديد. فبعد موسم أمطار قصير ضعيف في نهاية عام 2016، حذرت الشبكة السالفة الذكر من أن المجاعة يمكن أن تعود إذا شحَّ موسم الأمطار الطويل- الذي يُفترض أن يبدأ في إبريل/نيسان- كما حدث عام 2011. وتوحي التنبؤات الجوية الحالية، بأنه قد يشحّ.

ولكن الأمور يمكن أن تكون مختلفة هذه المرة. وقلة قليلة من العاملين في المنظمات الإنسانية، هي التي نسيت إخفاق عام 2011، الذي أعقبته فترة مكثفة من مراجعة النفس والتقييم المضني. وكانت النتيجة ثروة كبيرة من التحليل بشأن الدروس التي ينبغي تعلمها، والتصميم الصارم على تعلّمها.

وفي غضون ذلك، شهد الوضع في الصومال تحسناً في نواح مهمة. ففي عام 2011، كان الصومال بلداً بلا دولة، تتنازع عليه ميليشيات حركة الشباب الإرهابية، وقوات الاتحاد الإفريقي في حرب حدّت بشدة من قدرة الوكالات الإنسانية على الوصول إلى السكان الأكثر تضرراً. أمّا اليوم، فإن قدرة الوكالات الإنسانية على الوصول أفضل، ويوجد لدى الصومال حكومة اتحادية، على الرغم من أنه قد يكون من المبالغة الادعاء بأن الصومال يملك دولة فاعلة بشكل كامل تحت تصرفه.

وعلى الرغم من هذه التحسنات، لا يزال العمل من أجل منع المجاعة يواجه تحديات هائلة. فقد اقتصرت المجاعة السابقة على مناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب في جنوب البلاد، ولكن، هذه المرة، تتعرض مناطق الشمال أيضاً للخطر.

وعلى الرغم من أن إيصال المساعدات لأكثر السكان تعرضاً للخطر، يظل صعباً للغاية، إلاّ أنه ممكن، بما هنالك من ابتكار وعزم وموارد. ولكن الوقت ضيق على نحو خطر. وإذا كان يمكن الاسترشاد بتجربة عام 2011، فسوف تبدأ الوفيات بالتصاعد بسرعة في إبريل/نيسان، إذا جاء موسم الأمطار الطويل ضعيفاً أو متأخراً. وتشير التقارير إلى أن الناس يتضوّرون جوعاً حتى الموت بالفعل، وأن مجموعات من السكان بدأت بالرحيل بحثاً عن الغذاء. وهذا يعني أن تصعيد المساعدات يجب أن يبدأ من الآن. ويجب على الوكالات أن تشرع في التخطيط معاً للكيفية التي ستكثف بها الاستجابة مرة أخرى إذا شحَّ موسم الأمطار الطويل.

والسؤال الكبير، هو ما إذا كانت الأموال ستأتي. فمِن غير المعروف كيف ستنظر الولايات المتحدة- وهي مصدر ما يقرُب من 30% من المساعدات الإنسانية للصومال عام 2016- إلى الوضع. كانت المخاوف من احتمال وقوع المساعدات الأمريكية في قبضة حركة «الشباب» وراء الكثير من بطء استجابة الإدارة السابقة عام 2011. ومن غير الواضح كيف سيؤثر شعار ترامب «امريكا أولاً» في الاستجابة هذه المرة، على الرغم من أن نهج إدارته في معالجة التشدد الإسلامي، وخيبة الأمل إزاء قدرة حركة الشباب على التكيف، قد يعطيان بعض القرائن.

كما ليس من الواضح كيف ستستجيب الدول المانحة الأخرى للتحذيرات من المجاعة. فأوروبا منغمسة في همومها السياسية والاقتصادية، بينما على الصعيد الدولي، تتنافس الكوارث الإنسانية المتعددة على كسب اهتمام الجهات المانحة المحدود. وفي غمار كل هذا الصخب، يتمثل الخطر في انتظار الحكومات إلى أن تتيقن بصورة تامة من احتمال حدوث مجاعة، وفي تبديد فرصة منع تلك المجاعة في هذه العملية. وسيكون ذلك مأساة كبرى يذهب ضحيتها مئات الآلاف. وفي عالم يبدو مدمَّراً بالكوارث، هذه كارثة يمكن تفادي حدوثها.

المصدر- موقع صحيفة الخليج

روب بيلي

مدير البحوث حول الطاقة والبيئة والموارد في المعهد الملكي للشؤون الدولية (بريطانيا)
زر الذهاب إلى الأعلى