كيف أصبح الرئيس حسن شيخ “الصديق المقرب” لإثيوبيا؟

في أيام المحاكم الإسلامية كان من ضمن الشخصيات التي حملت السلاح ضد القوات الإثيوبية، وعارضت تدخلها بشدة قيادات مقربة من الرئيس حسن شيخ محمود، كان بعضهم مكلفون بالإشراف على معسكرات للتدريب تقع في اقليم شبيلي السفلي لتجنيد وتدريب مقاتلين للمشاركة في العمليات القتالية ضد القوات الإثيوبية.

وبعد انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال واستقالة الرئيس الأسبق عبدالله يوسف من منصبه، دشن الرئيس وشخصيات اخرى كانت ناشطة في مجال المجتمع المدني وقطاع التعليم حزبا سياسيا سمي بحزب السلام والتنمية. رغم أن مؤسسو الحزب كانت لهم انتماءات وقناعات فكرية متعددة قبل تأسيسه الا أن الغالبية العظمى من القيادات المؤثرة في الحزب تنتسب الى عضوية أحد اجنحة حركة الاصلاح-التابعة عضويا لجماعة الاخوان المسلمين. ومن بين هذه القيادات من شارك أو وفر الدعم المالي والإعلامي للمقاتلين الذين خاضوا مواجهات عنيفة ضد القوات الإثيوبية اثناء تواجدها الأولى في الصومال.

وورد في مراسلات مسربة بين الأعضاء المؤسسين للحزب بعد فترة وجيزة من اعلان ولادته،حرصهم على انتهاج سياسة تصالحية مع إثيوبيا في حال وصولهم الي الحكم . رغم عدم معرفتنا عن صحة المراسلات المزعومة، ولكن أرى انها تعبر عن نضج سياسي لأن استعداء إثيوبيا لم يكن يوما من الأيام يصب في مصلحة الصومال مع العلم بعدم انتهاج صانعي القرار في اثيوبيا سياسة حسن الجوار تجاه الصومال على ممر العصور.

ولكن بعد أربع سنوات في الحكم، اكتشف الجميع أن العلاقة بين الرئيس حسن شيخ محمود وفريقه مع إثيوبيا ليست خدمة لشعبي البلدين، بل هي علاقة فريق قرر تحقيق رغبات دولة اجنبية لها اطماع على الصومال للحصول على شرعية فقدها من شعبه، للأسباب التالية:

أولا، فشل الرئيس حسن شيخ محمود في الوفاء بالوعود التي قطعها اثناء انتخابه وكرس فترة حكمه كلها لبناء دولة عميقة توازي الكيان الشرعي، تتكون من شخصيات تدين بالولاء له وبعضهم لا يقلدون مناصب رسمية ويتمتعون بصلاحيات اكبر من صلاحيات الوزراء، بالاضافة الى شبكة من التجار الفاسدين تتأمر مع الأولى لسرقة اموال الشعب، وهو ما خلق توجها عاما لدى الصوماليين يعارض بعودة الرئيس حسن شيخ محمود الى الحكم.

ثانيا: طريقة تصرف الفريق الإنتخابي للرئيس حسن شيخ محمود وصرفهم باموال الشعب لحملته، مثل شراء آلاف الدولارات بوسائل إعلامية للترويج له في وقت لم يتقاض افراد الموسسات الأمنية مستحقاتهم في سبعة شهور متتالية، برهنت للجميع أن عودة الرئيس ومجموعته تشكل تهديدا حقيقيا لكيان الدولة.

هذه العوامل وغيرها اجبرت الغالبية العظمي لاعضاء البرلمان للتعبير عن نيتهم بعدم التصويت للمرشح حسن شيخ محمود، ولكن بالمقابل لجأ الرئيس الى أديس أبابا ليستمد منها الشرعية التي فقدها من الشعب الصومالي قبل اعضاء البرلمان، مما يعيد الي الاذهان عصر امراء الحرب الذين كان يحل احدهم ضيفا على أديس أبابا عندما تواجهه تحديات، أو يفقد سيطرتة على جزء من كرتونيته لصالح زعيم حربي آخر ليثبت وجوده وسلطته.

ازعم أن العلاقة التي تربط الرئيس حسن شيخ محمود بأديس أبابا لا تختلف عن علاقة زعماء الحرب السابقين مع إثيوبيا، لان إثيوبيا ممثلة بدبلوماسيها المخضرمين اهانت اعضاء البرلمان الصومالي ووصفتهم بالمتعاطفين مع حركة الشباب، كما وردو في تقرير ترويجي صدر قبل اسابيع عن مركز مقرب من الوزارة الخارجية الإثيوبية، كما عبر رئيس الوزراء الإثيوبي رغبتهم باعادة انتخاب حسن شيخ محمود. ووصف الفريق الإنتخابي للرئيس هذا التأييد انجازا نوعيا بدلا من الشعور بالاحراج من باب اضعف الإيمان، مما يعني اعترافا ضمنيا بأن الرئيس حسن شيخ محمود ملء الفراغ الذي تركه امراء الحرب السابقين ليقدم لأديس أبابا الخدمات التي كانوا يقدمونها، ويعرف القاصي والداني طبيعة هذه الخدمات، والا لاحترمت إثيوبيا المؤسسة التشريعية الصومالية، وتركت المعادلة الصومالية لتنتج الرئيس الصومالي القادم.

اضف الي ذلك، ورد في التقرير بصريح العبارة أن تأييد إثيوبيا للمرشح حسن ليس حرصا على العلاقة بين البلدين بل لتحقيق مصلحتها في البقاء في الصومال، وعلل التقرير سبب تفضيل إثيوبيا اعادة انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود انتمائه الي عشيرة هوية المتنفذة في مقديشو، بينما اقوي المرشحين المنافسين له حسب قرأتهم ينحدر من عشيرة دارود غير المتنفذة في مقديشو، وتخاف إثيوبيا من عودة سيناريو ٢٠٠٦م.مما يعني أن اثيوبيا تقود حملة ممنهجة تهدف الي تأجيج الصراع الصومالي الصومالي، وتأيد احتكار عشيرة معينة للسلطة، والتي من شانها افشال الجهود المبذولة لرأب الصدع بين القبائل الصومالية واعادة اللحمة الداخلية.

ولكن السؤال الذي يفرض بقوة هنا هو: ما هي طبيعة الدور الإثيوبي للتأثير على الانتخابات الصومالية لصالح مرشحها المفضل الرئيس حسن شيخ محمود، إثيوبيا بيدها اكثر من ورقة للتأثير على الانتخابات الرئاسية ولكن الورقة الاكثر تأثيرا تمر عبر الادارات الاقليمية خاصة ادارتي جوبالاند وجنوب غرب الصومال، لتوجيه ممثليها في البرلمان للتصويت للمرشح حسن شيخ محمود، ولكن نتائجها غير مضمونة، لان في البرلمان الصومالي اعضاء جدد بعضهم في فئة الشباب، ومن الصعب توجيههم للتصويت لمرشحين ليسوا مقنعين بهم، وقد اثبتوا ذلك اثناء انتخابات رئيس مجلس الشعب بعد ان صوت اغلبية اعضاء البرلمان المنحدرين من ولاية جنوب غرب الصومال عكس رغبة رئيس الولاية شريف حسن، تلتها فشل الفريق الانتخابي للرئيس حسن شيخ محمود في انجاح مرشحهم في انتخابات نائب رئيس مجلس الشعب رغم انفاقهم اموالا طائلة لشراء اصواتهم.

ومهما كانت نتيجة الانتخابات في الثامن من الشهر الجاري، فهو يمثل اضافة جديدة لمبدأ الاحتكام الى صناديق الانتخابات للوصول الي قصر الرئاسة بعد سنوات من الاحتكام الى فوهات البنادق، وسنتخلص الدروس لاعادة بناء وطننا ولكن في نفس الوقت اماطت الانتخابات اللثام عن عقلية دكتاتورية تريد البقاء في الحكم مهما كلف ذلك، وتوظف الاموال الشحيحة من الدول المانحة لشراء الذمم ولا تتواني عن الاستقواء على الاجنبي لتحقيق رغبتها الجامحة للسلطة والنفود.

محمد إبراهيم عبدي

كاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى