رسالة إلى القويّ الأمين

توطئة :أرفع إليكم هذه الرسالة ،وسبق أن أرسلتُ رسالة مفتوحة إلى فخامة الرئيس حسن شيخ محمود في حينها؛والتي نشرت جريدة رأي اليوم وذلك يوم الجمة 30 نوفمبر 2016م طلبتُ فيها عدم الترشح لولاية  ثانية نظراً للمصلحة العامة ،حيث انتقد كثيرا على حكومته داخليا وإقليميا وعالميا ووصفت أنها من أكثر  الدول فساداً.

وفي يوم الأربعاء 8/2/2017م وقع حدثٌ تاريخي دخل في الآرشف العالمية وهي الانتخابات الرئاسية الصومالية والتي تنافس فيها 24 مرشحا وفي ختام الجولة الثانية أعلن فاز كم بعد تنازل الرئيس السابق للجولة الثالثة وهي محْمَدة ديمقراطية. وقد عم الفرح والطرح في جميع الولايات ودُول المهجر ممّا يدل على شعبية الرجل وما ذلك إلا العدالة الاجتماعية المفقودة في العالم الثالث؛وبسببها ظهرت النزاعات والحروب الأهلية.فبدأ الصومال يستعيد عافيته قليلا قليلا من فيروس القبلية والنزاعات الداخلية، فأمام الرئيس مهام عُضال تتمحور الآتي:

المحور الأول:أهمية الأمن والاستقرار:إن البصير بالشريعة الإسلامية وغاياتها ومقاصدها يعرف أن للأمن مكانة سامية في الإسلام،ذلك أن أهمية الأمن في الإسلام تتجاوز مجرد الحق الاجتماعي والإنساني ، لتجعله فريضة إلهية،وواجباً شرعياً ، وضرورة واقعية لاستقامة العمران الإنساني ، كما جعلت الرؤية الإسلامية إقامة مقومات الأمن الاجتماعي الأساس لإقامة الدين العادل، فرتبت على صلاح الدنيا بالأمن صلاح الدّين، وليس العكس.

الأمن والأمان والاستقرار من معاني السلم التي أمر الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا فيه كافة ، كما قال بعض أهل العلم ، وزوال الإيمان عن المسلم الذي يؤذي جاره يؤكد حرص الإسلام على العيش في نعمة الأمن والاستقرار والطمأنينة.

الأمن نعمة وفضلٌ؛ لأنه عامل من أهم عوامل الراحة والسعادة لبني الإنسان في الحياة ،يتحصنون به من غوائل الفوضى وجوائر الشرور، وينعمون في ظله بالهدوء والاستقرار والاطمئنان وقد أشار القُرآن الكريم إلى دعوة إبراهيم عليه السلام ربهُ أن يرزق مكة الأمن والطمأنينة ،حين ترك فيها زوجه وابنه إسماعيل فقال:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). سورة البقرة الآية:126

وقد وعد الله المؤمنين بالأمن في حياتهم إذا آثروا الهدى على الضلال،والتقوى على المعصية ، والحق على الباطل ، والعدل على الظلم ، والتوحيد على الشرك ، قال جل وعلا: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) سورة الأنعام الآية:82

وقال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)سورة النور الآية:55. ربط الإسلام الأمن القومي والغذائي بالأمن العقدي.والأمن نعمة من أجلِ نعم الله على عباده،وهي مطلب كل أمة وغاية كل دولة،ومن أجلها جندت الجنود ورصدت الأموال وفي سبيل تحقيقها قامت الثورات والصراعات ،ونعمة الأمن كانت أول دعوة دعا بها أبينا إبراهيم.ربط الإسلام بين الأمن والإيمان ، فالإيمان وسيلة فعالة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي؛لأن الإسلام يحرم ويعاقب على قتل وإرهاب الأبرياء في الدنيا والآخرة ، فحيثما كان الإسلام حل السلم والأمن ، وإذا انعدم يُخشى ظهور الفتن التي تنشأ من أسباب شتى،والظلم ،والتمييز العنصري ،والفتنة الطائفية ، والصراع الطبقي وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي حرمها الإسلام .

المحور الثاني:عوامل تحقيق الأمن:تتنوع عوامل تحقيق الأمن كما تتنوع أسبابه ،وذلك لتعدد مستويات الأمن ودرجاته ، فهناك أمن الفرد ، وأمن المجتمع ، والأمن القومي،والأمن الاقتصادي والسياسي ، والأمن الغذائي والمائي ،والأمن الإقليمي والأمن الفكري ومن أهم هذه العوامل :

  1. التربية الإسلامية على حب الأمن والسلام على تربية أتباعه على أسس تربوية صحيحة تحقق لهم عيش حياة هادئة مطمئنة مبنية على الأخلاق الفاضلة من السلم والأخوة والتعاون، ونبذ الحروب والعنف والإرهاب، والشنآن، والتفرقة العنصرية بجميع أشكالها.
  2. ترسيخ أسس التفاهم والتعايش والاستقرار حيث أقام الإسلام قواعد وأسس التفاهم والتعايش والاستقرار في المجتمع الواحد ومن هذه الأسس:
  3. تحريم الظلم والبغي ،والأمر بالعدل،والأمر بالعدالة الاجتماعية.
  4. إقامة الحدود التي تصُون كيان المجتمع وتحميه من التفكك والتشرذم، ومحاربة الأفكار المنحرفة.
  5. تحقيق الحريات والأخذ بالشورى في القرارات المصيرية.
  6. إقامة عدالة اجتماعية تعمل على توزيع الثروات، ومكافحة، الجوع والفقر، ونصرة المظلوم والتعاون على الحق ، ونبذ الفرقة.
  7. توفير الأمن الغذائي وبعدمه تأتي النزاعات والصراعات. 
  8. إقامة أسس السلم في الحياة حيث رفع الإسلام راية السلام والأمان منذ اللحظة الأولى لميلاده ولم يُعلن حرباً إلا إذا كان قد دُفع إليها دفعاً ، ولقد ظل ثلاث عشرة سنة بين رُبوع مكة محاولاً نشر دعوته في ظل السلام فما استطاع ، واضطهد أتباعه اضطهاداً شديدا ومع هذا كله كان يأمر أتباعه بالجنوح إلى السلم والأخذ بالعفو والابتعاد كل ما يُسبب الحرب والفتن .
  9. الوسطية واعتداله،ويتم ذلك عن طريق ترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية لقوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) سورة البقرة الآية:143 وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة ، وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط.
  10. فتح الحوار الحر الرشيد داخل المجتمع وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع ؛ وتجنب أساليب القمع التي تؤدي إلى الانفجار الفكري الداخلي والإخلال بأمن المجتمع .
  11. ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل فيواجه بالإقناع والحوار ، وبين من أخلّ فعلهُ بالأمن  والاستقرار في المجتمع فيجب محاسبته على ما بدر منهُ كائناً من كان وعقابه بما يستحقه شرعاً وقانونا حتي تكون عقوبة رادعة وزاجرة.

المحور الثالث:أهمية الصلح وثماره: الصُلح وسيلة للتخلص من تعلق الحق بالذمة،سواء نشأ هذا التعلق مع قصد أحد الخصوم في فترة ما عمدًا هضم حق صاحبه وأكله بالباطل،أو نشأ عن ظرف خارج عن إرادة المتعاقدين كالعجز عن إثبات الحق بوثيقة أو بالقضاء،ويمكن الإشارة إلى تفسير مقاصد الشارع من تشريع الصلح إلى أنه وسيلة لإعادة الحقوق غير القاطعة وغير الواضحة إلى أصحابها وما أكثرها في بلدنا.

  1. الصلح لا يقطع عن طريقة الخصومات ونفض النزاعات فحسب،بل إن الصلح يورث المحبة والمودة بين الناس ويقضي على الظلم وأسبابه،ويجعل المجتمع في يد واحدة وفي شعار واحد وانتماء وحد.
  2. الصلح يخفف العبء على القضاء،وهذا يكشف لنا أن الشريعة الإسلامية في المجتمع المسلم له من المقاصد ما يحلُّ نزاعات الناس على الأموال خارج ساحات القضاء،وهو بذلك يخفف كثيرًا عن المؤسسات القضائية،فعلى الرئيس الاستعانة بالعلماء الربانيين الوطنيين والقضاة العدول.
  3. الصلح يخفف العبء على الخصوم،فإنهاء النزاع بين الخصوم صلحًا،فيه تخفيف كبير؛لأن إجراءات التقاضي فيها من التعقيد والمشقة الكثيرة كما أنها تستغرق وقتًا طويلاً وتكاليفَ باهظةً وفي هذا عنتٌ على الخصوم،واستنزافٌ للجهود،والأوقات والأموال والطاقات.

فالمصلح هو ذلك الذي يبذل جهده،وماله،ويبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين،قلبه من أحسن الناس قلوبًا،نفسه تحب الخير،تشتاق إليه،يبذل ماله،ووقته،ويقع في حرج مع هذا ومع الآخر،ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما،كم بيت كاد أن يتهدّم،بسبب خلاف وبكلمة طيبة،ونصيحة غالية،ومال مبذول،يعيد المياه إلى مجاريها الطبيعي، كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال،وفتن شيطانية،كادت أن تشتعل لولا فضل الله، ثم المصلحين فهنيئًا عباد الله لمن وفقه الله للإصلاح بين متخاصمين.

المحور الرابع: نصائح وتوجيهات:وبما أن أمامكم عقبات جمل أقدم الأتي من مواطن مخلص لهذا الكيان الهزيل وهي :

  1. أن يكون همّكم الأول همّ هذا البلد وإعادة شرفه،وتترك قبسات ستُذكر عبر القرون القادمة وأن أملى كبير أنكم ستتركون ثمار يانعة للجليل القادم .
  2. اعادة هيبة الجيش الصومالي والاستغناء عن القوات المعنية التي لم تجلب للبلد إلا ويلات ونكبات ،ومن المعيب أن نستعين بعدوّنا اللُدود الذي هو بمثابة اليهود مع فلسطين، ويكون ذلك بالتدرج عملا بالقادة خير الشرين،والاعتناء به خاصة في جانب الرواتب والحقوق الصحية ،والقيادة عليه ضباط وطنيين شرفاء وما أكثرهم .
  3. الاهتمام الأولي في الأمن وذلك عبر الشرطة والمخابرات العامة وأن يكونا قريبين منكم،حتي تعرف مجريات الأمور.
  4. تعيين رئيس حكومة وطني ذو كفاءة علمية وإدارية، يسهر لترقية مجتمعه وبلده،ويُحاسب الوزراء محاسبة دقيقة. وتقليل المسؤولين في الوزارات بدون حاجة مُلحة. 
  5. تشكيل حكومة قوية ذات كفاءة عالية ،وتنصيب كل وزير في تخصص يفيد فيما يفوض إليه بدل أن يكون منصب صوري كما كان سابقا في بعض الوزارات.
  6. محاربة تفش الفساد المالي والسياسي في مفاصل الدولة وأركانها،وسوء توزيع الموارد حسب الأولويات .
  7. الصلح الحقيقي مع حركة الشباب،وهي جزء من الشعب ولم تبذل الحكومات السابقة جهدا مُقدرا في هذا الشأن،وهناك أفراد صغيرو السن لا يفهمون حقيقة الحركة ومنْ وراءها وما أهدافها وأطماعها الحقيقة؟ وما هي القيادة الرسمية لها ؟ ومن أين تكسب هذه الأموال الطائلة ؟وهل وراءها دول وجماعات تتجر بهذه الافكار؟
  8. ايجاد أولويات مدروسة تخدم للشعب بدل المصالح الذاتية والدولية،خاصة ذات كفاءات عالية وناجحة ممن لا يحتاجون ماديا كثيراً وهم كثر برأي الباحث.
  9. اعادة اللاجئين الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية يعجز عن وصفها قلمي،والأغنياء الصوماليين في دول المجاورة وتريولاناتهم الاقتصادية التي تستفيد غير من يستحقها. 
  10. اعادة الطيور المهاجرة في دول المهجر ومن بينهم الخبراء في المجالات الأكثر إفادة.
  11. خلق فرص عمل للشباب ،وليتكن أولى اهتماماتكم المقبلة
  12. تحسين التعليم على جميع المستويات ومحاسبة الانتهازيين في التعليم خاصة العالي.
  13. عقد مصالحة حقيقية في جميع الولايات،وإعداد ميزانية خاصة لها،وجعل الولايات الاقليمية تشهد نهضة اقتصادية كالولايات الأميركية الناس فقدوا ثقافة التسامح والتألف واستولى عليهم شح الأنفس واستولت عليهم نزاعة الانانية الفردية والمصلحية الخاصة.
  14. فتح صندوق في تعمير  البلد ومكافحة الجفاف ،والتحوط لذلك ،وتوحيد الجمعيات الانسانية  والخيرية، وتشكيل لجنة لها تابعة مباشرة لمكتبكم .
  15. الاعتناء بالزراعة والتحفيز   لها ،حيث لم تستفد الأراضي الصالحة للزراعة. كما يجب الاعتناء بالثروة الحيوانية ،وبواطن الأرض.

د. يونس عبدلى موسى

الدكتور. يونس عبدلى موسى يحيى: باحث في شؤون شرق إفريقيا وأستاذ الفقه وأصوله بجامعة عبد الرحمن السميط التذكارية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،وهو من مواليد مدينة منديرا Mandera(NFD) شمال شرق كينيا عام 1/8/1968م دكتوراه فقه المقارن جامعة أم درمان الإسلامية عام 2003م ممتاز مع مرتبة الشرف، ماجستير الجامعة الإسلامية في أوغندا الفقه المقار عام 2000م ممتاز مع مرتبة الشرف ،البكالوريوس الشريعة والقانون شعبة القانون جامعة إفريقا العالمية عام 1994م(الدفعة الثالثة) والباحث في شؤون شرق إفريقيا. وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية باتحاد علماء إفريقيا
زر الذهاب إلى الأعلى