لم تكون تفسيرات الفيلسوف الفرنسي “أتين دي لابوسيه” التي كانت تحاول فهم عقلية شعوب الخاضعة لسلطان الظلم ، في عصره منطقية ومعقولة ، بقدر ما أعتبرت بأنها تمرد على ما درجت عليها الشعوب من النظم السياسية التقليدية ، فهو كان بنظر تلك الأمبرطوريات الأوربية المتسلطة مرتد و محرض على وجودها ، فحمدت الله على القدر الذي لم يمهله طويلاً لكي ينشر شحطاته الفكرية كما تعتقد ، لكن بفضل صديقه “مونتني ” التي تعهد بنشر أفكار صديقه بعد وفاته بسنوات طويلة ، ظلت تلك الأعمال حيه بيننا ، وقد حظيت تلك الأعمال بقدر كبير من الأهتمام من قبل المتشغلين بالفلسفة السياسية ، والإجتماع، لما لها من فهم متقدم لوقائع أجتماعية معاصرة ، وكأن الكاتب بقالاته تلك يضع أواته التشريحية المؤلمة على جسد الشعوب الخاضعة من نافذة التاريخ ، فكانت النتائج مذهله وصادمة في ذات الوقت ، مذهله لإنها كشفت حقيقة خضوع الشعوب و رضاها على فقدان حرياتها ، وصادمة لإنها كانت تفسيرات قادمة من قرن سادس عشر الميلادي ، وقد لامستني ” أنا” كصومالية ” و أصبحت أرى في تلك المقالات تشخيص لواقع سياسي وإجتماعي طالما تسائلت عن تفسير مقنع له ، ففهمت من خلال ” دي لا بوسية ” بأن اللإستبداد هي علاقة زواج من الطرفين ، طرفاً آمن بالقوة وغاب عنه المنطق في كل شيء ، وطرفاً إستكان وأعطى الشرعية لتلك القوة ، وجعل من وجوده مرهوناً برضى القوي ، وكان واضحاً جداً حينما قال ” بأن الشعوب هي التي تترك القيود تكبلها أو قل إنها تكبل نفسها بنفسها عندما تسمح لخدمة المستبد ، فتسقط في هاوية عميقة من النسيان لحريتها ، إلى حد التسليم لهذا الخضوع وتعود عليه وإعتباره شيء طبيعاً ” .
وقد سماه هو ذلك” الخضوع بالوهم” الذي يعمل على إجماع الناس الخرافي للتسليم بأنه ليس بألإمكان سوى التعايش مع الموجود ، فالمجهول قد يكون أسواء من الحاضر ، فتصنع الشعوب بذلك عدواً صدق بأنه فوق القانون ، مع تلك القراءات الشيقة مع ” دي لا بوسية ” يظهر أمامي المشهد الإنتخابي الطاحن في الصومال ، على إنه مشهد تراجيدي لثلة من الأصدقاء تشاركوا في السابق في إستبداد هذا الشعب وهم على ثلاث أصناف : صنف إستبد عن طريق أنتخاب مدفوع الثمن ، وآخر بقوة السلاح والثمن المالي المدفوع ، وثالث بالوراثة الإستبداية عن عائلته وقبيلته والثمن المالي إيضاً ، قد يرأهم البعيد بأنهم مختلفون ، ولكن في الواقع هم نتاج رحم ” ما أريكم إلا ما أرى “ و تربية الآناء ” فعنوان القبيلة هي إيضاً قاسم مشترك بينهم ، فمال مال القبيلة ، وسلاح بأسمها إيضاً ، والوراثة المزعومة حميه عن تلك القبيلة، فهم يكررون أفعالهم لسنوات ولسنوات دون أن يخجلوا أو يخافوا من ردة فعل الشعب الساكن والصامت ، فهم يعلمون بأن الصوت المواطن الصومالي أنهك حتى أثر الصمت ، فلا معارضة حقيقة يُبديها ، و لا لدية القدرة على مواجهة الوهم الذي أعطى هؤلاء شرعية ليكونوا هم من يسلم لهم عنقه بكل طواعية .
ويواصل “دي لا بوسية “ ويقول ” أن الشعوب الخاضعة يموت لديها كل شيء إلا الشجاعة في القتال ، فيفقدون الهمة ، وتسقط قلوبهم وتقصر عن عظيم الأعمال وهذا ما يعلموه السياسي جيداً ، فهو ما أن راى الناس كذلك، حتى زاد في طغيانه ”
وهذا الكلام يذكرني بافعال المترشحين اليوم للرياسة في الصومال ، فنحن الشعب نرى لأول مرة بهذا الوضوح المجاهرة بالمال السياسي و قدرة على شراء الذمم أعضاء البرلمان ، وتمكن بلعب لعبة التصويت على الشاشات ومواقع الإكترونية ، ونسمع الحديث بدون خجل عن الدعم الخارجي و الإملات الخارجية التي تملى على سياسي جمهورية الصومال من كل إتجاه وقُطر ، وأظهر لنا السياسي بأنه على إستعداد بأن يسمع لكل صوت إلا صوت مواطنه المبحوح ، قال هتلر يوماً ” من حسن حظ الحكام بأن الناس لا يفكرون ” وأنا أقول ليته أضاف ولا يتكلمون ، لإنهم لو تكلموا لما كان لهم وجود .