حوار مع وزير التربية والتعليم العالي في ولاية بونتلاند

p-4 على هامش المهرجان الثقافي الصومالي المُقام في الكويت في الفترة ما بين 15-19 مارس الجاري، والذي تنظمه اللجنة الوطنية    الصومالية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع نظيرتها الكويتية، التقينا مع معالي  وزير التربية والتعليم العالي بإقليم بونتلاند علي حاجي   ورسمه أحد الرموز  والشخصيات الرسمية التي تشارك في فعاليات المهرجان الثقافي الصومالي بالكويت.

 ويشارك الوزير – القادم من إقليم بونتلاند الصومالي- في التظاهرة الثقافية في وقتٍ تشهد فيه الصومال نهوضاً وانفتاحاً ثقافياً على العالم  بعد ما يقارب عقدين من الزمن سجلت الصومال خلالها غياباً كلياً عن الساحات الثقافية والفكرية في الوطن العربي.

ويهدف المهرجان الثقافي الصومالي بالكويت إلى تعميق أواصر الأخوة وتعزيز روح الانتماء بعد قطيعة ثقافية دامت عقدين من الزمن بسبب الحروب والاقتتال الداخلي بين الصوماليين،مع استمرار الدعم الكويتي السخي فيما يتعلق بالمجالات الإنسانية والإغاثية،و هي معادلة حافظت على بقاء الشعب الصومالي حياً، لينهض بكل طاقاته الاجتماعية والثقافية ليتفاعل مع محيطه العربي.

p-5  وتأتي هذه التظاهرة الثقافية لتصبح بمثابة إعلان ميلاد جديد للصومال، وبداية فجر ثقافي مشرق لطي صفحة الماضي، مع ما تحمل في  داخلها من مآسٍ وويلات.

  وفي هذا الحوار يتطرق الوزير علي حاجي ورسمه إلى البُعد الثقافي والمكانة التاريخية والجغرافية التي تتمتمع بها الصومال عامةً،    وبوجه أخص إقليم بونتلاند الواقع في شمال شرق الصومال، والذي يعتبر العمق الاستراتيجي للدول الخليجية بحكم موقعها الفريد الواقع  بين المحيط الهندي وخليج عدن، ويسهب  الوزير في الحديث عن دور الكويت في دعم الحراك الثقافي في منطقة القرن الأفريقي، ودورها الإنساني الرائد؛ لإغاثة المنكوبين في الصومال.

 مركز مقديشو: كثيراً ما يتم تداول مصطلح “منطقة بونتلاند” في الوسائل الإعلام العالمية، فما حجم المنطقة سياسيا، وهل لها دور واضح في الصومال؟

الوزير على حاج: جغرافياً تقع منطقة بونتلاند في شمال شرق الصومال وتضم أقاليم بري وكركار ونجال وسول وسناج وعين، وكلمة ” بونت” تعني البخور، وهي صادرات المنطقة الرئيسية-  إلى جانب الثروة السمكية والحيوانية طبعاً والتي تزخر بها المنطقة –   إلى الخارج، وتدر البخور أرباحاً هائلة تغطي جانباً كبيراً من ميزانية الحكومة.

وسياسياً، تشتهر مناطق بونتلاند بدورها المحوري في العمل من أجل إخراج المنطقة من وضع الحكومات الانتقالية إلى النظام الفدرالي، الذي يكفل حقوق الأقاليم ضمن حكومة اتحادية تراعي التوازنات القبلية في تقسيم الثروة والسلطة، ولنا تجارب مديدة في الحكم، وتتم عملية التحول بصورة ديمقراطية وسلمية لا تراق فيها الدماء؛ بل عبر صناديق الانتخاب من قبل نواب مجلس الوكلاء ” البرلمان”.

مرافق الحكومة كلها تعمل في بونتلاند من مجالس تنفيذية (وزراء) ومجالس النواب والقضاء، وأجهزة الأمن والشرطة، وهذا نوعاً ما منح الإقليم الأمن والاستقرار، وجنّبها الكثير من القلاقل الأمنية والسياسية.

 مركز مقديشو: كيف هي أوضاع التعليم في مناطق بونتلاند الصومالية؟

الوزير على حاج:  وزارة التربية والتعليم بدأت مع بداية تشكيل أول حكومة في إقليم بونتلاند عام 1998، وأنا حاليا خامس وزير يتولى الحقيبة منذ انطلاق الوزارة ككيان يمثل المنظومة التعليمية في المنطقة.

وأوضاعنا التعليمية تشهد تحسناً مقارنةً مع ما كان عليه الوضع في السابق، لدينا 600 مدرسة إبتدائية وإعدادية و 65 مدرسة في المرحلة الثانوية، إلى جانب 224 مدرسة لتعليم الكبار و8 جامعات تمنح – حتى الآن-  درجة البكلاريوس لخريجي المدارس والمعاهد الثانوية المنتشرة في معظم إقليم بونتلاند.

وتهتم الوزاة بالمعلم؛ لأنه نقطة الارتكاز والعمود الفقري في المنظومة التربوية والتعليمية؛ وإيماناً منا برسالة المعلم دربنا منذ تسلمنا المهام – حتى اليوم- 5000 معلم يمارسون مهنة التدريس في المدن والقرى النائية، ويساعدنا معهد ” تدريب المعلمين في بونتلاند” في مهمة صقل مهارات المعلم، وتزويده بالمعلومات وطرق التدريس، وكيفية التعامل مع الطالب في أسلوب يضمن استمرار الرسالة التعليمية، وحصول نتائج مثمرة تعم فائدته الجميع، وتنعكس إيجابياً على المجتمع.

 مركز مقديشو: حدثنا عن واقع اللغة العربية في الصومال؟

الوزير على حاج:  لغة ” الضاد” تشهد إقبالاً منقطع النظير في معظم الأقاليم الصومالية، والدستور الصومالي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الثانية في البلاد بعد الصومالية؛ بينما دستور إقليم بونتلاند ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الأولى في المنطقة إلى جانب اللغة الصومالية المحلية.

وهذا الاستحقاق لم يأتِ من فراغ؛إنما هو نتاج جهود متضافرة بذلتها الهيئات والمؤسسات الخيرية العربية، وعلى رأسها المؤسسات الكويتية. لكن هذا الاستحقاق ومكانة اللغة العربية في المنطقة بحاجة إلى ضمان استمرار الجهود، حتى لا تذهب الجهود سدى، وتشهد العربية تراجعاً؛ بسبب تزايد المؤسسات الغربية الداعمة للغة الإنجليزية.

 مركز مقديشو: وهل من مدارس ومعاهد حكومية عربية في إقليم بونتلاند؟

الوزير على حاج:  لا توجد مدارس متخصصة باللغة العربية،اجتهدنا – فقط-  أن تكون العربية ضمن مفردات المواد المقررة في المنهج، مثلها مثل باقي المواد، لكنها تحظى بإقبال المجتمع، ولها مكانة خاصة في قلوب الصوماليين.

وانتشارها وسط المجتمع ذاتي في  ظل غياب جهات عربية داعمة لها، تولي اهتماماً خاصاً، وتوفر لها  كل الإمكانيات المادية والمعنوية، ماعدا معهد الأزهر الشريف في قرضو ومدرسة حمدان بن راشد آل المكتوم في مدينة بوصاصو الساحلية.

 مركز مقديشو: إلى أي مدى يساهم المهرجان الثقافي الصومالي إلى التعريف بالصومال؟

الوزير على حاج:  المهرجان – لاشك- سيعمل من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بين الصومال والكويت،وسيكون المهرجان – كما نطمح-  جسراً لتلاقح العادات والتقاليد الصومالية والكويتية، ودمجهما معاً في إطار ما يخدم الثقافة العربية، ويعطيها زخماً يتناسب مع مكانتها، وينتشلها من الوهدة السحيقة التي انزلقت إليها؛ بسبب تجاهل أهلها، وانشغالهم في مواضيع جانبية لا تعبر عن ثقافتهم الأصيلة.

والمهرجان هو مكسب ثقافي وسياسي للصومال يعيدها في دائرة الضوء، ويجب استثمارها لدفع العلاقات إلى الأمام، والاهتمام بالثقافة والتراث،كونها البوابة الرسمية لتفاهم الشعوب، فالسياسة والاقتصاد تحدث – دائماً- تنافراً في المواقف، أما الثقافة فموضوع يوفر الأرضية الخصبة للتفاهم،ويُعبر عن المكنونات الحقيقية للشعوب؛ بعيداً عن المواربة والتدليس.

وأمامنا فرصة كبيرة لتقديم الصومال بصورتها الحقيقية، بثقافة أهله وفنهم وتراثهم وفلكلورهم وحبهم للسلام، واحترامهم للمشاعر الإنسانية النبيلة، عكس الصورة النمطية التي يكرسها الإعلام الغربي عن الصومال، وكأننا مستنقع الأزمات ووكر القراصنة، وهي صورة كاذبة ومشوهه، يعرضها الإعلام، لخطف الأضواء عن هذا البلد الأستراتيجي، وتركه فريسة الجهل والتخلف، وهو أمر  نرفضه، ونسعى إلى مد جسور التفاهم مع المحيط العربي، وهذا المهرجان هو فاتحة خير لهذا التفاهم المنشود.

مركز مقديشو: نسمع دائما مشكلات الحروب والمجاعات والقراصنة في الصومالي فكيف هو الوضع الآن؟

الوزير على حاج: في حقيقة الأمر أن العديد من المناطق الصومالية أصبحت مستقرة وآمنة ولاسيما وفي ولاية بنوتلاند التي تم تشكيل إدارتها منذ عام 1998م، وما زالت هنا بعض البؤر المتوترة في جنوب الصومال ولكنها لم تعد تشكل عقبة لتنمية البلاد الآن حيث إن الحكومة الفدرالية وبدعم من القوات الأفريقية استطاعت معالجة العديد من هذه المشكلات الأمنية، وقد تم فتح العديد من السفارات الأجنبية في مقديشو العاصمة مما يؤكد هذا التحسن النوعي، وفي هذا الصدد نستطيع أن نقول أن الصومال الآن خرج من مرحلة الدعم الإغاثي المرحلي ودخل في مرحلة البناء والتنمية والمطلوب من أشقاءه العرب دعم مرحلة التنمية والبناء قبل أن يسبقهم الآخرون، وخاصة أن الدور التركي في هذا الشأن أصبح متميزا في العاصمة حتى الآن.

  وفي الختام أنتهز هذه الفرصة لأؤكد لقرائكم الكرام أننا ما زلنا نسعى وبصورة حثيثة إيصال الصومال إلى بر الأمان حتى تتمكن من استعادة دورها الحقيقي، ولا يفوتني من أن أشير إلى دور الكويت المتميز لدعم الصومال والوقوف إلى جانبه أثناء محنته الأخيرة ويجب ألا ننسى دور سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله الذي ما زال يقدم الدعم تلو الدعم للصومال عموما ولولاية بونتلاد خصوصا، وكان آخرها دعمه السخي لنباء مطار مدينة جراوي عاصمة الإقليم وبناء جامعة، وما زال العمل في إنجاز هذه المشاريع على قدم وساق، وهذا كله يؤكد أن أمير الكويت حفظه الله يستحق وبجدارة أن يكون قائدا للعمل الإنساني العالمي، وفي هذا الصدد نيابة عن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس ولاية بونتلاند الدكتور عبد الولي محمد جاس أهنئ أشقائنا في الكويت أميرا وحكومة وشعبا باحتفالات اليوم الوطني ويوم التحرير، وأسأل الله العلي القدير أن يحفظ الكويت وأهلها من كل سوء.

p-6

أجرى الحوار: عبد الفتاح نور أشكر

عبدالفتاح نور أحمد (أشكر)

المدير العام لهيئة إذاعة وتلفزيون بونتلاند • ماجستير علاقات عامة- كلية الإعلام- جامعة أمدرمان الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى