هوس شبابنا بالفيسبوك

نعيش اليوم في وهج القرن الواحد والعشرين، قرن العولمة (Globalization) قرن جعل العالم قرية تتواصل  مكوناتها دولا ، وشركات ، وأفرادا بشكل سهل وسريع بسبب  الثورة الصناعة والتكنولوجيا الحديثة ، وتوفر خدمة الإنترنت التي ساهمت  في تخفيف أعباء الناس وتلبية احتياجاتهم إلى التواصل، والتبادل التجاري، ونشر العلم والمعرفة حتى أصبح التعليم  بين أيدينا، وصرنا ندرس أرقى الجامعات ونحن في منازلنا وأماكن عملنا، ونشتري كل ما نحتاجه عبر السوق الالكتروني وذلك كله بفضل الشبكة العنكبوتية، والتقدم الصناعي  والتكنولوجي.

لكن من بين هذا الكم الهائل من الفوائد، أضرار ومشاكل تكاد تقضى مستقبل جيل برمته كان من المفترض أن يكون في القمة فأصبح اليوم في الحضيض عائما فاقد الوعي والبوصلة وسط الأمواج الهادرة التي تسببها التكنولوجيا وخدمات الانترنت التي باتت حتى في متناول البدوي  الذي يرعى غنمه في شعاف الصومال.

على الرغم من وصول الانترنت إلى الصومال متأخرا الا أنه بات اليوم يلعب دورا كبيرا في تغيير نمط حياة الصوماليين وإعادة تشكيل العلاقات التي تربط فيما بينهم ومع العالم الخارجي سواء على الصعيد التجاري والتبادل المعلوماتي ومواكبة تطورات العصر في كافة المجالات بصورة خطيرة تتطلب إلى مزيد من اليقظة والمتابعة لمعالجة الاضرار المترتبة من هذا التغير قبل أن يستفحل .    

يرجع تاريخ الانترنت في الصومال إلى بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، أذا كان إستخدامه في الوهلة الأولى محدودا ومقصورا فقط لدى الشركات التجارية، والهيئات العالمية التي تعمل في البلاد، وأما المواطن العادي لم يكن يدري فوائدها المتنوعة، فكانت استخدامه تقتصر على البريد الالكتروني وتطبيقات الجات.

مع تطور الانترنت واخترع تطبيقات أكثر تقدما وتطورا من التطبقيات السابقة،  ودخول المواقع التواصل الاجتماعي في الخدمة، مثل الفيسبوك، والتويتر واليوتيوت،  واللينك إن، تغيرت حياة المواطن الصومالي ورؤيته ازاء الانترنت، وارتفع حماس الشباب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل رهيب وغير مسبوق في ظل عدم وجود مؤسسات حكومية تراقب هذه المواقع وتقوم بغربلة منشوراتها، ومن أبرز هذه الوسائل التي يتواصل بها الشباب الصومالي، الفيسبوك   لما له من خدمات مميزة تسهل له الاتصال مع اصدقائه واقربائه بالصوت والصورة وبدون عناء، كما يمكنه من اكتساب أصدقاء في القارات المختلفة بعض النظر عن لونهم أو جنسيتهم  بالاضافة إلى امكانية طرح افكاره ونشر ما يدور في خواطره على صفحته في الفيسبوك.

يهدر الشباب الصومالي أوقات كثيرة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، وصار كثير منهم مصابين بهوس هذه الوسيلة،  حتى باتت المساجد، وخلقات التعليم مهجورة في وحين تعح الفنادق، والمطاعم والمجالس الأخرى التي توفر خدمة الانترنت مجانا بالشباب والشابات في مقتبل العمر يقضون أوقاتهم النفيسة في تصفح مواقع شبكة العنكبوتية والدردشة مع أصدقائهم ونشر صورهم على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي .

صارت مقولة  (إذا لم تبدأ يومك بزيارة صفحتك في الفيسبوك فلا داعي بأن تستيقظ) مقولة شائعة في أوساط الشباب…فلا أحد يهتم بالصلاة مع الجماعة ، وقراءة القرآن ، ومطالعة الكتب،  ومراجعة الدروس، ويأتي كثير من الطلاب الى المدراس وإلى قاعات الدراسة في الجامعات سيماهم في وجوهم من أثر التعب والسهر، والأشد أيلاما من ذلك أنهم منشغلون اثناء المحاضرة بالتعليق على ما تم نشره في مواقع التواصل. 

أضحى شبابنا يقتلون أوقاتهم بالتقاط الصور ونشر بوستات لا فائدة  لها، وطرح أفكار لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، والمشاجرة وتبادل الشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونقل خلافاتهم وصراعاتهم إليها.

لقد حل التنافس بعدد علامات الاعجاب والتعليقات محل التنافس بالدراسة وأرقام النجاح. يكون الشخص مبسوطا إلى أبعد الحدود عندما يجد تعليقا وعلامات إعجاب كثيرة على صورته،  ويظل وجهه مسودا ويمتلأ حزنا عندما لا يحصل على عدد هائل من الاعجاب والتعليقات ، فيلجأ إلي تطبيقات أخرى والمسمي بـ (Out Liker) لزيادة عدد التعليقات ويعزز مكانته أمام أصدقائه.

ومن بين الأشياء الاكثر غرابة في عالم الفيس بوك تلقي اتصال من صديق يطلب منك وضع علامة الاعجاب على صورة نشرها على صفحته في الفيسبوك وتعلقها لينتصر على منافسيه بكثرة علامات الإعجاب والتعليقات التي تحمل صورته .

فهوس الشباب بالفيسبوك وصل إلى درجة خطيرة  كسرت كل الحواجز والخصوصيات.  تتفاجأ عندما ترى صورة أصابع صديقك المجروحة منشروة على صفحته في الفيس بوك، ويطلب الدعاء له بالشفاء. صارت تلك ظاهرة غربية ومنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأكثر غرابة مايمكن تسميته بـ “ســــــــــــيـلفــــــــــــي الصــــــــــــلاة” وهي عبارة عن صورة شخصية  يقوم بها شبان بالتقاطهم لأنفسهم ثم ينشرونها في صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.

بات موقع فيس بوك يهدد عاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها أبا عن جد. ومن أهم عاداتنا إكرام الضيف، وتجاذب أطراف الحديث معه، وارتشاف القهوة أو الشاي معه، لكن اليوم وبسبب الانترنت، لا وجود لهذه العادة. عندما يزورك صديق فأول ما تقدمه له، وقبل أي كلام أخر هو الرقم السري لجهاز الانترنت، وبعدها فكل واحد يدخل في عالمه الخيالي المليئ بالكدب والبهتان.

فالفيسبوك يتطور يوما تلو يوم ، وتتزايد عدد تطبيقاته،  ومن ضمن تطبيقاته الجديدة برنامج التنبوء بالمستقبل أو ما ذا يدور في قلبك الذي يعد من أكثر البرامج استخداما في هده الأيام، اذ يخبرك بانك ستتزوج في سنة كذا ، أو تعيش حياة مليئة بالحب والسعادة، أو انك ستحصل على موال كثيرة، أو ستحقق احلام طفولتك، فقد حل الفيسبوك محل الكهنة والسحره ، واذا كنت من المهوسيين بالسحرة والكهنة فبامكانك استخدام هده التطبيقات مجانا وبلا قيود، فسبحان من خلق السماوات والارض، ويقول الله تعالي في كتابة وهو يتحدث عن ما سخر الله للكفار من علم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخره هم غافلون).

أصبح الفيسبوك مثل الهروين او الكوكين لا يستطيع الشخص التوقف عنه ، وبات الأمر خارج عن نطاق سيطرتنا رغم ما له من أضرار صحية واجتماعية في حياننا ، ومن هذه الأضرار:

– آلام في العيون بسبب قضاء ساعات كثيرة في التليفون او الجهاز الكمبيوتر .

– قلة النوم والسهر الطويل 

– آلام في الرقبة والظهر 

أما الاضرار الاجتماعية :

– ضعف العلاقات  الحقيقية

– زيادة قاطعي الرحم

– مشاكل زوجية مستمرة والتي تودي الي تفكك البنية الأسرية

وأخيرا يا أصدقائي لا حرج ولا بأس بان تستحدموا الفبيسبوك في أوقات معينة ومحدودة ، ولا أمانع من استخدامه بتاتا، ولكن يجب عدم الادمان بأستخدامه والجلوس وراء الكمبيوتر ساعات طويلة متتالية ودون إنقطاع.

لما ذا لا نستغل أوقاتنا بأمورنا مفيدة بدلا من الفيسبوك او المواقع الاخري ، كنت تحلم بأن تكون سياسيا، أو مهندسا، أو طبيبا ، واليوم عندك الفرصة والقدرة فما الذي يمنعك من أن تحقق أحلامك وتكون كالرجل الذي كانت تتمناه أمك، لا الرجل الذي يقتنع بعدد من الإعجاب والتعليقات الخيالية .

كفي يا شباب من عالم الخيال والتافهات يجب أن نعيش في عالم حقيقي يساعدنا في تحقيق أهدافنا القريبة والبعيدة. 

عبد الله عثمان نحيف

حاصل على ماجيستر في إدارة الاعمال من جامعة أسيا
زر الذهاب إلى الأعلى