مفارقة الحرية بين المشرق والمغرب

في الغرب ( إسكندينافيا مثلاً ) الحرية تأخذ مسافة كبيرة …. وفي المشرق ( البلدان العربية مثلاً ) تقريباً ليس لها شرف وانتماء.

في النرويج: الحرّ من تحرر قلبه قبل فكره وقلمه….

وفي الصومال: لا ينال بها إلا من تحررت لغمة عيشه قبل فكره وقلمه!.

هل الحرية حلال عليهم…..حرام علينا؟ أليست تلك قسمة ضيزى ؟!

من كان أولى أن يتحلى بها ويجعلها ديدنه وحلمه؟ ألسنا نحن – مسلمون أفارقة عرب صوماليون –  ولكن في بلادنا يصعب حصولها وتحقيقها

لا شك أن الحرّ الحقيقي في نظرنا من تحرر قلبه جميع ما عدا الله سبحانه وتعالى وخضع لخالقه.. ولكن ما الفائدة من يدعي الإيمان والعقيدة الصحيحة وهو لا يستطيع أن يقاوم ما يكره، أو يرفض ما لا يريده خوفا من أن تنقطع صلة سيده ورئيسه وقائده ومديره في العمل والجامعة والجمعية والجماعة والوزارة حتى لا تصبح مصير حياته إلى الكارثة، أو خوفاً من أن ينقطع رزقه ومصاريفه من هذه الجهة أو ذاك؟

والغرب عموماً والنرويج خصوصاً تحرروا من هذه الكارثة والمصيبة التي تأثر على حياة الناس ونفسياتهم عندما وطئوا سلطة المسؤولين في كل مكان وميدان، بل وأعطوا العمال والموظفين الحرية والحقوق التامة غير منقوصة مهما كانوا من خلال القانون والنقابات.

ورغم أن بلاد الصومال وغيرها من البلدان المشابهة تفتقد هذه القوانين والنقابات الاجتماعية يستطيع المرء أن يعيش الحالة النفسية الطيبة والمستريحة إذا:

علق قلبه لله وحده دون غيره وأيقن ما تحمل الآيات القرآنية حق اليقين ..” الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ”.

والحقّ أنّه من تزود تعاليم ربنا سوف يتجاوز كل المطبات التي تضعه الساسة والكتل الإجتماعية والدينية ، ولو باسم الحزب الديني أو ذاك الذي يرفع شعار الوطنية وحفظ الأمن القومي.. وكذلك عوائق شياطين الإنس والجن ولو رفعوا لافتات التقدم والازدهار، أو سياسة التهديد والوعيد والقمع. والمرء يستطيع أن يتجاوز جميع هذه المطبات وغيرها طالما – هو – مرتبطاً قلبه وقالبه بالذي خلقه سبحانه وتعالى بدون منازع.

ونحن كلما ذكرنا الحرية وأشرنا إلى مدلولها  قالوا لنا بأنكم تقلدون الغرب، وقد أثركم الجو الغربي الذي تعيشون فيه، ولكن نداءنا  ومطلبنا واضح لا غبار عليه، ولكن لمن لديه التشنجات المتخلفة والتقاليد البالية لا يعي ما نصبوا إليه.

ومن الغريب من يحاول استعباد الناس ومحاولة اخضاعهم بسبب ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، أو مكانتهم الدينية والسياسية.. وما إلى ذلك مستغلاً بالخيال أو الظروف التي لا تدوم ولا تستمر. ونحن لا نشك بأنّ ذلك ما هي إلا عودة إلى الأعمال الجاهلية القديمة ، أو إلى الحالة البؤس الذنيئة، ولا يستقيم أن يمارسها الإنسان الحر الراغب في أن يعيش بالكرامة والعز والشرف.

وقد استنكر أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب العدوي – رضي الله عنه = بما فعل ابن عمرو ابن العاص في فترة إمارة أبيه بمصر مع غلام من الأقباط في سباق للخيول، فضرب ابن الأمير الغلام القبطي اعتمادًا على سلطان أبيه،

فلما بلغ القطبي وابنه إلى مقر الخليقة اشتكى ما حدث من الظلم والجبروت إلى عمر، فسرعان ما كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى العاصمة صحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند الخليقة وناول الخليفة إلى الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص،فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له أمير المؤمنين: لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسطان أبيه، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.. فذاك تاريخنا الماضي الناصع في تلك العصور الزاهية في مصادنا التاريخية التي محبوسة في مجازن الكتب ورفوف المكتبات، وفي صدور المؤرخين وذاكرة الباحثين … ولكن من ينصف المظلمين والضعفاء ويلتجأ إليه في عصرنا الحاضر في بلداننا والذين يشتكون ظلم الظالمين وجبروتهم في أوطانهم وجامعاتهم وجماعاتهم ووزاراتهم وتكتلاتهم الاجتماعية…

والحرية والعدالة تحلم عودة الفاروق والذي تمثل الشاعر في عدل عمر:

عندَ غيري يُقهَرُ المُستضعَفُ العافي ويُظلمْ

عند غيري جبهةٌ بالإثمِ ، بالباطلِ ، تُـلطَم

نزَوَاتُ الجاهليَّةْ

ورِياحُ العُنجُهِيَّهْ

قد دَفنَّاها ، أقَمنا فوقها صَرحاً جديدا

وتساوَى النَّاسُ:

أحراراً لَدَينا وعَبيدا

يأخُذُ الحقَّ القَضاءْ

وهوَ – لا أنتَ- الذي يُنفِذُ عندي ما يشاءْ …

والحقّ أنّ الحرية زينة للحياة وأحسن ستر يستتر بها الإنسان من سوءته الظاهرة والباطنية، لأنّ الحر من أكل الحلال وزهد عن الحرام، وخالف هواه وابتعد شهواته… وهذه الزينة خالصة للأحرار الذين آمنوا بالله ورسوله يوم القيامة.

ولكن من حرم هذه الزينة وجعلها صعبة المنال فينا ونحن في دنيانا؟ .. لا تقولوا الحكام .. لأنّهم من صنعنا ومن جلدتنا وتربوا على تربيتنا منذ نعومة أظفارهم. ولا تقولوا الغرب.. أو فلان وعلان…بل ينبغي أن نصمد أمام كل من يريد أن يحول بيننا وبينها، مستأنسين قول الواحد الأحد الفرد الصمد: ” قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”

وفي مجال الكتابة والبحث العلمي وابداء الرأي وما نراه الصواب، والبوح ما يريده الشخص، لا يتحقق إلا عبر نفق الحرية التي لا تتمّ إلا تحت الإيمان بالله وحده والتزام أوامره، وما عدا ذلك يكون عبودية لغير الله وانقياد لأصنام البشر من الدول والأشخاص، والدرهم والدينار،  وجميع الانتماءات الأخرى في عصرنا الحاضر حتى لو ادعى الشخص بأنه حر بلا قيود.

والطريق ليس مفروشاً بالزهور، وإنما هناك قيود سياسية وإجتماعية، وأخرى مزيفة لبست بلباس ديني وعقدي لذلك ينبغي الصمود أمام كل التحديات والعواصف الهائجة وكل ما يكون حجر عثرة أمام تحقيق ما نصبوا إليه تحقيقه في الأرض الواقع، لأنّ الحرية لها ثمنها ولا شك أنها تحتاج إلى إرادة مطلقة ومناعة قوية وحصن حصين …وما أحسن أن يتحصن أحدنا بحصن سنة نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ونردد صباحا ومساءا ما كان يردده المصطفى عليه السلام ” اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد”

ألا يكفينا قول ربنا سبحانه وتعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع ، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ).   كما قال سبحانه: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده).  

ويقول العلامة المفسر المحدث ابن كثير في تفسير هذه الآيات في سورة الأنعام: ” وهو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره”.

ولمن لديه هذا الرصيد القوي ينبغي أن لا يتزحزح عن طريق الحرية حتى يأتيه اليقين، كما قال ربنا” واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” أي الموت. 

يحيا الأحرار ومناضلي الحرية في كل زمان ومكان.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى