فصل المقال فيما بين الذكر والأنثى 

الحديث عن الذكر والأنثى حديث ذو شجون، وغور عميق قلّما يسلم من تناول القضية من الأمواج العاتية،والخواتم الجاهزة لإمضاء التّهم جزافا، وتحميل الأمر بما لايطيقه، ومع ذالك البرهان هو الفيصل في التصديق وإصدار النسبة والأحكام، بعد تصور الجزئيات والحيثيات في القضية، فالأشكال كثيرة قي القضايا، ولا ينتج الا الشكل الصحيح الذي بني بمقدمات صحيحة أدت الي برهان ساطع تفحم المناظر والخصم ،

في الكوكب الفصيح الذي نعيش فيه محكم بسنن ونواميس كونيّة أبدعها الخالق الذي أحسن كل شيئ خلقه وهدى ،وأبدعه و أكمل به!( صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )النمل:88، والانسان جزء من الكائن الذي يعيش في هذالكون الواسع،وقد حباه الله بمنح كثيرة وسخر بقية العالم له فهو الخليفة في الأرض يعمر ويعبد مالكه طوعا ان اهتدى او كرها  إن ضلّ،( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران:83،

الزوجية من قوانين الكون فهناك الحياة والممات (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) الملك:2،

والسموات والأرض(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) ابرهيم :32 

والليل والنهار(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)  الانبياء:33،

والذكر والأنثى  (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)  الليل:3،

وفي النسق القرآني كثيرا ما  ترد السموات قبل الأرض، والليل قبل النهار، والذكر قبل الأنثى  ومن تدبرّ أدرك سرّ النسق وتنظيم الكون، وقد تسائل المفسّرون بتقديم الموت عن الحياة في بعض الآيات ،وأجاب البعض وأجاد بأن الأصل في النشأة العدم وهو المقصود(هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ) الانسان:1،فالحياة انطلقت من ذاك الممات  أي العدم

-2-

بعد قراء تي للمناقشات التي تدور حوال الذكر والأنثى بناء على الندية والتماثل وبعيدا عن جوهر القضية من التقابل والتكامل والتنـــوّع ،أتذكر فلسفة الشعراء والأدباء ومقارناتهم بين الليل والنهار أيهما أفضل من الآخر  فمنهم من مدح الليل لأنه محل السكون والأمان والعبادة،وفضّله على النهار ،ومنهم من ذمّ الليل بأنه محل الهموم والأحزان والخوف وقال بالعكس ،بعد هذه المقدمة الصغرى، رأيت أن إثارة قضية المرأة، اوما يقال اليوم  بتدويل القضيّة ،وركوب هذه الموجة بعد هيجانها سمة مشتركة للمذاهب المعاصرة  فهي مطيّة لما وراء وراء ،وبجهل شباب الأمة، وتشدّد بعض العلماء بناءعلي العرف البائد او السائد في قطر ما ، سهل الولوج من  ذا الباب الذي لايردم،  فالمروّجون أصبحوا يرفعون راياتهم في كل واد وقطر،  ويتبعها كل ناعق وناعقة وتابع وتابعة ، مثلها مثل  قضية نشر الديمقراطية عند الأمريكان للهيمنة وإبادة الشعوب ولوبعد حين، في البداية شعارات برّاقة  في باطنها براميل متفجرة من تحيت و من عل ، ونموذج العراق خير مثال وحق الحقيقة لمن  سوف يندم بعد فوات الأوان ،

شاركتُ في عدة ندوات في حقوق الإنسان والمرأة والطفل لخبراء أمميين غربيين يقولون ما لايفعلون ، كثيرا ما كنّا نسأل ايهما أحق بالمحكمة سيدي عمر البشير في تهمة قضية دارفور، او الرئيس بوش في إبادة شعب أفغانستان والعراق ؟، فيضحك الأستاذ القانونيّ، لعلمه أنّ القويّ فوق القانون ،ويقام الحدّ على الضعيف ، حسب منطق الغالب والمغلوب في العالم اليوم،ومايجري في سوريا اليوم أبسط مثال للإنسانية جمعاء.ولدعاة حقوق الإنسان الأمميّـــين  خصوصا

-3- 

نعم للتمييز لا للعنف

لاأحد يستطيع إلغاء الفوارق والتميّز بين الجنسين،فالتمييز يعني التّباين فليس مشكلة بحد ذاته، بل من سنن الحياة أن يكون لكلّ فصل مناخه المتميز وإلا لتشابهت الفصول والأعوام ، ولكل ثمرة طعمها الخاص صنوان وغير صنوان كمّا وكيفا،ولكل لون طيفه المميّز عن إخوانه وهلم جرا ،ففي اللغات يجب التمييز بين الذكر والأنثى في الكلمات المستخدمة في الكلام  تنوعا في الأسلوب وفرقا بين الجنسين ، قرأت لمن يدعى التحضر والعلمانية يقول في مقاله” ما الفرق بيني وبين أختي لها يد ولي يد ولها وجه ولي وجه الخ” كلام غريب وايهام ضد المقصود وكأنا أطفال في مرحلة الابتدائية لا نستطيع  نقاط الفرق بين الجنسين

وليس يصحّ في الأذهان شيئ*** اذا احتاج النهار إلي دليل

أتذكّروأنا في جنوب الهند أنّ استاذة هندوسية  طرحت علينا -ونحن في قاعة الدراسة – النقاش أيهما أفضل لجودة التعليم ،المدارس المختلطة ام المتميزة بين البنين والبنات ،اختلفت الأراء واحتدم  النقاش بين الطلاب مع اختلاف التقاليد والأديان بيننا، وكانت الأستاذة تميل إلي الفصل والتمييز بين الجنسين ، فسألتُ نفسي؟:  تلك قناعة من الفطرة والعقل السليم بدون وعي ديني، بينما في عالمنا الاسلامي نرى من يرى الاختلاط سمة حضارية وطريقة للتطوير وازدهار التعليم.

العلاقة بين الذكر والأنثى  من حيث النشأة

علاقة الأصل بالفرع،فالكائن الإنساني الأول الذكر آدم عليه السلام  وهي النفس الواحدة التي انتشر منها البشر ومنها تفرعت الأنثى أمنا حواء فهي الأم لكل أحد خلا آدم ،فهو الأب لكل البشر بلا استثناء،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) ففي اللغويات  علامة الفرق تلازم الفرع لأن الفرع للفرع حسب الفلسفة النحوية فاللغة العربية-وهي أفصح اللغات- تميز الأنثى بالتاء كما في طالب وطالبة، أوالألف كما في أحمر وحمراء، وتدخل الأنثى خطاب الذكور لاحتمالية احتواء الأصل للفرع، والعكس غير صحيح ،وفي علم الأجنة يحمل الذكر الجينين الذكر والأنثى اما الأنثى فجين الأنوثة فقط ،

فالنساء شقائق الرجال كما ورد في الأثر، وإثارة العداء والنعرات بين  الجنسين سفسطة شعبية لا تقوم ببرهان وتعتمد علي اسا طير قديمة عفي عليها الدهر والزمن،وعلي أوهام وتقاليد تهاوت واكتسدت عند أهلها من الغرب والشرق، أمّا تأنيث المذكر واسترجال المرأة والتحويل الجنسي فمن آفات العصرومناكيره، ومن العجب العجاب : من يحاول -من الكتاب- تأصيل تلك القضايا والاجتهاد مع النصّ  وليّ عنق النصوص بمزاجهم لتحسب العامة أنه من الكتاب وماهو من الكتاب ، ولكن أين الثرايا من الثرى ؟ وسنن الكون الناصعة من تهافتات البشر الساقطة ؟،( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) فاطر:43

نعم ، ماكان من باب الحقوق والواجبات بين الذكر والأنثي فبحسب الغرم والغنم،ومن رام غنما بلا غرم فقد أفسد القضية، وفي مجالات الحياة العامة كلّما كانت الخطورة والمصاعب أرجح في الأمر كانت الذكورة شرطا، رفقا للقوارير وتكليفا ومشقة للرجل ،لا تشريفا ومفاضلة كما يحلو للبعض فالتشريف والتكريم خارج من باب الذّات والجنس ،فلا فضل لذكر على أنثى وعربي على عجمي، وأحمر على أسود أوالعكس،  فالتفضيل مرتبط بالأوصاف أوالعرض، وما اكتسبه المرء بعد البلوغ من خير وشرّ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم).

زر الذهاب إلى الأعلى