عام جديد واعد للصومال

في يوم الجمعة الـ 30 من شهر ديسمبر الماضي، قام رجل في الأربعينات من عمره بعد صلاة الجمعة في أحد مساجد حي “تبكايو مذو” بمديرية طركينلي جنوب العاصمة مقديشو، وقال سائلا وعيناه تستعبر لما أصابه من الجَهد، وضيق الزرق: لا أبكى بسبب الفقر  والجوع، لكنني أبكى على عجزى رغم مما حباني الله من قوة وصحة ورغبة في العمل والكسب الحلال عن الحصول على عمل أعيل به أسرتي، وأنفق عليها.

وأضاف: قبل سنوات كنت أشتغل حمالا بعربة يدوية، وكنت أحصل على ما يسد احتياجات أسرتي من العيش والسكن، لكن منذ أشهر  صرت أخرج من بيتي كل صباح أجوب الطرقات وأقضي ساعات النهار في الأسواق ثم أعود إليه عند غروب الشمس خالي الوفاض  وليس في جيبي ما يسد رمق عيالي.

ضاقت على هذا الرجل الأرض بمارحبت وسدت في وجهه الأبواب بسبب الظرف المعيشي الصعب الذي تمر به البلاد  ولم يعد أمامه سوى أن يستبشر خيرا وينتظر ما يخفي له العام الجديد. 

لم يكن العام الماضي 2016 بالنسبة  للصوماليين سوى قطعة من النار، لقد ساءت أحوالهم، وعال أمرهم، وصبرهم كاد ينفذ، وما من بيت من بيوت الصوماليين الا ويحكى عن قصص حول نكد العيش والعوز، وظروف ضيقت عليهم الخناق.

اتصل بي، أمس الأحد، رجل أكن له كل الاحترام، تجاذبنا أطراف الحديث وتحدثنا عن الوضع المعيشي في البلاد وما يمكن أن يحمل العام الجديد للصوماليين، وأثناء الحديث فاجأني الرجل وقال لي إن الوضع المعيشي في الصومال بلغ مرحلة لا يطاق  وأنهم يقرؤون الفاتحة من أجل أن يحدث تغيير سياسي في البلاد ، وأخبرني قائلا لم يمر  منذ 1991  بوضع معيشي أشد وأنكى مما هو عليه اليوم .

قبل أربع سنوات كان هذا الرجل يسكن في بيت قرب الشارع الرئيسي في الحي الذي يسكنه، وانتقل في عام 2015 إلى بيت آخر أرخص ايجارا من البيت الأول، لكن بعد أن ازداد وضعه المعيشي سواء بات غير قادر  على دفع إيجار البيت الأخير .

وهناك قصة ثالثة. فقد حكي صديق لي بالولايات المتحدة الأمريكية، أمس عن قصة صديق له تعكس جانبا مما آلت اليه حياة  الصوماليين، وعن آلام ومعاناة الطبقة المتوسطة. وقال لي: أتصل شخص بصديق لي كان يجلس معي وتحدثا برهة قصيرة وبعد انتهاء المكالمة، سألني صديقي عن الحالة الاقتصادية للمدرسين في الصومال، فقلت له ساءت في الفترة الأخيرة. وقال الصديق: هذا الشخص الذي اتصل بي صديق قديم كان يعمل في أحد المدارس بمقديشو وكان ميسور الحال، لكن لم يأخذ راتبه منذ شهور، واتصل بي لعلى أخفف عما يجيش بخاطره من مشاعر الحزن والأسى.

إلى جانب هذه القصص فهناك قصص أخرى أبطالها أشخاص كانوا قبل سنوات ميسوري الحال تبدلت أحوالهم وتتلفح وجوههم اليوم لهيب واقع معيشي مرير، فهؤلاء الأشخاص وغيرهم يراهنون على تغيير سياسي يلوح في الأفق يطال جميع مناحي الحياة ويعلقون آمالا كبيرة على الحكومة المقبلة.

كما استبقل العالم بميلاد العام الجديد 2017 بالحفلات والمفرقعات واللألعاب النارية يستبشر الصوماليون بعام جديد مفعم بالأمل والرجاء لبلد أكثر سلاما واستقرارا ورغدا  ولشعب أكثر عزيمة واصرارا على طي صفحة الماضي، وفتح صحفة جديدة عنونها الأبرز البناء والتعمير.

يستبشر الصوماليون بعام جديد مليئ بالبشائر والحبور حاملا في ثناياه رياح التغيير، ونسائم التثبيت التي لا تحرك شجرا ولا تعفي أثرا يقودها رجل مشهود له بجودة الرأي، وحسن التدبير، والسعي لمعالي الأمور، والإرادة والقدرة على  تحقيق طموحات وتطلعات هذا الشعب المكلوم.

بعد أن  مرت الانتخابات التشريعية بسلام -رغم ما خالطها من أشياء معيبة- وتم انتخاب برلمان اتحادي أدى أعضاؤه اليمين الدستورية في  27 من شهر دسيمبر عام 2016  في حين يتوقع ان ينتخب الرئيس في 22 من شهر يناير الجاري، ينتظر الصوماليون بفارغ الصبر ولادة سلطة جديدة، لا يكون لسان حالها من شابه أباه فما ظلم، تضع حدا للماضي الأليم، والسنون العجاف تهتم أحوالهم وتركز على بناء مستقبل أبنائهم، وتقودهم نحو الازدهار والرفاهية.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى