سكة حديد جيبوتي- أديس أبابا : النشأة ومراحل التطور (1896-2013)

خط سكة حديد جيبوتي-أديس أبابا هو عبارة عن خط حديدي بمسار واحد يربط بأديس أبابا العاصمة الإثيوبية بجمهورية جيبوتي بطول يبلغ 784كلم. وبدأت الأعمال التمهيدية لمد هذا الخط الحديدي بين البلدين 1897م. واستغرق بناؤه عشرين سنة، حيث إكتمل البناء وتم الإفتتاح رسميا في 6 يونيو 1917م. وسميت السكة عند تأسيسها بسكة الحديد الفرنسي-الإثيوبي ( CFE) ثم تغيرت التسمية لاحقا 1981م إلى سكة الحديد الجييوتي-الإثيوبي  (CDE) وتوقفت عن العمل نهائيا 2006م.

الظروف الدولية وفكرة الإنشاء. 1896

خرج القطار الجيبوتي-الإثيوبي من رحم الصراعات الدولية التي كانت ترى في هضبة الحبشة مجالا طيبا للنشاط حيث الوفرة في مواد الخام الزراعية والمعدنية. وكانت إيطاليا أول من حاول الوصول إلى هضبة الحبشة والإستيلاء عليها، إلا أن الدولة الفرنسية اعترضت على ذلك، وأفسدت الأمر على الإيطاليين. حيث بعثت أسلحة ودخيرة إلى ملك الحبشة منليك الثاني الذي تمكن من إلحاق هزيمة تاريخية بالقوات الإيطالية، عند موقعة عداواه( Adoua) 1896م فجعل ذلك ملك الحبشة يعزز علاقاته مع الفرنسيين ولا يعارض إنشاء خط الحديد من جيبوتي إلى منطقة هرار الإثيوبية.

وكانت الشركات البريطانية أيضا من جانبها قد شرعت في وقت سابق القيام بأعمال تمهيدية، لمد الخط الحديد من عدة مدن ساحلية كمدينة بربرة، ومدينة زيلع في الصومال البريطاني إلى مدينة هرار الإثيوبي، إلا أن النتائج كانت قد خيبت آمالها لوجود عراقيل جيولوجية جعلتها تتوقف وتلغي أبحاثها، مما جعل الشركات الفرنسية تفوز وحدها بإمتياز حق الوصول إلى الهضبة.

رفض المشروع وعرقلته.

أعلنت قبيلة العيسى رفضها القاطع لإقامة هذا المشروع، وأعربت عن تخوفها من تأثير المشروع على المناطق التي يمتد فيها نفوذها، وانعكاسه سلبا على وفرة الكلأ، وتحدث أعيان القبيلة عن عبء الرجل الأبيض على البيئة الطبيعية، وعن الشكوك التي تساورهم بوجود علاقة ما بين قدوم المستعمرين وطهور الأمراض ونفوق الماشية. كما إنزعج من إقامة المشروع أصحاب القوافل التجارية من نفس هذه القبيلة الذين كانوا يملكون الأمر والنهي والرحيل والإناخة في القوافل المكونة من الإبل الناقلة للبضائع بين زيلع وهرار نظرا لما يمثله هذا المشروع من تهديد مباشر على أهم رافد من روافد الإقتصاد المحلي. واشتد الرفض والتنديد بصورة خاصة عندما لقي هذا الرفض تشجيعا من الإيطاليين والبريطانيين المناويين للمشروع مما جعل شركة فيروفير(ferroviaire) الفرنسية تتمهل وتتوقف عن مباشرة أعمالها ريثما تتضح الأمور.

الشروع في البناء ( الجزء الأول )

في عام 1896م تحولت شركة فيروفير (ferroviaire) الفرنسية من شركة حكومية إلى شركة مملوكة للقطاع الخاص، وبدأت تدخل سوق العمل بإسم الشركة الإمبرالية لسكك الحديد الفرنسي-الإثيوبي برأس مال قدره 2 مليون فرنك. وأبدت استعدادها لمباشرة العمل ومد الخط من ميناء جيبوتي إلى قرية دانولي (Danwale) عند حدود مستعمرة ساحل الصومال الفرنسي مع الأراضي الإثيوبية.

ودخلت فرنسا مفاوضات مع قبيلة العيسى لإقناعها وتبديد مخاوفها من إقامة المشروع على أرضها، ولم يتنازل أعيان القبيلة عن التمسك بالرفض إلا عندما اضطر المفاوض الفرنسي شرح الأمر بالقول: ” إن سكك الحديد لن تشغل من أرضكم الواسعة إلا مقدار عرض خطوة رجل منكم”

وقام يمثل ذلك في الأرض مفرجا بين رجليه. واستمرت المفاوضات والمباحثات شهرا كاملا، قطع فيها الجانب الفرنسي وعودا منها النقل المجاني للركاب من أبناء القبيلة، وعدم استقدام عمالة أجنبية، وصرف أجور ومكافئات مجزية للعمال في بناء الخط.

واستغل الفرنسيون تخوفات القبيلة من استقدام” الأيدي العاملة الأجنبية” مع أن الفرنسيين في الأساس لم يكونوا ليستقدموا عمالا أجانب في أعمال الحفر والبناء، نتيجة الأجور الواسعة التي كانوا سيحتاجونها، والجو الحار والأمراض التي تصيبهم نتيجة الحرارة .

وسرعان ما خالفت الشركة الفرنسية الوعد برعاية حقوق العمال وتوفير الوسائل المناسبة لأعمال الحفر والبناء، حيث بدأت تكره العمال على العمل في ظروف قاسية معتمدين على الحفر على أيديهم وعلى الفأس والجاروف فقط. كما أن لائحة الشركة لأجور العمال، ووسائل الطعام، وإعداد ماء الشرب، ومواعيد دفع الأجور، قد حددت أن لا يزيد أجر العامل في اليوم مبلغ فرنك واحد مهما تكن قوة العامل من ناحية البنية الجسمانية.

ومهما يكن من أمر فإن الشركة الإمبرالية بدأت مد الخط من ميناء جيبوتي في أكتوبر 1897م .وتمكنت من دفع القطار على سكك الحديد من ميناء جيبوتي حتى الحدودو الإثيوبية (108كلم) بحيث احتفل الفرنسيون بحركة عربات القطار في 14يوليو 1900م. وقاموا بتضحية ألفين من الضأن والماعز.

تجدد العقبات والعراقيل.

في أكتوبر 1900م توقف العمال عن أعمال شق الطريق لدى رؤيتهم قبر الجد الأكبر لإحدى بطون قبيلة عيسى، مواجها طريق القطار. وطالبوا المهندسين بتعديل الطريق احتراما لصاحب هذا القبر، الأمر الذي استخف به المهندسون ورأوه مضيعة للجهد والمال.

فأثار ذلك حفيظة الكثير من أبناء القبيلة وجعلها تنظم غارة على إدارة الشركة أسفرت عن مقتل تسعة فرنسيين بينهم مهندسون وحراس . وكرد فعل لهذا الهجوم المباغت قام حرس الشركة بشن هجوم واسع على مضارب القبيلة لسفك الدماء والإستيلاء على أعداد كبيرة من قطعان الماشية.

وبدلا من أن يتدخل حاكم المستعمرة لحل الإشكالية، وإنهاء الأعمال العدائية، سارع إلى إصدار خمس قرارات تتضمن شتى أنواع العقوبات، تسمح للشركة الإمبرالية : الإمساك عن صرف الأجور ومستحقات العمال المادية، التوثيق بالحبال، الضرب بالعصى، اغتصاب النساء، القتل .

واستمر سفك الدماء في كلا الجانبين، و جاءت العقوبات الغليظة بنتائج عكسية وتعرضت نقاط العمل على طول السكة لأعمال تخريبية واضطرت الشركة وقف العمل نتيجة الظروف الأمنية ونقص الأيدي العاملة لمدة سنة كاملة.

المتاعب المالية .

واجهت الشركة عجزا ماليا دفعها تقديم الدعوة إلى الشركات البريطانية المملوكة للإخوة أوشيس ( Oches) للمساهمة في تمويل المشروع. وكان ذلك بعد أن كادت الفوائد الربوية، والمناورات المالية المعقدة أن تدفع الشركة إلى حافة الإفلاس. فالتأمينات المالية لم تنتقل إلى حساباتها في البنوك، بينما أضحت الديون المرهقة منذ فترة طويلة موردها الوحيد لتغطية نفقاتها المالية.

ولإبعاد شبح الشركات البريطانية، والمحافظة على الهوية الفرنسية للخط الخط الحديدي، قدم المستثمر الفرنسي بنهور (Bonhoure-Chefneux) للشركة مساعدات مالية سنوية تبلغ 500 000 فرنك لطرد الشركات البريطانية من المشروع. فتعافت الشركة بذلك من متاعبها المالية. ولإيجاد حل لبعض الصعوبات التي تستلزم زيادة التكاليف، كصعوبة العمل على أرض رميلة مليئة بالأخاديد، وطول المسافة الذي قد زاد ( من 225 كلم بحسب الدراسات السابقة كي يصبح 310 كلم ) عند تنفيذ العمل على أرض الواقع، تنازلت الشركة عن الكثير من موصفات الجودة للتخفف من العبء المالي وبدأت تعتمد على بعض الحلول الهندسية كإنشاء رصيف لكسر الأمواج بدلا من إقامة الجسور العلوية. وتمكنت بذلك من إنجاز العمل، و مد الخط الحديد إلى مدينة دريداوه الإثيوبية في ديسمبر 1903م .

صراع الإرادات للفوز بحقوق الإمتياز لبناء ( الجزء الثاني).

لما نجحت فرنسا إبعاد الشركات البريطانية عن المشروع نهائيا وتمكنت شركة فيروفير (ferroviaire)الفرنسية من مد الخط الى مدينة دريداوة معتمدة على جهودها الذاتية، ساورت المخاوف الملك منليك الثاني ودفعته بريطانيا إلى معارضة المشروع باعتبار أن المشروع  بات مشروعا سياسيا فرنسيا يهدف إلى إمتلاك الحبشة وضرب الممتلكات البريطانية في المنطقة. وظهر ذلك في برقية أرسلها قنصل بريطانيا في عدن إلى الملك منليك يحذر فيها القنصل الملك من عواقب تأييده للمشروع والسير وراء الفرنسيين. واستغل القنصل تخوفات الملك من استقدام فرنسا آيادي عاملة فرنسية إلى مدينة دريداواه تتحول مع الوقت نتيجة إلتحاق أهاليهم بهم إلى مستعمرة فرنسية داخل الأراضي الحبشية ، مما جعل الملك منليك يعلن عدم موافقته لأن تمضي الشركة قدما في بناء الخط. ولجأت فرنسا من جانبها لتمرير مخططاتها إلى إتفاقية 13ديسمبر 1906م التي تعتبر إثيوبيا مجالا لنفوذ كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة.

ونجح المبعوث الفرنسي أنتوني كلايكوسكي( Antony Klobukowski) انتزاع الموافقة من الملك في 10يناير 190م للتوقيع على اتفاقية صداقة تقضي أن تتمتع الجاليات الأوروبية في إثيوبيا بالإستقلال في التشريع والقضاء والإدارة .ومنح الفرنسي جوزيف فيتاليا ( Joseph Vitalien ) طبيب الملك منليك  احتكار حق الإمتياز في بناء الجزء الثاني من السكة ومد الخط الحديدي من دريداوة إلى أديس أبابا ، واعتبار الطبيب الممثل الوحيد لشركة قيد الإنشاء تكون مكلفة بتشغيل القطارات على الأجزاء من السكة التي صارت صالحة للعمل. أما شركة فيروفير (ferroviaire) الفرنسية فإنها اكتفت من العمل وقدمت حسابها الختامي في 3يونيو 1907م  معلنة أن التكلفة الإجمالية لبناء السكة كانت 47,8 مليون فرنك منها 10 إجمالي رسوم تمويل ومبلغ 4 مليون فرنك مستحقات مالية للمهندس السويسري الفريد (Alfred ) الذي كان يشغل منصب وزير خارجية اثيوبيا، ومبلغ 32,5 مليون فرنك إجمالي تكاليف بناء مستحقة للمستثمر الفرنسي بنهور شيفنيه (Bonhour-Chefneux)

مولد شركة سكة الحديد الفرنسي – الإثيوبي وبناء ( الجزءالثاني )

تأسست شركة سكة الحديد الفرنسي-الإثيوبي  1908م من عدة بنوك فرنسية، يسوقها بنك الأندوسويس الفرنسي، ودخلت هذه الشركة فور تأسسها عدة اتفاقيات منظمة لعلاقة الشركة مع الدولة الفرنسية كي تضمن لنفسها ولادة آمنة،  وانطلقت في أول رحلة عمل لها في يناير 1910م لإستئناف أشغال البناء ومد الخط من دريداواه إلى أديس أبابا.

ففي مايو 1911م صارت 66 كلم من السكة سالكة أمام عجلات القطار، وفي أغسطس 1912م  دفعت الشركة القطار حتى 100 كلم من دريداوه ، و 235 كلم أخرى في فبراير 1914م. واستمرت الشركة في العمل حتى اكتمل البناء، وأصبح الخط ممتدا، وصارت عربات القطار تنهب الطريق نحو أديس أبابا في 7مايو 1917م ، على الرغم من أن محطة القطار في أديس أبابا تأخر إفتتاحها إلى 1929م .

وصار الفرنسي شارلي ميشيل(Charles Michel) يترأس شركة سكة الحديد الفرنسي – الإثيوبي  عام 1909م  بتوكيل من الحكومة الفرنسية التي أضحت تحتكر إدارة الشركة ، وتمارس عليها رقابة مالية مشددة، الأمر الذي صار دافعا للشك بوجود نوايا غير سلمية من وراء ذلك، نظرا للوضع السياسي الذي كان قائما في المنطقة في ذلك الوقت.

فطلب الملك منليك من البريطانيين تولي إدارة الجزء الخاص بإثيوبيا من السكة للإطمئنان على مصالح بلاده في المشروع. ولكن هذا الأمر لم ينجح إلا في الفترة 1941_1946م.نتيجة قيام الحرب العالمية الثانية ووقوع فرنسا تحت الإحتلال النازي بحيث صارت السلطات العسكرية البريطانية التي كانت في ذلك الوقت تحتل أجزاء واسعة من إثيوبيا تتولى إدارة السكة وتمارس عليها رقابة مالية بدلا من الفرنسيين.

وتغيرت شروط تشغيل السكة في إثيوبيا كثيرا بعدة إتفاقيات بين فرنسا والحكومة الإثيوبية. ففي 31 مارس  1922م وقعت الحكومة الفرنسية على إتفاقية لإنهاء الخلافات الفرنسية الإثيوبية الخاصة ببناء محطة القطار في أديس أبابا، وإلغاء مصلحة الجمارك في مدينة دريداواة.

وفي 12أغسطس 1929م وقعت فرنسا إتفاقية أخرى تحدد فترة 99 السنة لرخصة عمل الشركة في الأراضي الإثيوبية على أن تكون بداية تلك الفترة في يناير 1918م ولنقل الشؤون الإدارية لمدينة دريداوة إلى السلطات الإثيوبية، وقعت فرنسا إتفاقية منظمة لذلك في 20 مارس 1926م، على الرغم من أن ذلك لم يتم إلا في 1931م.

ووصلت حركة نقل البضائع بالقطار 1928م من ميناء جيبوتي إلى 700 000طن، وتدفقت العروض التجارية على السكة خاصة وأن عربات القطار تنقل البضائع من ميناء جيبوتي إلى أديس أبابا بأقل من 25 ساعة .

وعلى الرغم من أن إعتماد التجار على الشركة قد زاد بعد اجتياح إيطاليا الأراضي الإثيوبية 1936م إلا أن الشركة لم تتمكن من الإستجابة لطلب إيطاليا بزيادة شحنات نقل البضائع ،الأمر الذي دفع السلطات العسكرية الإيطالية إلى تخريب السكة، وإتلاف بعض أجزاء المسار بغية إنشاء طريق بري يربط إثيوبيا بميناء عصب، ويفسح الطريق أمام نمو التجارة بين إيطاليا والأسواق الأثيوبية الناشئة.

ونتج من توحيد الإدارة بين إريتريا وإثيوبيا لاحقا تعبيد هذا الطريق وفتحه كطريق مسلفت 1937م لمنافسة شركة سكة الحديد – الفرنسي الإثيوبي. خاصة بعد أن تمكن الإيطالي أنتونا بيسي (Antonin Besse ) من تكوين شركة للنقل من ميناء عصب إلى أديس أبابا معتمدا على النقل بالشاحنات.

وتوقفت سكة الحديد عن العمل في الفترة 1938-1942م نتيجة تضرر منشآتها من إعتداءات إيطاليا، وقيام الحرب العالمية الثانية. وجرى إتفاق دبلوماسي بين فرنسا وإثيوبيا لتأليف قلوب الإثيوبيين  في 12نوفبر 1959م أدخل تعديلات جوهرية تؤسس لعهد جديد وتقسم ملكية الشركة بين البلدين بالتساوي. وانتقل مقر الشركة تبعا لذلك إلى أديس أبابا، بينما بقيت الإدارة العامة، والإدارة الفنية للشركة في عهدة الفرنسيين. وذلك حتى 1975م.

التوقف النهائي لتشغيل السكة  2006م

بعد استقلال جمهورية جيبوتي 1977م ، وقيام الثورة الإثيوبية 1974م ، قررت فرنسا في ظروف غامضة التخلي عن الشركة. فاقتسم البلدان تركة الرجل الأبيض بإتفاق جرى بينهما في 21 مارس 1981م  يقضي أن تقتصر ملكية جيبوتي من الشركة على 10% وأن تحصل إثيوبيا على نسبة 90% من ملكية الشركة وأن يتغير اسم الشركة إلى شركة سكك الحديد الجيبوتي- الإثيوبي .

واستمر البلدان في جمع الأرباح الطائلة، وجني المنافع الخدمية والإقتصادية من عمل هذه الشركة،

حتى أصبحت معدات تشغيل السكة 2000م  متهالكة، بفعل مرور الزمن، وتعرض الخط الحديدي للكثير من التلف، بسبب نقص أعمال الصيانة الدورية، فضعفت قدرة الشركة لنقل البضائع، وصارت خدماتها سيئة، وشهدت ارتفاع كبيرا في حوادث القطارات، وأضحت تتخبط في مشاكل عدة.

ولم يعد القطار الوسيلة الملائمة عند التجار وأصحاب البضائع بعد أن رفعت الشركة تعرفة نقل الطن الواحد إلى 55 دولار مقابل 30 دولار عند النقل بالشاحنات، كما أن معدل سرعة تسليم البضائع قد اختلف كثيرا،  فبينما تطوي الشاحنات المسافة ما بين ميناء جيبوتي وأديس أبابا في ثلاثة أيام فقط، فإن رحلة عربات القطار تستمر في ذلك إلى عشرة أيام. مما جعل الإتجاه الى إعادة تأهيل السكة أمرا ضروريا.

وتوقفت الشركة في 2006م عن تشغيل السكة ، وأصبح القطار عاطلا عن العمل باستثناء الجزء الواقع ما بين دريداوه والحدود الجيبوتية-الإثيوبية حيث لا تزال السكة تعمل بقطارات وعربات مهترئة، وتعمل ببطء شديد لنقل الركاب رغم تعرض السكة للكثير من التلف والتصدع والإهتراء بفعل مرور الزمن.

طرح عدة مناقصات لإعادة تأهيل السكة.

لإعادة تأهيل السكة تقدمت جيبوتي في 2002م  بطلب إلى الوكالة الفرنسية للتنمية(FAD) غير أن الوكالة اشترطت قبولها لتمويل المشروع خصخصة الشركة، أو عرضها للإيجار. وتعللت الوكالة في ذلك بأن أنظمتها لمنح الديون قد تغيرت بصورة لا يمكنها تقديم ديون سيادية للدول الأقل نموا بينما تسمح نفس هذه الأنظمة تقديم ديون غير سيادية. وهو ما يتطلب تأجير الشركة للمستثمرين .الأمر الذي رفضته كل من جيبوتي وإثيوبيا على حد سواء .

وعلى الرغم من أن تكاليف النقل بالشاحنات قد شكل أحد الأسباب الرئيسية لإرتفاع أسعار السلع في إثيوبيا  بمعدل 13,84% بحسب تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية 2000م إلا ان الحكومة الاثيوبية تقاعست تماما عن أداء دور فعال لإعادة إعمار السكة.

وتفاقمت الأضرار الإقتصادية التي كان يمكن تجنبها نتيجة التقاعس عن إعادة إعمار السكة، فالطاقة الإستيعابية لميناء جيبوتي الدولي انخفضت كثيرا بسبب تكدس البضائع الإثيوبية التي تمكث وقتا أطول في انتظار الشاحنات بينما بلغت الخسائر الإثيوبية 35مليون دولار سنويا بسبب تأخر البضائع، وضعف كفاءة نقلها من ميناء جيبوتي.

واكتنف الغموض على تعثر مشروع إعادة تأهيل السكة، فعلى الرغم من توفر الرغبة السياسية في البلدين وحيوية المشروع، وجذبه الكثير من الممولين إلا أنه قد تمت إعاقته عدة مرات في ظروف غامضة.

وللوقوف في تفاصيل هذه القضية نجد أن البلدين كانا قد إتفقا على طرح مناقصة 2004م لإستغلال السكة وإعادة تأهيلها من جديد، ولكن ما أن رست المناقصة مبدئيا على مجموعة كومازار (Comazar) حتى سارعت إثيوبيا إلى إفشال الأمر وأعاقت إجراءات إتمام العقد.

ثم دخل البلدان في مفاوضات مع شركة الغانم الكويتية دون أن تسفر على نتائج بسبب عجز الحكومتان على توحيد الرؤية وتسوية خلافاتهما قبل الدخول في إتفاقيات مع أطراف دولية.

ورفضت جيبوتي تحسين مرافق ميناء دورالي الدولي وإيصال السكة الحديدية إليه ما لم يتم أولا إعادة تأهيل السكة كلها، بينما أمسكت إثيوبيا مساعدات الإتحاد الأوروبي لإجراء أعمال ترميم على أجزاء من السكة (114كلم ) ولم تصرف منها شيئا على أعمال الصيانة.

وأعلنت السلطات الإثيوبية أمام تساؤلات الرأي العام بأنها تتحمل المسؤولية في تأخير إعادة تأهيل السكة في ظل تفاقم إشكالية نقل السلع، خاصة وأن حركة نقل البضائع بالشاحنات وصلت إلى 4,5 مليون طن في 2006م.

ومهما يكن من أمر فإن تعنت الحكومة الإثيوبية وتخوفها من طرح مشاريع لإعادة إعمار السكة لم يكن يرجع في الأساس إلى تعقيدات الملكية المشتركة لشركة سكك الحديد الجيبوتي-الإثيوبي، وإنما كان ذلك لوجود معارضة قوية قامت بها الشركات الإثيوبية التي تحتكر مجال النقل البري والشحن البحري، مستخدمة نفوذها وتأثيرها على الحكومة الإثيوبية لمنعها من الدخول في أي اتفاق مع حكومة جيبوتي، والمضي قدما في طرح المناقصات على الشركات الأجنبية.

وعندما بدأ فصل جديد من الشراكة الإقتصادية بين الصين وإثيوبيا أعلن بنك إكسيم الصيني (Exim Bank) رغبته في استثمار سكك الحديد وعرض مبلغ 600 مليون دولار لتمويل مشروع إعادة إعمار السكة فسارعت الحكومة الإثيوبية الى الموافقة 2013م حيث فازت شركة الصين للإنشاءات الهندسية (CCECC )بعقد إنشاء الخط . ويتضمن العمل بناء سكك الحديد كلها من جديد ، المحطات وكل توابعها، القطارات، الرصد، أجهزة الإتصالات والحواسيب، وغيرها من المستلزمات اللوجستية.

د. عبد الله قمني آدم

مدرس اللغة العربية في جامعة جيبوتي ومقيم في جيبوتي، وله مقالات وتقارير وابحاث باللغة العربية
زر الذهاب إلى الأعلى